صدر مؤخرا للعالم المصري الدكتور شعبان خليل، رئيس قسم الفيزياء النظرية بجامعة زويل المصرية، كتابا باللغة العربية عن فيزياء الجسيمات الأولية، وهو موجه في الأساس للقارئ العربي غير المتخصص، وكذا للطلاب المهتمين بدراسة هذا التخصص وأهم تطبيقاته.

ويطمح الدكتور شعبان بهذا المؤلف الجديد إلى استقطاب الطلبة العرب للتخصص في هذا العلم الذي يعرف ندرة في وطننا العربي، وإلى إثراء المكتبة العربية التي تعرف بدورها شحا في مثل هذه الكتب.

 

عن كتابه وآماله وتطلعاته، يحدثنا الدكتور شعبان في حوار مع الجزيرة نت عبر البريد الإلكتروني:

الدكتور شعبان خليل Shaaban Khalil رئيس الجمعية العربية للفيزياء ورئيس قسم الفيزياء النظرية بجامعة زويل- الصورة من جامعة زويل
الدكتور خليل: تطورت فيزياء الجسيمات الأولية بشكل متسارع ومطرد لم تعرفه العلوم (مواقع إلكترونية)
  • صدر لكم مؤخرا كتاب جديد في الفيزياء عن الجسيمات الأولية، لمن يتوجه هذا الكتاب وما المأمول منه؟

الكتاب جاء تحت عنوان “رحلة داخل أعماق المادة” صدر عن دار نشر “أندروميدا” (Andromeda)، وهو موجه خصوصا إلى القارئ العربي غير المتخصص، وكذلك إلى الطلاب المهتمين بدراسة الفيزياء الأساسية وبعلم فيزياء الجسيمات الأولية وأهم تطبيقاتها.

كما أتطلع بنشر هذا الكتاب إلى أن يكون بداية التغيير في تدريس الفيزياء التي نتوقعها داخل عالمنا العربي، وبالتالي لعب دور إيجابي عن طريق الإسهام في تلك التطورات المتوقعة واستدراك تأخرنا عن تلك الساحة خلال العقود الماضية.

  • هل تعطينا نبذة عن فصول الكتاب؟

يتكون الكتاب من 6 فصول ومقدمة وخاتمة؛ في الفصل الأول، ناقشت المكونات الأساسية للمادة، وكيف أدركنا أن اللبنات الأساسية للكون هي الجسيمات الأولية، أما الفصل الثاني، فهو تعريف القوى الأساسية في الطبيعة، وهذان الفصلان هما الأطول والأبسط، ويستطيع أي شخص قراءتهما من دون أدنى معاناة.

وفي الفصل الثالث، بدأت في وصف القوى الأساسية عن طريق المجالات الكمية، وأشرت إلى أن نظرية المجالات الكمية تصف تلك القوى ما عدا قوة الجاذبية التي لم تزل غير كمومية. وفي الفصل الرابع، قدمت عرضا سريعا للنموذج القياسي للجسيمات الأولية، الذي يقدم نموذجا لتوحيد القوى الكهرومغناطيسية والقوى النووية الضعيفة، ويتنبأ بوجود جسيم “هيغز”، والذي تم الكشف عنه في عام 2012.

أما في الفصل الخامس، فأوضحت أنه رغم كل النجاحات التي حققها النموذج القياسي، فإنه لا يزال عاجزا عن الإجابة عن العديد من الأسئلة التي تتطلب فيزياء جديدة في ما بعد النموذج القياسي. أخيرا، أتحدث في الفصل السادس عن العلاقة بين فيزياء الجسيمات وعلم الكونيات وكيفية إسهامه في فهم نشأة الكون، وأيضا سيناريوهات مصير الكون ونهايته المتوقعة.

الدكتور شعبان خليل Shaaban Khalil رئيس الجمعية العربية للفيزياء ورئيس قسم الفيزياء النظرية بجامعة زويل
يتطلع شعبان خليل إلى أن يكون الكتاب بداية التغيير في تدريس الفيزياء داخل عالمنا العربي (مواقع التواصل)
  • ما الفرق بين الفيزياء النووية وفيزياء الجسيمات الأولية، لأن الاعتقاد الذي كان سائدا من قبل أن فيزياء الجسيمات جزء من الفيزياء النووية؟

أدت دراسة التركيب الذري للمادة في النصف الثاني من القرن العشرين إلى تطور علمين أساسيين، هما الفيزياء النووية وفيزياء الجسيمات الأولية. وتختص الفيزياء النووية بدراسة سلوك نَوى الذرات ككل والتفاعلات التي تشارك فيها، بينما تختص فيزياء الجسيمات الأولية بدراسة خواص وتفاعلات الجسيمات المكونة للنواة.

وكان الاعتقاد السائد حتى نهاية أربعينيات القرن العشرين أن فيزياء الجسيمات الأولية جزء من بحوث الفيزياء النووية، ولكن في الخمسينيات اتضح استقلال فيزياء الجسيمات الأولية عن الفيزياء النووية.

وتطورت فيزياء الجسيمات الأولية بشكل متسارع ومطرد لم تعرفه العلوم الأخرى لدرجة أنه قد يبدو للبعض أن المواضيع التي يهتم بها فيزيائي الجسيمات الأولية تتغير من يوم لآخر، ولكن يبقى دائما الهدف الأساسي لفيزياء الجسيمات الأولية واحدا لا يتغير، وهو محاولة الكشف عن بداية الكون وأصل نشأته وتطوره منذ ذلك الحين وحتى الآن.

  • قلت في تقديم الكتاب إن من بين الأسباب التي أدت إلى عدم تطور هذا التخصص في عالمنا العربي ندرة الباحثين في هذا العلم، هل توضح لنا هذه الإشكالية؟

ندرة الباحثين في مجال فيزياء الجسيمات الأولية وفيزياء الطاقة العالية بشكل عام في الوطن العربي هو بسبب ما يتطلبه هذا المجال من إلمام تام بالرياضيات المتقدمة والعديد من مواضيع الفيزياء الحديثة والمتابعة المستمرة لتطوراته المتلاحقة من خلال حضور مؤتمرات وورش عمل والاشتراك في تعاون علمي مع الباحثين في مختلف الجامعات.

فالتخصص في فيزياء الجسيمات يتطلب مستوى علميا عاليا في مجال الرياضيات، وكذلك بذل جهود مضنية في مختلف مستويات الدراسة؛ وهذا ما يجعل الكثير من الطلبة ينفرون منها، فهو فعلا تخصص مرهق، لكنه قوي جدا وبحاجة إلى كفاءات متميزة.

“ظواهر النموذج القياسي” كتاب جديد صدر للدكتور شعبان خليل باللغة الإنجليزية عام 2022 (الجزيرة)
  • هل هذا الوضع عام في الدول العربية أم هناك استثناءات؟

نعم، أعتقد -حسب تجربتي الطويلة في المجال- أن الإشكالية مطروحة في كل الدول العربية بلا استثناء، ولذلك فنحن نتطلع من خلال هذا الكتاب إلى أن نفتح شهية الطلبة لخوض غمار هذا التخصص والإسهام في تقليص الفجوة التي تفصلنا عن عالم فيزياء الجسيمات في العالم.

  • كيف يمكننا سد هذه الفجوة؟

من الضروري أن تتولى حكومات الدول العربية دعم العلوم الأساسية بشكل عام، والفيزياء النظرية بشكل خاص؛ لأن هذه العلوم لا يمكن دعمها من جهات أخرى كالقطاع الخاص مثلا الذي دائما ما يلجأ إلى دعم البحوث التطبيقية التي تعود عليه بالفائدة.

فالعلوم الأساسية قاطرة تقدم العلوم التطبيقية والتكنولوجية، وهذا ما دفع مثلا الزعيم الهندي جواهر نهرو في تطوير الهند، إذ قام بدعم العلوم الأساسية، وكان لذلك نجاح كبير في الهند على جميع المستويات.

العالم العربي مليء بالعلماء والشباب الباحثين القادرين على المشاركة في كل المجالات العلمية الحديثة والمساهمة في نهضة حقيقية، لو تم الاهتمام بهم واستيعابهم في معاهد بحثية متميزة، تحت إشراف علماء مشهود لهم بالخبرة والإنتاج العلمي المرموق ويحسنون العمل، ضمن تعاون دولي مع الجامعات والمعاهد، مما يجعلهم قادرين على وضع خطط إستراتيجية لهذه المعاهد لتعزيز البحث العلمي في العلوم الأساسية والتطبيقية وربطها بالصناعة ومشاكل المجتمع والعمل الدؤوب على حلها.

تهدف الجمعية العربية للفيزياء لتعزيز علوم الفيزياء بشكل عام بما فيها فيزياء الجسيمات (مواقع التواصل)
  • ما الدور الذي يمكن أن تلعبه الجمعية العربية للفيزياء لترقية هذا العلم؟

تهدف الجمعية العربية للفيزياء لتعزيز علوم الفيزياء بشكل عام بما فيها فيزياء الجسيمات، وذلك من خلال دعم الباحثين وطلاب الدراسات العليا.

وقمنا مؤخرا بإنشاء 5 مجموعات عمل لأهم المواضيع الفيزيائية، بحيث توزع أعضاء الجمعية على هذه المجموعات بناء على اهتمامهم وإنتاجهم البحثي، وعبر هذه المجموعات ستتاح فرصة التعاون المباشر بينهم، وتنظيم أنشطة في مجالهم، وكذلك تبادل زيارات بينهم وبين طلابهم؛ مما يتيح فرصة للإنتاج المشترك، إضافة إلى تنظيم العديد من المؤتمرات وورش العمل والندوات التي يدعو لها علماء فيزياء مرموقون للتواصل معهم والتعرف على أحدث الأفكار والأبحاث في مجالات الفيزياء المختلفة.

supersymmetry Beyond Minimality
كتاب “التناظر الفائق وراء الحد الأدنى: من النظرية إلى التجربة” صدر عام 2017 (الجزيرة)
  • في الختام، هل يمكن أن تذكرنا بمنشوراتك السابقة؟

صدر لي عام 2017 عن دار نشر “فرانسيس آند تايلور” كتاب باللغة الإنجليزية قمت بتأليفه مع الباحث الإنجليزي ستيفانو موريتي تحت عنوان “التناظر الفائق وراء الحد الأدنى: من النظرية إلى التجربة” وعنوانه باللغة الإنجليزية (Supersymmetry beyond Minimality From Theory to Experiment).

وكتاب آخر -باللغة الإنجليزية أيضا- صدر عام 2022 عن دار النشر نفسها تحت عنوان “ظواهر النموذج القياسي” ألفته مع الباحث موريتي وعنوانه بالإنجليزية (Standard Model Phenomenology).

المصدر : الجزيرة

About Post Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *