خبراء روس يجيبون.. ما حقيقة أخذ القوات الأوكرانية زمام المبادرة في الحرب مع روسيا؟
موسكو- ما يزال الغموض يلف سير العمليات العسكرية على المحور الشمالي الشرقي باتجاه مدينة خاركيف الإستراتيجية القريبة من الحدود مع روسيا، وسط تأكيد السلطات الأوكرانية إحداث اختراق عسكري في المنطقة، وتحرير نحو 30 بلدة، ويقابل ذلك نفي روسي وإرسال موسكو تعزيزات إضافية إلى هناك.
وتتجاوز أهمية “ثنائية الكر والفر” التقليدية في النزاعات المسلحة لتلامس حقيقة ومدى جدية التصريحات الرسمية للمسؤولين الأوكرانيين والغربيين بخصوص ما يقولون إنها حالة ضعف وبداية انهيار لمعنويات الجنود الروس، وصولا إلى الحديث عن تولي كييف زمام المبادرة في الحرب.
وبالنسبة لأوكرانيا، فإن استعادة عدد من المناطق شرقي البلاد تعدّ في كل الأحوال أكبر إنجاز عسكري تحققه بعد تراجع القوات الروسية في مارس/آذار الماضي عن محيط العاصمة كييف.
ضرب من الجنون
وجاء الموقف الروسي حيال ذلك على لسان الممثل الدائم لروسيا لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا، خلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي بشأن النزاع في أوكرانيا، إذ وصف فيه محاولات الجيش الأوكراني الهجوم على عدة قطاعات من الجبهة -بما في ذلك المعارك على نطاق واسع نحو خاركيف- “بالجنون”، مؤكدا عدم وجود أي اختراق ذي وزن على هذا المحور.
وبينما تتحدث المصادر الروسية عن تمكن القوات الأوكرانية من الدخول لعمق 30 كيلومترا داخل “بالاكليا” في مقاطعة خاركيف، فإنها لا تؤكد ولا تنفي سيطرتها على المدينة، كما تعترف “بمواجهات شرسة” بالقرب من “شيفتشينكوفو”، وفي الوقت نفسه تتحدث عن صد هجوم القوات الأوكرانية في منطقة “كوبيانسك” التي تقع بشكل تام تحت سيطرة القوات المسلحة الروسية.
لا تعليق
وبدأت التقارير حول ضراوة المعارك في منطقة خاركيف الظهور منذ الأول من سبتمبر/أيلول الجاري، مع إعلان وزارة الدفاع الروسية إحباط محاولة أوكرانيا التقدم في منطقة “روسكيي تيشكي”.
لكنها بعد يومين من ذلك لم تنشر -كما جرت العادة- تقريرا منفصلا عن الأعمال العسكرية بالقرب من خاركيف في القطاع الشمالي الشرقي من مسرح العمليات، واكتفت بالقول إن القوات الأوكرانية “تواصل محاولاتها الفاشلة للحصول على موطئ قدم في قطاعات منفصلة في اتجاه نيكولاييف-كريفوروجسكي”.
وبدءا من صباح التاسع من سبتمبر/أيلول الجاري، لم تعلّق وزارة الدفاع الروسية على المعلومات المتناثرة التي نوقشت على نطاق واسع من قبل الخبراء العسكريين بأن القوات الأوكرانية صعدت بحدة محاولاتها الهجومية في اتجاه خاركيف، لكنها نشرت لقطات جديدة تظهر طوابير من القوات الروسية تتحرك في اتجاه المنطقة.
ويرى مراقبون روس أن استعادة القوت الأوكرانية السيطرة على قرى وبلدات هامشية لا يمكن عدّه بأي حال من الأحوال اختراقا أو نقطة تحول في الحرب.
وفي رأيهم، تعد العملية العسكرية الخاصة الروسية في أوكرانيا أول صراع عسكري كبير خلال 30 عاما الماضية، الذي تخوضه من حيث المبدأ قوات متماثلة، وعليه فإن التبدلات والتقدم والتراجع في سير المعارك صفة ملازمة لهذا النوع من النزاعات.
“سبتمبر ساخن”
ويوضح الخبير العسكري فيكتور ليتوفكين في حديث للجزيرة نت أن سبب إرسال تعزيزات عسكرية روسية للمنطقة هدفه “تحرير منطقة خاركيف ومنطقة زاباروجيا ثم مناطق أخرى، كي لا يتم انطلاقا منها توجيه ضربات على منطقتي دونيتسك ولوغانسك”.
ويرى ليتوفكين أن ضمان أمن إقليم لوغانسك واستكمال السيطرة على كامل دونيتسك، يتطلب إبعاد خطر التهديد الناري للقوات الأوكرانية بما لا يقل عن 300 كيلومتر، وهي المهمة التي ستكون ملقاة الآن على عاتق التعزيزات العسكرية المتوجهة لخاركيف. وقال إن سبتمبر/أيلول الحالي سيكون “ساخنًا” من حيث ضراوة المعارك.
هجوم تحت الطلب
من جانبه، يقول مدير مركز التبؤات السياسية دينيس كركودينوف إنه بعد ما وصفه “بالمحاولات الفاشلة” للقوات الأوكرانية لشن هجوم على منطقتي زاباروجيا وخيرسون في الجنوب، بدأت شن هجوم مضاد على محور خاركيف، على طول الخطوط الأمامية في مناطق بالاكليا وإيزيوم وكوبيانسك.
ويربط كركودينوف سعي كييف “بأي ثمن” لتسجيل ولو إنجازا عسكريا واحدا بوصول حزمة مساعدات غربية جديدة إليها، وكذلك لمساعدة الساسة الغربيين في تبرير جدوى المساعدات الغربية لكييف التي تجاوزت 50 مليار دولار، مع الأخذ بعين الاعتبار ارتدادات الحرب في أوكرانيا على الاقتصادات الأوروبية والأميركية، التي بدأت تظهر بشكل واضح هناك.
هامش المناورة
بموازاة ذلك، يؤكد الخبير الروسي عدم الاكتفاء بالقراءات العسكرية التي -حسب رأيه- تتبدل باستمرار لتفسير سير ومستقبل الحرب في أوكرانيا، بل الأخذ بعين الاعتبار مقولة “الحرب خدعة”، موضحا أن القيادة السياسية والعسكرية في روسيا تعمّدت استخدام صيغ مجردة وغامضة للغاية في ما يتعلق بأهداف العملية العسكرية في أوكرانيا كـ”نزع السلاح”، و”القضاء على النازية”، التي يمكن تفسيرها بطرق مختلفة.
وأضاف كركودينوف أن ذلك يتم عن قصد من أجل إفساح المجال للمناورة والإعلان عن نهاية العملية العسكرية عندما يتم تحقيق نتائج مقبولة سياسيًا يمكن أن يقبلها المجتمع.
ومع ذلك، يشير إلى أن الأوضاع الحالية تتطور بطريقة تجعل من المحتمل جدًا ألا يتم في المنظور القريب التوصل إلى اتفاق سلام مع كييف بشروط مقبولة إلى حد ما.