يُقال إن بركان “كيلاويا” (Kilauea) في هاواي هو البركان الأكثر نشاطا في العالم، ومع ذلك ما زلنا لا نعرف حقا كيف تكوّن. لذا يقترح بحث جديد نشر في دورية “نيتشر كوميونيكيشنز” (Nature Communications) يوم 26 مايو/أيار الماضي أن مصدر الصهارة يقع على بعد أكثر من 90 كيلومترا تحت المركز النشط للبركان، في حين وجدت الدراسات السابقة تجويفين ضحلين من الصهارة تحت كيلاويا، إلا أنهما لم يكونا كبيرين بما يكفي لتفسير كل الصخور السائلة التي يقذفها البركان.
ويذكر التقرير الذي نشرته “ساينس ألرت” (Science Alert) أنه قد تم اكتشاف تجويف أكبر يبلغ عمقه حوالي 11 كيلومترا، باستخدام الموجات الزلزالية في عام 2014، ومع ذلك يبدو الآن أن تجويف الصهارة الأصلي يقع على عمق أكبر، إذ يشير تحليل جديد لشظايا الصخور البركانية القديمة المنجرفة من الجانب الجنوبي الشرقي للجزيرة الكبيرة إلى أن كيلاويا نشأ من مجموعة من المواد البركانية التي يبلغ عمقها حوالي 100 كيلومتر.
تاريخ البركان
في وقت ما بين 210 آلاف و280 ألف سنة مضت، تحركت الصفيحة التكتونية للمحيط الهادي، واندفع عمود من الصهارة إلى أعلى في البحر، وعندما برد السائل الساخن وتصلّب شكّل “درعا” كبيرة انفجرت منذ حوالي 100 ألف عام وسط الأمواج.
هكذا نشأ كيلاويا، ولكن من الصعب للغاية العثور على الصخور الأصلية المقذوفة من المركز النشط، لأنها مدفونة تحت طبقات عديدة من الحمم الأحدث، وتوفر الصخور البركانية التي استخدمت في الدراسة الحالية لمحة غير مسبوقة عن ماضي البركان العميق والبعيد.
وفي السابق، كان يُعتقد أن بركان كيلاويا نشأ من صخور صلبة انصهرت جزئيا من حرارة المركز النشط، ولكن لم يجد البحث الجديد أي دليل يدعم هذه الفرضية، فقد وُجد أن الصخور التي تم جمعها تحتوي على مجموعة من العناصر الأرضية النادرة التي تشير النماذج إلى أنه لا يمكن تشكيلها إلا بطريقة واحدة محددة.
التبلور التجزيئي والعقيق
بدلاً من الذوبان الجزئي، يبدو أن بركان كيلاويا قد تشكّل في الأصل من خلال التبلور التجزيئي، إذ يصف هذا المصطلح تكوين بلورات في برك عميقة من الصهارة، لا تتفاعل مع المواد الذائبة المتبقية.
تشرح الباحثة الرئيسية الجيولوجية لورا ميللر من جامعة موناش (Monash University) في أستراليا في البيان الصحفي المنشور على موقع الجامعة قائلة “لقد استكشفنا تكوين هذه العينات من خلال العمل المعملي، الذي تضمن إذابة الصخور الاصطناعية في درجات حرارة وضغوط عالية (أكبر من 1100 درجة مئوية وأعلى من 3 غيغا باسكال)، وباستخدام طريقة جديدة لمحاكاة تركيزات العناصر الأرضية النادرة، وجدنا أن العينات لا يمكن تشكيلها إلا من خلال التبلور والإزالة (التبلور التجزيئي) للعقيق”.
والعقيق هو بلورة يمكن أن تتشكل عندما تتعرض الصهارة لضغوط ودرجات حرارة عالية في عمق يزيد عن 90 كيلومترا تحت القشرة الأرضية، ويشير وجوده إلى أن الثوران الأصلي جاء من أعماق مماثلة أو ربما أعمق، فالتجارب تظهر أن العقيق يمكن أن يتبلور على أعماق تصل 150 كيلومترا تحت القشرة الأرضية.
قد لا يكون المصدر الأصلي لجزر هاواي بهذا العمق، لكن النتائج الجديدة تشير إلى أن منبع كيلاويا ليس سطحيا كما كنا نعتقد في السابق.
وتقول ميلر “هذا ينافي وجهة النظر الحالية القائلة بأن التبلور التجزيئي هو مجرد عملية ضحلة، ويشير إلى أن تطوير تجويف الصهارة العميقة (> 90 كلم) مرحلة مبكرة مهمة في ولادة بركان هاواي”.
وتظهر براكين أخرى في أماكن أخرى من العالم، مثل بركان جبل فيزوف في إيطاليا، تكوين بلورات تشير إلى وجود خزانات “عتيقة وعميقة الجذور” من الصهارة المختبئة تحت السطح، ومع ذلك يبدو أن تجويف الصهارة الأصلي في كيلاويا أعمق بكثير من معظمها، والسبب وراء ذلك لا يزال لغزا حتى الآن.