رغم أن دراسة تلو الأخرى تؤكد أن “المشي مهم جدا”، كأحد أكثر الطرق التي يمكن الاستفادة منها لعيش عمر مديد. أسهمت التكنولوجيا وأنماط الحياة الحديثة في جعل معظم الناس غير نشطين، حتى إن ما يقارب من 80% من الوظائف في الولايات المتحدة وحدها “تتسم بعدم الحركة”، وفقا لجمعية القلب الأميركية. “وهو ما يؤثر سلبا على الصحة العامة”.
كما تقول إيرين ميكوس، أستاذة طب القلب بجامعة جونز هوبكنز، التي نبهت إلى أن المشكلة ليست قاصرة على إهمال المشي أو المشي بوتيرة غير مفيدة، فقد كشفت مراجعة كبرى نُشرت عام 2015، أنه “حتى لو كنت تمارس نشاطا بدنيا لمدة 30 دقيقة يوميا، فإن الجلوس لفترات طويلة خلال الـ23 ساعة الأخرى من اليوم، قد يزيد من خطر الوفاة وأمراض القلب والسرطان والسكري من النوع الثاني”.
الحل ليس في مزيد من الخطوات
ففي حين أشارت دراسة نشرتها المجلة البريطانية للطب الرياضي أواخر العام الماضي إلى أن “المشي أكثر” هو الحل لمكافحة العواقب السيئة للجلوس طوال اليوم. بعد أن وجد الباحثون أن المشي ما لا يقل عن 2200 خطوة في اليوم، قد يساعد في تقليل خطر الوفاة والأمراض الناجمة عن الجلوس، من بينها القلب والسكري، وإن كانوا يرون أن “المشي حتى 10 آلاف خطوة، أكثر فعالية”.
قالت ماري كاناغي ماكاليز، أستاذة طب الأطفال بجامعة ميريلاند، لمجلة “تايم” الأميركية إن اشتراط المشي 10 آلاف خطوة يوميا “لا يستند إلى أسس علمية”، موضحة أن “المقياس الأكثر أهمية من عدد الخطوات هو وقت المشي، وما يتحقق فيه من وتيرة هادفة للحصول على تمرين متوسط الشدة، يتجاوز ما نفعله أثناء نزهة عادية”.
المشي العادي لا يكفي
يؤكد الخبراء أن المشي العادي والتركيز على عدد الخطوات، لا يكفي لدرء المخاطر الصحية للجلوس، ولابد من تحدي نفسك للمشي بشكل أسرع وأعلى “لضمان تحسين صحتك أكثر”.
فالمشي ليس مجرد طريقة للانتقال من مكان إلى آخر، لكنه أساسي لمواجهة مخاطر نمط الحياة الخامل، من خلال “تحسين توصيل الأكسجين إلى أعضاء الجسم، وتقليل خطر الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية والسمنة والسكري وارتفاع الكوليسترول وضغط الدم”، كما تقول الدكتورة ماكاليز.
كما يعتبر تمرينا لوزن الجسم، “تقوم فيه عضلات الفخذ الرباعية، وأوتار الركبة، وعضلات البطن، والعضلة ذات الرأسين، والكتفين؛ باستخدام الأكسجين أثناء المشي، لتحريك الجسم بالكامل، والحفاظ على معدل ضربات القلب مرتفعا لفترة أطول”، وفقا لعالم فسيولوجيا التمارين، الدكتور علي بول الذي ينصح قائلا “إذا كنت معتادا على المشي العادي، فمن الأفضل زيادة فعاليته من خلال رفع السرعة، أو المشي على منحدر، أو تضاريس وعرة، أو حمل بعض الأوزان”.
خطوات تجعل من المشي تمرينا مفيدا
هذه بعض الخطوات لتحقيق مزيد من الفوائد اليومية للمشي كتمرين متوسط الشدة:
البدء بالمشي فورا
توصي منظمة الصحة العالمية بممارسة التمارين متوسطة الشدة، مثل المشي السريع وركوب الدراجات والسباحة، لمدة 150 إلى 300 دقيقة أسبوعيا. وتقول أماندا بالوتش، أستاذة علم الحركة في جامعة ماساتشوستس، إن “الخطوة الأولى هي أن يبدأ فورا، ولو بالمشي 2000 خطوة، ثم زيادتها تدريجيا، من حيث العدد والسرعة، وبما يناسب حالتك الصحية ومرحلته العمرية”.
المشي بوتيرة أسرع
تُعرّف الإرشادات الأميركية المشي السريع بأنه “المشي لمسافة ميل (1.6 كيلومتر) في مدة من 15 إلى 24 دقيقة”. وقد أشار التحليل الذي نُشر في المجلة البريطانية للطب الرياضي إلى أن المشي السريع لمدة 11 دقيقة فقط يوميا يكفي لتقليل خطر الإصابة بأمراض مثل القلب والسكتة الدماغية وبعض السرطانات. لذلك يوصي كيث بار، أستاذ فسيولوجيا التمارين في جامعة كاليفورنيا؛ بالتركيز أكثر على السرعة، بدلا من مجرد إضافة مزيد من الخطوات، حيث يؤدي المشي السريع إلى انقباض عضلاتك، وضخ الدم من ساقيك إلى قلبك ليصبح أقوى وأكثر كفاءة بمرور الوقت.
كما أظهرت دراسة نشرت عام 2022 أن تعزيز كثافة المشي “يتعلق بتقوية القلب، وتقليل معدلات انقطاع التنفس أثناء النوم، والارتجاع الحمضي، والسكري، وارتفاع ضغط الدم”.
المشي في الطبيعة
يشجع دكتور كيث بار على المشي في الهواء الطلق، لإضافة فوائد قضاء الوقت في الطبيعة للصحة العقلية، ولأن البيئة الطبيعية قد تحتوي على رمل أو حصى، أو أحجار أو تلال، مما يسمح باستخدام مزيد من الطاقة أكثر من المشي على الأسطح الناعمة.
إضفاء بعض المشقة
يقول كين نوساكا، أستاذ التمرين وعلوم الرياضة بجامعة “إديث كوان” الأسترالية، “نظرا لأن المشي العادي قد لا يكفي وحده كتمرين لتقوية العضلات”، تأتي أهمية إضفاء بعض المشقة خلال المشي، مثل الصعود والهبوط واجتياز العقبات. حيث تُشير الأبحاث إلى “أهمية دمج أشياء مثل السلالم أو المنحدرات في المشي، لتحسين قوة عضلات الأطراف السفلية ووظيفة التوازن”.
حمل ثقل في اليدين أو على الظهر
توصي الدكتورة ساديا خان، طبيبة القلب في جامعة نورث ويسترن، بمحاولة وضع وزن مناسب في يديك أو حقيبة ظهرك “للمساعدة في تدريب القوة، وزيادة معدل ضربات القلب، وتعزيز كثافة المشي بشكل أكبر”، بشرط ألا يتسبب ذلك في تغيير مشيتك أو تعريضك للإصابة.
تضمين المشي فترات أطول من الركض
فقد وجدت دراسة نُشرت عام 2014 أن “5 دقائق من الجري، تحقق نفس فوائد 15 دقيقة من المشي”. وتقول الدكتورة خان إن “صحتك على المدى الطويل سوف تستفيد أكثر من الجري”، وتنصح بالبدء بالمشي بشكل أسرع، ثم الجري لمدة 30 ثانية أو دقيقة، ثم زيادة فترات الجري بالتدريج وببطء.
التأكد من قياس مستوى الحدة
تقول الدكتورة ماكاليز إن “أفضل طريقة لمعرفة ما إذا كنت ضمن نطاق الحدة المناسبة هو اختبار التحدث”، حيث تظل حدة تمرين المشي عادية ما دمت قادرا على التحدث والاستمرار في المحادثة، “ولكن إذا حاولت الغناء، وشعرت أن أنفاسك تكاد تنقطع، فهذا يعد تمرينا هوائيا متوسط الشدة”. وبحسب الدكتور بول، يمكن التحقق من مستوى حدة التمرين، من خلال معدل ضربات القلب، وذلك بحساب الحد الأقصى لمعدل ضربات القلب، بطرح سنك من الرقم 220.
فوفقا لجمعية القلب الأميركية، يجب أن يكون معدل ضربات قلبك أثناء ممارسة تمارين متوسطة الشدة- مثل المشي السريع- حوالي 50 إلى 70% من الحد الأقصى لمعدل ضربات القلب.