العالم التونسي أنيس قوبعة: تطبيقاتنا قادرة على جعل المدن أكثر ذكاء ونراهن على تعزيز المحتوى العلمي العربي
أنيس قوبعة باحث متعدد الاهتمامات، انطلقت مسيرته العلمية والبحثية من تونس، لتتواصل حاليا في المملكة العربية السعودية، حيث يشغل منصب مدير مركز البحوث والمبادرات ورئيس مختبر الروبوتات وإنترنت الأشياء بجامعة الأمير سلطان.
حاول قوبعة أن ينوع من تجاربه العلمية عبر رحلات امتدت به جغرافيا ليبلغ البرتغال، بالتحاقه بصفته باحثا مشاركا لدى مركز الأبحاث في الوقت الحقيقي وأنظمة الحوسبة المدمجة (CISTER) وذلك منذ عام 2006 إلى اليوم، كما كانت له تجربة العمل في الصين في منصب مستشار لدى شركة “غايتك روبوتيكس” (Gaitech Robotics) بين عامي 2016 و2019.
الأستاذ في علوم الحاسوب يعمل على العديد من مشاريع البحث والتطوير في علوم البيانات والأنظمة غير المأهولة والتعلم العميق والروبوتات وإنترنت الأشياء.
وحاز البروفيسور أنيس قوبعة على تتويجات عديدة، وقدم العديد من البرامج التدريبية عن الطائرات المسيرة وعلوم البيانات وبرمجة بايثون والتعلم العميق وتقنيات أخرى، وهو معروف بسلسلة دوراته وكتبه حول نظام تشغيل الروبوت (ROS).
منظومة “عيون” والذكاء الاصطناعي
وحصل أنيس قوبعة على جائزة مدير الجامعة لأفضل أستاذ عام 2016 في جامعة الأمير سلطان، وجائزة أفضل بحث عام 2012 في جامعة الإمام، وتم اختياره -ديسمبر/كانون الأول 2020- في قائمة جامعة ستانفورد لأفضل 2% من العلماء على مستوى العالم.
ومن آخر تتويجاته، حصوله على جائزة الريادة في الذكاء الاصطناعي بمعرض الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية الذي أقيم في الرياض من 22 إلى 24 مايو/أيار الماضي بفضل منظومة “عيون” للتعرف على الأشخاص والمركبات في الوقت الفعلي.
يقول البروفيسور أنيس قوبعة إن برنامج “عيون” نظام متكامل للمراقبة باستخدام الذكاء الاصطناعي يمكن من دمج أي كاميرا غير ذكية في النظام لاكتشاف الأشياء ذات الأهمية وإرسالها الى السحابة (cloud) لتخزين الأشياء المكتشفة ثم معالجة البيانات من خلال واجهات ويب، أو من خلال الجوال.
ويضيف البروفيسور أن النظام يعالج الصور ويحللها بشكل سريع من خلال خوارزميات محسنة من حيث الأداء للتعلم العميق والذكاء الاصطناعي على أجهزة طرفية صغيرة الحجم (edge devices) بسرعة فائقة.
ويوضح أنيس قوبعة أن فريق بحثه قام بتطوير 3 تطبيقات على هذا النظام، يتعلق الأول بالتعرف الآلي على الأشخاص من الوجه، فيتم التقاط الوجه وتحديد هوية الشخص والمكان والوقت الذي تم اكتشافه فيه، مما يتيح استخدامه في تطبيقات الأمن والسلامة، وكذلك المراقبة الآلية في المنشآت الحساسة وغيرها .
أما التطبيق الثاني، فيعمل على التعرف على السيارات من خلال الشكل فبمجرد اكتشاف سيارة أو مركبة، يمكن التعرف على ماركة وموديل السيارة، وأيضا سنة التصنيع وفي الوقت الحالي يستطيع التعرف بدقة على 200 نوع من السيارات بنسبة 98%.
في حين يمكّن التطبيق الثالث من التعرف الآلي على المركبات من خلال لوحة الترخيص وتم تدريب النظام على لوحات الترخيص السعودية، واكتشاف الحروف والأرقام العربية والإنجليزية بدقة عالية. وقد تمَت تجربة التطبيقات بمداخل جامعة الأمير سلطان ومداخل المواقف لأتمتة دخول السيارات المصرح لها إلى المواقف.
حركة المركبات في الحج والعمرة
يقول البروفيسور أنيس قوبعة “شاركنا بنظام عيون السنة الماضية في مسابقة دولية نظمتها جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، شارك فيها أكثر من 1300 فريق من شركات وجامعات حول العالم، وفزنا بالمركز الأول في مجال الحركة والتنقل لتسهيل حركة المركبات خلال مواسم الحج والعمرة”.
ويوضح أنيس أن نظام تحدي التنقل أو تحدي “كاوست” يهدف إلى أتمتة تصاريح الحافلات والمركبات للوصول إلى مناطق الشعائر الدينية مثل منى ومزدلفة وعرفة، وتحسين تجربة التنقل في أثناء الحج والعمرة، مبينا أن التحدي يشتمل على 3 مسارات، هي: الرعاية الصحية، والنقل والمواصلات، وإدارة الأفواج ويندرج ضمن الجهود الرامية لتحويل مكة المكرمة إلى مدينة ذكية.
ويوضح كان هدفنا تقديم خدمات نقل أفضل للحجاج من خلال تقليل تأخير انتظار الحافلات والمركبات في طوابير، وتحسين سلامة الحجاج وأمنهم من خلال رقمنة إنفاذ القانون لمنع المتسللين المتطفلين والأشخاص غير المصرح لهم من الوصول إلى أماكن الشعائر.
وكانت الغاية من وراء ذلك هو استبدال نقطة التفتيش اليدوية بالتحقق الآلي من المركبات والحافلات باستخدام الذكاء الاصطناعي، وهو ما من شأنه أن يقلل من أوقات التحقق، وبالتالي تجنب الاختناقات المرورية عند نقاط التفتيش، كما هي الحال كل عام.
الاتصال السلس بالطائرات المسيرة
يقول البروفيسور قوبعة “اخترعت بروتوكول روسلينك (ROSLink)، للسماح بالاتصال السلس للأنظمة غير المأهولة (الطائرات المسيرة وروبوتات الخدمة) عبر الإنترنت لتتم مراقبتها والتحكم فيها من قبل المستخدمين النهائيين من خلال أنظمة السحابة”.
ويشير البروفيسور إلى أن هذا البروتوكول أدى إلى تطوير العديد من المنتجات التجارية، بما في ذلك نظام الطائرات المسيرة الذي يعمل بنظام الذكاء الاصطناعي والذي يعمل عبر شبكات الجيل الخامس (5G) للتسليم والتفتيش. كما أدى إلى تطوير نظام إدارة الأسطول للروبوتات المتنقلة المستقلة (AMRs) لأتمتة الخدمات اللوجستية والمستودعات.
ويعتمد بروتوكول “روسلينك” وفق البروفيسور قوبعة على بنية ثلاثية المستويات تتضمن النظام الآلي والسحابة والمستخدم النهائي، وتعمل السحابة وكيلا بين الأنظمة الروبوتية والمستخدمين النهائيين وتوفر ذكاء النظام لمعالجة الروبوتات ومراقبتها والتحكم فيها وفقا لمتطلبات التطبيقات.
وإضافة إلى ذلك، تسمح بنية “روسلينك” والبنية الموجهة لخدمة الأنظمة غير المأهولة بالتواصل ليس مع متصفح الويب عبر الإنترنت فحسب، ولكن أيضا مع تطبيقات الأجهزة المحمولة من خلال خدمات الويب والأدوات الوسيطة. علاوة على ذلك، فإنه يمكّن من تفريغ العمليات الحسابية الثقيلة (مثل رؤية الحاسوب والتعلم العميق) من طاقة البطارية غير المأهولة.
ويرى قوبعة أن هذه المنتجات جاذبة للمستثمرين بالنظر إلى حجم سوق التطبيقات اللوجستية التي تستخدم أنظمة جوية وأرضية دون طيار في المنطقة.
البحوث العلمية باللغة العربية: متعة وثراء
وقد أثرى البروفيسور أنيس قوبعة المكتبة العلمية بالعديد من الكتب والبحوث والدورات التدريبية في مجال الروبوتات والذكاء الاصطناعي، ونشر بعض بحوثه وورقاته العلمية باللغة العربية، وهو نهج قليلا ما يعتمده الباحثون العرب في المجالات العلمية الحديثة.
يشير البروفيسور إلى أنه اختار التنويع في كتبه ومنشوراته، وأنه بادر بإثراء المحتوى العلمي العربي بإصدار مهم هو كتاب “شبكات الحساسات اللاسلكية” باللغة العربية.
يقول قوبعة “كانت تجربة ممتعة وثرية تعلمت منها الكثير، ولئن كان تأليف كتاب علمي باللغة العربية من أصعب المشاريع التي نفذتها وأخذت وقتا وجهدا كبيرين، إلا أنها كانت مع ذلك من أكثر التجارب التي استفدت منها”.
ويضيف “للأسف، المحتوى العلمي العربي قليل جدا، ومهمش بالمقارنة مع المحتوى الصادر باللغة الإنجليزية واللغات الأخرى”. ويقترح في هذا السياق اعتماد اللغة العربية لغة رسمية بالجامعات العربية إلى جانب الإنجليزية، وتعزيز استخدام المصطلحات العلمية باللغة العربية، وهو ما من شأنه أن يدفع حركتي الترجمة والتأليف باللغة العربية، وبالتالي يحفز دُور النشر على الاستثمار في المحتوى العلمي العربي.
حتى لا تبقى المشاريع العلمية قيد الأدراج
ويؤكد البروفيسور أنيس قوبعة أن من ضمن أهدافه تحويل الأبحاث النظرية التي يقوم بها الباحثون في الجامعات إلى تطبيقات حقيقية ملموسة تخدم المجتمع وتجلب المستثمرين وتسهم في تحقيق عوائد مالية للجامعة والنهوض بالاقتصاد.
و في هذا الإطار يقول “نعمل الآن على تطبيقات مختلفة ناتجة عن بحوثنا، منها إنجاز منظومة طائرات دون طيار تعمل بنظام الذكاء الاصطناعي عبر شبكات الجيل الخامس للتسليم والتفتيش وتطوير نظام إدارة الأسطول للروبوتات المتنقلة المستقلة (AMRs) لأتمتة الخدمات اللوجستية والمستودعات، بالإضافة إلى تطوير نظام عيون وتسويقه”.
ويضيف “أريد تغيير النظرة النمطية عن الجامعات أنها تنتج فقط بحوثا نظرية لا علاقة لها بالواقع، وهو ما يمثل فجوة بين الجامعات وبين القطاع الصناعي والقطاع الخاص وقطاع الأعمال”.