الخرطوم- لم يجد قادة ائتلاف الحرية والتغيير في السودان بُدا من الجلوس على طاولة واحدة مع العسكر الذين أطاحوا بهم من السلطة يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي؛ إذ شهد أول أمس الخميس عقد أول اجتماع بين الطرفين على نحو مفاجئ، بعد ما وصف بـ”ضغوط كثيفة مارستها دول غربية وعربية” على قادة الائتلاف اضطروا بسببها إلى الرضوخ وعقد لقاء مباشر ظل يرفضه الشارع لنحو 7 أشهر.

ورفع تحالف الحرية والتغيير ولجان المقاومة -منذ الإجراءات التي اتخذها قائد الجيش عبد الفتاح البرهان الموصوفة بـ”الانقلاب”- شعار “لا تفاوض، لا شراكة، لا شرعية”، في إشارة لعدم الاعتراف بسلطة العسكر.

 

وكان التحالف أعلن رفضه مبادرة الآلية الثلاثية -بقيادة الأمم المتحدة- الداعية لحوار مباشر بين الأطراف السودانية الذي بدأت جلساته الأربعاء الماضي، لكن التحالف ما لبث أن قلب الطاولة على الجميع بالموافقة المفاجئة على لقاء القادة العسكريين، وهو ما أثار ردود أفعال واسعة، غالبيتها رافضة ومستنكرة.

Meeting of representatives of the tripartite mechanism in Khartoum
جانب من اجتماع الآلية الثلاثية الذي رفض ائتلاف الحرية والتغيير المشاركة به الأربعاء الماضي (الأناضول)

مشاكل مع الآلية الثلاثية

من جانبه، يوضح الواثق البرير الأمين العام لحزب الأمة القيادي في التحالف -للجزيرة نت- أن قوى “الحرية والتغيير” امتنعت عن حضور الاجتماع الذي دعت إليه الآلية الثلاثية تحت لافتة الحوار المباشر بسبب مشكلات أساسية، منها عدم تعريف طبيعة الأزمة السياسية الحالية، إذ يرى التحالف أن “انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول” هو السبب الأساسي للأزمات الحالية وينبغي مخاطبة هذه القضية بكل شفافية ووضوح.

والأمر الثاني، وفقا للبرير، يكمن في أن المجموعات التي شملتها دعوة الآلية داعمة ومساندة لإجراءات الجيش، كما أن بينها حلفاء للنظام المعزول.

وحسب القيادي في التحالف، الذي شارك في الاجتماع مع العسكريين، فإن نجاح المباحثات بشأن إنهاء “الانقلاب” لن يتأتى إلا بتحديد الأطراف المعنية بالأزمة، ومراحل إنهاء الانقلاب، والتوافق قبل ذلك على تهيئة المناخ للبدء في هذه العملية.

 

ضغوط مكثفة

وتقول مصادر -للجزيرة نت- إن الائتلاف العريض واجه ضغوطا مكثفة من أطراف عربية ودولية لحمل قادة الحرية والتغيير على الجلوس للقاء العسكر مباشرة، وأفادت المصادر بأن مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية، مولي في، نقلت للمكون المدني أن الجانب الآخر أبلغها أنه لا يعرف ما يريده تحالف الحرية والتغيير، وأن عليهم الجلوس إليهم مباشرة ونقل مطالبهم.

وتضيف المصادر “بعد مشاورات ونقاشات استمرت من صباح الخميس حتى الخامسة عصرا، وافق المكتب التنفيذي على اختيار 3 من ممثليه للقاء العسكريين في مكان محايد”. وأكدت أن “قوى رئيسة في الائتلاف كانت تعارض الخطوة، لكن الغالبية رأت الموافقة، وإيصال رؤية الحرية والتغيير القائمة على إنهاء الانقلاب وآثاره لتكون مدخلا لحل الأزمة السياسية ومواجهة العسكريين بكل مطالب الشارع لتكون الكرة في ملعبهم”.

 

الأمين العام لحزب الأمة في السودان الواثق البرير قال إن اللقاء بين “الحرية والتغيير” والعسكر كان عاصفا (مواقع التواصل)

لقاء عاصف

من ناحيته، قال الواثق البرير إن النقاش الذي دار بين العسكريين وقادة الحرية والتغيير، والذي امتد لنحو 5 ساعات، كان عاصفا وشفافا، وتخلله تبادل للانتقادات بشأن ما وصلت إليه الأوضاع الأمنية والاقتصادية بعد “الانقلاب”.

وحسب البرير، فإن المجموعة العسكرية أقرت بتفاقم الأزمة، لكنهم شددوا على أنهم لا يتحملون المسؤولية منفردين وأن هناك أطرافا وأسبابا كثيرة أدت إلى ما وصلت إليه الحال.

ويؤكد البرير عدم حصول ائتلاف الحرية والتغيير على أي رد بشأن مطلبهم الأساسي الداعي إلى تفكيك وإنهاء “الانقلاب” وإلغاء القرارات التي اتخذت بعده، مثل إعادة تعيين رموز النظام السابق في مفاصل الدولة. وقال إن “العسكريين طلبوا استلام مطالبنا للنظر فيها بعد التأكيد أن الأوضاع الراهنة تحتاج إلى حلول سواء كانت من جانبهم أو من المكون المدني”.

وقالت مصادر في “الحرية والتغيير” -للجزيرة نت- إن العسكريين نقلوا لميسري الاجتماع أن الخلافات التي تعصف بالقوى السياسية تمثّل عقبة أمام الحل الشامل للأزمة، وهو ما يجعلهم قلقين إزاء مستقبل البلاد حال الخروج من المشهد من دون توافق واسع بين المكونات المدنية.

كما قالوا إن حرصهم على توسيع المشاركة في الحوار بإدخال أطراف غير منضوية تحت لواء الحرية والتغيير يجيء من باب السعي إلى خلق توافق وطني وأرضية يقف عليها الجميع عند حد أدنى من التفاهمات.

 

خلافات حول اللقاء

وأثار اللقاء بين العسكر وقادة “الحرية والتغيير” غضب كيانات حيوية داخل الائتلاف نفسه، خاصة أن الأخير أقدم قبل أشهر على فصل اثنين من قياداته بدعوى تواصلهما مع العسكريين. ووجه القيادي بتجمع المهنيين محمد ناجي الأصم -عبر حسابه بموقع تويتر- انتقادات لاذعة للتحالف، ورأى في لقاء العسكريين سوء تقدير وتكرارا للأخطاء، لا سيما مع استمرار القمع وقتل المتظاهرين في الشوارع.

كما انتقد وزير التجارة السابق مدني عباس اجتماع الحرية والتغيير مع المكون العسكري، قائلا إن رؤية الشارع التي عبّر عنها هي الصحيحة “فلا تفاوض مع من أدمنوا الغدر، واستسهلوا العبث بطموحات الشعب السوداني في التحول الديمقراطي”.

لكن من وجهة نظر مدير الإدارة الأميركية السابق في وزارة الخارجية السودانية، نصر الدين والي، يُعد الاجتماع المباشر بين العسكريين و”الحرية والتغيير” خطوة أولى مهمة للغاية، ومن شأنه وضع إطار عملي لما سيشتمل عليه الحوار بشكل دقيق ومحدد.

وقال والي -للجزيرة نت- إن هذه الخطوة ستضع قيودا على المكون العسكري، وتحول دون نكوصه عما جرى طرحه ونقاشه بشكل مباشر وصريح. وتابع “الحرية والتغيير على صواب بقبولهم الدعوة؛ لأن العسكريين هم من بحاجة الآن إلى طوق نجاة، وليس العكس”.

ويرى والي أن موقف الائتلاف أفضل بكثير من العسكريين خلال الاجتماع الذي وضع أجندة التفاوض بشكل مباشر، مختصرا جلسات طوال من النقاش كانت ستستغرقها جلسات الحوار برعاية الآلية الثلاثية.

ويشير الدبلوماسي السابق إلى أن أميركا تمضي في دفعها الدبلوماسي والسياسي لضمان الانتقال عبر مسارين: أولاهما المسار الثنائي والثاني المسار المتعدد الأطراف ضمن الترويكا وأصدقاء السودان، إلى جانب التأييد القوي لطرح الآلية الثلاثية.

وأضاف “لتحقيق أجندتها، مارست واشنطن ضغطا على القوى الإقليمية التي دعمت الانقلاب”، وقال إن “هذا الاجتماع أكبر دليل علي تغيير دول إقليمية لموقفها من دعم الانقلاب إلى دعم الانتقال الديمقراطي”.

 

طرح مختلف

بدوره، يرى الصحفي والمحلل السياسي عباس محمد إبراهيم أن الحرية والتغيير أفلحت في تحديد الإطار المطلوب لإنهاء الانقلاب وإزالة آثاره بالحديث عن مطلوبات سريعة واجبة التنفيذ.

ويقول إبراهيم -للجزيرة نت- “كانوا أكثر وضوحا بأن العودة لنموذج الشراكة ليس مطروحا على الطاولة. وهو ما يضعنا أمام طرح مختلف يعمل على نزع الألغام التي أودت بالشراكة وانتهت بالانقلاب”.

وبلغة الأرقام، كما يقول إبراهيم، فإن الحرية والتغيير حققت مكاسب حقيقة بتفكيك القالب الذي صممته الآلية الثلاثية، لصالح أجندة الشارع. كما انتزعت اعترافا بأن أي إطار يضم داعمي الانقلاب من القوى المدنية والحركات المسلحة سابق لأوانه، ويجب أن تسبقه خطوات تنحصر بين أطراف الأزمة دون من سواهم.

المصدر : الجزيرة

About Post Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *