المقال: بكين توصلت إلى استنتاج مفاده أن محيطها الخارجي بات أكثر خطورة مهما كانت نتيجة الحرب في أوكرانيا (رويترز)

المقال: بكين توصلت إلى استنتاج مفاده أن محيطها الخارجي بات أكثر خطورة مهما كانت نتيجة الحرب في أوكرانيا (رويترز)

نشرت مجلة “فورين أفيرز” (Foreign Affairs) في عددها الأخير مقالا لاثنين من الباحثين الأميركيين تناولا فيه تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا على إستراتيجية الصين في محيطها الإقليمي والعالمي.

وجاء في المقال -الذي كتبه جود بلانشيت الباحث في الدراسات الصينية بـ”مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية” في واشنطن بالاشتراك مع زميلته بالمركز بوني لين المتخصصة في شؤون الأمن الآسيوي- أن بكين كانت في موقف الدفاع عن النفس عقب الغزو الروسي لأوكرانيا مباشرة.

 

وتجلى ذلك في رسائل الصين التي وصفها الباحثان بأنها كانت “رسمية ومتكلفة ومشوشة”، حيث حاول الدبلوماسيون وخبراء الدعاية والمتحدثون باسم وزارة الخارجية الصينية أنفسهم معرفة موقف زعيمهم شي جين بينغ من الصراع الدائر.

وقد استعادت بكين توازنها إلى حد كبير بعد نحو 6 أشهر من اندلاع الحرب التي لا تلوح لها نهاية في الأفق، كما يؤكد المقال.

ورغم أن الصين تفضل أن تنتهي الحرب بانتصار روسي واضح فإن الخيار الآخر المفضل لها هو أن ترى الولايات المتحدة وأوروبا تستنفدان عتادهما العسكري في دعم أوكرانيا، حسب اعتقاد بلانشيت ولين في مقالهما.

مخاوف ومبادرات

ويزعم الكاتبان أن بكين توصلت إلى استنتاج مفاده أن محيطها الخارجي بات أكثر خطورة مهما كانت نتيجة الحرب في أوكرانيا.

ويرى المحللون الصينيون أن شرخا قد حدث في العلاقات بين الديمقراطيات الغربية والدول غير الديمقراطية، بما فيها الصين وروسيا.

وينتاب الصين القلق -وفق مقال فورين أفيرز- من أن الولايات المتحدة قد تستغل الوضع لبناء تحالفات اقتصادية أو تكنولوجية أو أمنية بغية احتواء ذلك الشرخ.

وتعتقد بكين أن واشنطن وتايبيه تتعمدان إثارة التوتر في المنطقة من خلال ربط الهجوم على أوكرانيا مباشرة بأمن تايوان وسلامتها، كما أنها قلقة من أن الدعم الدولي المتزايد لتايوان قد يعيق خططها “لإعادة التوحيد” معها.

ويقول الباحثان إن تلك التصورات بشأن التدخل الغربي جعلت الصين في موقف الهجوم مرة أخرى، ومن الآن فصاعدا سيتم تحديد السياسة الخارجية للصين بصورة مطردة من خلال تبني نهج أكثر “عدوانية” للتأكيد على مصالحها، وارتياد مسارات جديدة نحو قوة عالمية تهدف إلى تطويق ممرات الملاحة الإستراتيجية الضيقة التي يسيطر عليها الغرب.

وبدا واضحا أن بكين تعيد النظر في توجهاتها على أكثر من صعيد منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، وكانت الصين قد أماطت اللثام في وقت سابق من العالم الحالي عن إطار عمل إستراتيجي جديد أطلقت عليه اسم “مبادرة الأمن العالمي”.

ورغم أن المبادرة لا تزال في مراحلها الأولى فإنها تنطوي -طبقا لمقال فورين أفيرز- على محاولة من الرئيس الصيني “لتقويض ثقة العالم” في الولايات المتحدة باعتبارها الجهة الملتزمة بضمان الاستقرار الإقليمي والعالمي، كما تهدف إلى إنشاء منصة يمكن للصين من خلالها تبرير توسيع نطاق شراكاتها الدولية الخاصة.

وقد طرح الرئيس الصيني عبر هذه المبادرة شيئا آخر على مائدة الحوار الذي تقوده أميركا حول الشكل الذي يجب أن يبدو عليه النظام الدولي بعد الحرب في أوكرانيا.

والمسألة في كنهها تكمن في إبراز الصين نفسها كقوة استقرار تستطيع مواجهة الولايات المتحدة “المتقلبة” المواقف والتي لا يمكن التكهن بتصرفاتها.

تعزيز الشراكات

 

ويتناول المقال باستفاضة إستراتيجية الصين، مشيرا إلى أن الرئيس شي أكد في خطاب ألقاه في أبريل/نيسان الماضي أن التوافق الإستراتيجي بين بلاده وروسيا مستمر على الرغم من حرب بوتين “الكارثية” في أوكرانيا.

كما أوضح المسؤولون الصينيون بجلاء أن ثمة ارتباطا مباشرا بين توسيع حلف الناتو نطاق وجوده في أوروبا وبين تحالف الولايات المتحدة المتنامي مع شركائها الأمنيين في منطقة المحيطين الهندي والهادي.

وفي إطار عملية إعادة النظر في توجهاتها بعد الغزو تسارع الصين الخطى لتعزيز شراكاتها مع الدول الواقعة خارج المعسكر الغربي، وتحديدا البلدان في جنوب الكرة الأرضية.

وينقل الباحثان عن المسؤول الرفيع السابق في وزارة الخارجية الصينية لي يوتشنغ القول إن الولايات المتحدة ظلت تستعرض قوتها على عتبة الصين، وعمدت إلى تأجيج قضية تايوان لاختبار مدى قدرة بكين على التحمل والصبر.

وفي إشارة إلى أوكرانيا، أعرب لي عن أسفه من أن “بعض الدول الكبرى تقدم وعودا جوفاء للدول الصغيرة وتحولها إلى بيادق، بل وتستخدمها لخوض حروب بالوكالة”.

ويوضح المقال أن بكين لا تريد أن تواجه المصير ذاته إذا وجدت نفسها في خضم صراع ضد تايوان أو أي من جاراتها.

القوة العسكرية

إن العنصر الأخير في إعادة التفكير في سياسة الصين الخارجية يتعلق بالقوة العسكرية، حيث تعتقد بكين أن الغرب غير قادر على فهم أو التعاطف مع ما تعتبرها مخاوف أمنية روسية مشروعة، على أن بلانشيت ولين يزعمان أنه ما من سبب يدعو بكين إلى توهم أن الولايات المتحدة وحلفاءها سيتعاملون مع مخاوفها بشكل مختلف.

ولأن الدبلوماسية “ليست فعالة” فإن الصين قد تضطر إلى استخدام القوة للتأكيد على مكانتها، ويصح هذا على نحو خاص عندما يتعلق الأمر بتايوان، إذ تبدو بكين الآن قلقة أكثر من أي وقت مضى بشأن نوايا الولايات المتحدة تجاه الجزيرة وما تعتبرها استفزازات متزايدة.

وقد أدى ذلك إلى نقاش بين بعض محللي السياسة الخارجية الصينيين حول ما إذا كانت أزمة أخرى في مضيق تايوان وشيكة، وإذا كان الأمر كذلك فكيف يتوجب على الصين الاستعداد.

وسيكون من الخطأ -على حد تعبير المقال- تجاهل تحذيرات الصين وتهديداتها بالعمل العسكري لمجرد أن التحذيرات السابقة لم تتحقق.

وعلى الرغم من أن غزو تايوان لا يزال احتمالا بعيدا فإن لدى بكين العديد من المسارات للتصعيد بمنأى عن الدخول في صراع مباشر، بما في ذلك إرسال طائرات للتحليق فوق الأراضي التايوانية.

وإذا اتخذت بكين إجراءات أكثر تشددا بسبب الإحباط من السلوك الأميركي الأخير فقد يؤدي ذلك بسهولة إلى حدوث أزمة كاملة، بحسب توقعات مقال فورين أفيرز.

المصدر : فورين أفيرز

About Post Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *