تأسست الجمعية المصرية لعلوم الفلك عام 2015 من طرف مجموعة من المختصين وهواة الفلك؛ بهدف زيادة الوعي العام بشأن علوم الفضاء والفلك. وخلال سنوات وجودها، أشرفت الجمعية على مجموعة واسعة من الأنشطة الفلكية المتنوعة، منها تنشيط محاضرات عامة وتنظيم ليالي رصد ورحلات علمية وعرض أفلام في علوم الفلك وغيرها من النشاطات.
الجزيرة نت حاورت -عبر البريد الإلكتروني- رئيس الجمعية المصرية لعلوم الفلك المهندس عصام جودة، الحاصل على بكالوريوس الهندسة المدنية من جامعة القاهرة، وشهادة في ديناميكا الفضاء من الجامعة نفسها.
في البداية، حدثنا عن الجمعية المصرية لعلوم الفلك وخلفيات نشأتها؟
تم تأسيس الجمعية عام 2015، وهي بالتالي جمعية حديثة النشأة بالمقارنة مع الكثير من جمعيات علم الفلك في الوطن العربي، وهي قائمة في الأساس على مجموعة من محبي علم الفلك، ليسوا بالضرورة من ذوي تخصص أكاديمي في علوم الفضاء أو الفلك، فأنا مثلا مهندس وحاصل على دبلوم ديناميكا الفضاء، لكن معنا أيضا خريجو علوم فلك.
الجمعية أهلية، غير حكومية، ولذلك فهي قائمة على الجهود الذاتية التي يبذلها الأعضاء، والهدف الرئيسي من إنشائها هو نشر الثقافة العلمية وتصحيح المفاهيم الخاطئة حول هذا العلم.
كيف هو حضوركم بين الجمهور بعد مرور 7 سنوات؟
بالنظر إلى حداثة نشأة الجمعية وإمكاناتها المحدودة، فنحن نرى أننا نحظى بإقبال معتبر ومتزايد في نفس الوقت.. مكتبنا الرئيسي في القاهرة، ونحاول الانتشار في باقي المحافظات للوصول إلى المزيد من الجماهير.
عدد الأعضاء المنخرطين في الجمعية يناهز 90 عضوا، لكن بفضل وسائل التواصل الاجتماعي فإن انتشارنا أصبح قويا، فصفحتنا على فيسبوك فيها أكثر من 75 ألف متابع، وهذا رقم معتبر.
ماذا عن نشاطكم خارج الفضاء الافتراضي؟
بعيدا عن الفضاء الافتراضي، نحن ننشط أيضا على مستوى المراكز الثقافية والمكتبات العامة، حيث نقوم بتنظيم أمسيات فلكية، وندوات عامة، وورشات عمل للأطفال، ومحاضرات حول إمكانية الحياة على كوكب المريخ مثلا، نقدم فيها معلومات عامة حول مقومات الحياة على كوكب الأرض والفارق بين الكوكبين.
كما نقدم دروسا نظرية حول علم الفلك، ونقوم بين الحين والآخر بتنظيم رحلات علمية، مثلا إلى مرصد القطامية الفلكي الذي فيه أكبر تلسكوب في الوطن العربي، إذ يبلغ قطره 74 بوصة وقد تم إنشاؤه عام 1964، وهو يعمل حتى الآن، إلا أن الامتداد العمراني بدأ يؤثر عليه بسبب انتشار التلوث الضوئي.
وننظم أيضا رحلات علمية الى أعماق الصحراء، مثل الصحراء البيضاء التي تعتبر جزءا من الصحراء الكبرى، وقد سميت كذلك لأن فيها تكوينات حجرية بيضاء اللون من الحجر الجيري وسط الكثبان الرملية، فالأجواء الطبيعية في مصر مناسبة للرصد الفلكي، وهي -بحسب ما نعتقد- أحسن بكثير من أوروبا مثلا.
نشارك أيضا في معرض القاهرة الدولي للكتاب، حيث نقوم بحجز جناح صغير ونعرض فيه بعض الكتب الفلكية ووسائل الإيضاح والرصد، ونقدم بعض الشروحات والتفاصيل للجمهور العام، وهي فرصة كبيرة لنا لأن المعرض يقصده طوال أسبوعين حوالي مليونين من الزوار، وقد شاركنا في 3 سنوات متتالية.
كما أن لنا أنشطة على مستوى القبة الفلكية في مكتبة الإسكندرية، ولنا علاقات جيدة مع القائمين عليها وعلى رأسهم الدكتور عمر فكري الذي ساعدنا كثيرا في ذلك.
وماذا أعددتم من أنشطة للصغار والكبار خلال عطلة الصيف؟
برمجنا أمسيات فلكية وندوات مسائية 3 مرات في الشهر، يتم تحديد موعدها بحسب الظروف. فمثلا لدينا يوم 21 يونيو/حزيران ورشة حول كيفية قياس محيط الأرض، وذلك في مكتبة المستقبل العامة، تتبعها يوم 25 جلسة لمشاهدة فيلم “شخصيات مخفية” (Hidden Figures) ومناقشته، وهو فيلم علمي يدور حول 3 خبيرات في الرياضيات كان لهن دور في رحلة أول رائد فضاء بشري، وسيكون ذلك في مكتبة مصر العامة بالزاوية الحمراء.
برمجنا أيضا يوم 29 ندوة بمناسبة يوم الكويكبات، وسيكون ذلك في مكتبة مصر العامة بالدقي، ثم في أول يوليو/تموز ستكون هناك رحلة إلى مرصد القطامية، وبعدها رحلة لصحراء الفيوم لم نحدد بعد تاريخها.
بالنسبة للأطفال، نحن ننظم طوال فصل الصيف كل يوم جمعة أنشطة خاصة بهم فقط وفي أماكن مختلفة، كما يمكنهم المشاركة في باقي الأنشطة بحسب إمكاناتهم، مثل أنشطة رصد القمر بالتلسكوب التي ننظمها مرة كل شهر أو حضور عرض بعض الأفلام المناسبة لسنهم.
شاركتَ قبل سنوات في إعداد وتقديم أول فيلم وثائقي مصري عن الفلك، حدثنا عن هذه التجربة؟
الفيلم كان بعنوان “رحلة إلى أعماق الكون”، ويتحدث عن نشأة الكون من البداية، أي كيف تكونت المجرات والكواكب وما حجمنا في الكون وكيف استطاعت الحضارات القديمة فهم علوم الفلك والاستفادة منها.
إنتاج الفيلم كان عام 2016 من طرف قناة “أون تي في” (ON TV)، وقد كان إنتاجا رائعا أضاف الكثير في مجال وثائقيات علوم الفلك، لكن للأسف انتقلت ملكية القناة لجهة أخرى، وحصل خلاف حول حقوق بث هذا الوثائقي والكثير من الوثائقيات، وهو حاليا غير متوفر على يوتيوب حتى يتم فض النزاع بشأن الموضوع.
لك أيضا دروس في علم الفلك، هل من تفاصيل؟
نعم، أطلقت بداية عام 2021 دروسا في علوم الفلك موجهة للجمهور العام، وتمكنت حتى اليوم من إعداد درسين: الأول حول التصوير الفلكي، والثاني حول التلسكوبات. كل درس مقسم إلى ملفات صغيرة ويمتد وقته لحوالي ساعتين، كان بودي إعداد دروس أخرى، لكن للأسف لم أتمكن من ذلك بسبب ضيق الوقت.
تحدثتم عن التلوث الضوئي، إلى أي مدى يعتبر ذلك عائقا للنشاط الفلكي؟
أنا أعتبر التلوث الضوئي بمثابة ضريبة من ضرائب المدنية الحديثة، فالتوسع العمراني وما يتبعه من كثرة الإضاءة يمنع الرصد الجيد، وهو مشكل مطروح في كل دول العالم.
لكن ما زالت هناك أماكن عذراء يمكن الرصد من خلالها، فنحن مثلا نلجأ إلى الصحراء البيضاء وغيرها للقيام بالرصد، بالرغم من أن تلسكوب القطامية هو مكان ملهم ومثير لكنه تأثر سلباً بالامتداد العمراني.
بالحديث عن مرصد القطامية، حدثنا عن أهميته ومميزاته؟
تلسكوب القطامية تم تحويله الآن إلى مطياف، لأنه لم يعد قادرا على رصد الفضاء والتقاط صورة ورؤية مباشرة، لكن ما زال باستطاعته التقاط أطوال موجية مختلفة للموجات الكهرومغناطيسية يمكننا استغلالها بعد ذلك عن طريق تحليلها لمعرفة بيانات كثيرة عن الأجرام السماوية المختلفة. والحكومة المصرية بصدد دراسة مشروع لإنشاء مرصد جديد في منطقة نائية خالية من التلوث الضوئي، وقد يستغرق ذلك بعض الوقت.
كثيرا ما تشتكي جمعيات علم الفلك في الوطن العربي من تقييد السلطات اقتناء التلسكوبات، كيف تتعاملون مع هذا الوضع؟
هو فعلا موضوع شائك، فهذا المنع موجود في الكثير من الدول العربية باستثناء دول الخليج كالإمارات والسعودية. وفي مصر، لدينا لحسن الحظ مصنع محلي للتلسكوبات يستورد العدسات ويصنع باقي التجهيزات، وهذا يسمح لنا طبعا بتجاوز إشكالية المنع بالرغم من أن ثمن التلسكوب المحلي عال مقارنة بالخارج، والمتاح منه اليدوي فقط.
عندنا أيضا في الجمعية تلسكوب حاسوبي من صنع أجنبي، اشتريناه من أحد هواة علم الفلك، ونحن نحاول استغلاله في التصوير الفلكي ورصد الأجرام غير المرئية بالعين كالسدم والمجرات.
كيف هي علاقتكم مع الجمعية العربية أو الجمعية الأفريقية لعلم الفلك؟
في الحقيقة نحن على تواصل مثمر مع الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك، حيث نشارك في الكثير من أنشطته. ولدينا علاقات جيدة مع الكثير من الجمعيات الفلكية في الدول العربية، كالأردن والجزائر وتونس وسوريا وسلطنة عمان، على سبيل المثال لا الحصر.
أما بالنسبة للجمعية الأفريقية والجمعية العربية، فنحن طبعا على تواصل معهما ونتوقع استعادة النشاط معهما بعد نهاية جائحة كوفيد-19.
ما أهم المشكلات التي تواجه عمل جمعيات علم الفلك من وجهة نظرك؟
هناك العديد من المشاكل، لكن أهمها -كما سبق أن أوضحت- موضوع التلسكوبات التي يمنع استيرادها، ونتمنى أن يرفع الحظر عنها قريبا.
هناك أيضا مشكلة التلوث الضوئي الذي يضطرنا إلى قطع مسافات طويلة بعيدا عن المدن من أجل الرصد، وهذا بطبيعة الحال ليس متاحا إلا للذين لهم الإمكانات المادية والقدرة على السفر.
أما المشكلة الكبرى التي نواجهها فهي نقص الدعم المادي، فنحن نعتمد في تجسيد برامجنا على تمويل الأعضاء، وهذا -كما هو معروف- تمويل بسيط لا يسمح لنا بأداء رسالتنا كما ينبغي. للأسف، فإن نشر الثقافة العلمية بصفة عامة وعلم الفلك بصفة خاصة لم يعد يحظى بالاهتمام الكبير، خاصة من طرف رجال الأعمال الذين يركزون فقط على دعم الأعمال الخيرية.
وعلوم الفلك هي قاطرة العلوم، وفي الحضارات القديمة -كالحضارة المصرية والبابلية والصينية وبعدها الحضارة الإسلامية- كان هذا العلم هو مفتاح باقي العلوم، ولذلك فإن الاهتمام به مهم جدا، ونأمل في أن يحظى برعاية أكبر مستقبلا.
هل من كلمة أخيرة؟
بالرغم من كل العوائق، سنظل نبذل الجهد لرفع وعي مجتمعاتنا بأهمية العلوم عموما وعلوم الفضاء والفلك خصوصا، ومحاربة الجهل والخرافات؛ لإيماننا أنها العدو الأول للتقدم والازدهار.