الكاتبة التركية بَرن بيرسايغلي موط: الأدب العربي عميق الجذور وهذا سر اهتمامي بالكتّاب السوريين
منحت منظمة العدل (أميركية سورية)، أول أمس الاثنين، جائزة “وسام نزار قباني” الفخرية لمؤلفة تركية للمرة الأولى.
ورأت المنظمة أن الكاتبة التركية بَرن بيرسايغلي موط استحقت الجائزة بجدارة لإسهامها في الترويج للثقافة والأدب السوري، ونظرتها العادلة لقضية الشعب السوري.
وأوضح مؤسس المنظمة هيثم البزم -في كلمته خلال حفل توزيع الجوائز الذي أقيم في المركز الثقافي لمسجد تقسيم في إسطنبول- أن المساعدات الإنسانية مسؤولية وواجب الجميع.
وأضاف أن المنظمة تكرم اليوم بيرسايغلي موط بجائزة “وسام نزار قباني” عن مشروعها في نقل الإنتاج الإبداعي والفكري السوري إلى اللغة التركية واللغات الأخرى.
وأشار إلى أن الجائزة ليست باسم السيدة موط فحسب، بل هي لتركيا أيضا، لافتا إلى أن الجائزة لها أهمية كبيرة بالنسبة للمنظمة؛ فهي رمز لدعم ورعاية الشعب السوري.
بدورها، قالت ميساء قباني نائب رئيس المنظمة أن نظام الأسد شوه التاريخ الحضاري والثقافي لسوريا لسنوات عديدة، وحاول زرع الكراهية بين الشعب السوري.
وأشارت إلى أنهم قرروا منح الجائزة في المركز الثقافي لمسجد تقسيم، لأن المساجد في الثقافة السورية ليست أماكن للعنف والكراهية، بل أماكن تجمع الناس لتعزيز روح المحبة والأخوة.
وثمنت قباني دور تركيا في استضافة السوريين، مقدمة الشكر لشعبها على دعمه بكل معنى الكلمة لأشقائه السوريين.
من جهتها، أوضحت الكاتبة التركية -التي أهدت الجائزة لأطفال سوريا- أنها قابلت قصائد الشاعر نزار قباني خلال سنوات دراستها في المرحلة الثانوية، مشيرة إلى أنها لم تعجب به لشعره فحسب، بل أيضا لمواقفه المشرفة ضد الظلم والقمع.
وأضافت أنها تعرفت على معاناة الشعب السوري من خلال أشعار قباني، وأن هذا ما يليق بالشاعر ليكون صوتا لشعبه.
وذكرت أن هدفها كان مساعدة الشعب التركي في التعرف على الشرفاء من أمثال نزار قباني الذين كان سلاحهم الوحيد القلم.
الأدب والترجمة
وفي حديثها للجزيرة نت، قالت بيرسايغلي موط إن الأدبين التركي والعربي يرتبطان بعلاقة قديمة ومتشابكة، وبدأ التفاعل يزدهر من خلال الدين مع اعتناق الأتراك الإسلام، ومثّل موضوع “حب الرسول” موضوعا مشتركا بين القصائد الأدبية العربية والتركية.
وأضافت “الشعراء العثمانيون كان يكتبون الشعر العربي، مثل شيخ الإسلام أبو السعود أفندي (توفي 982 هـ/ 1574م) الذي كتب الشعر العربي”، وأردفت “احتضن الأتراك قصصا أدبية عربية مثل ليلى والمجنون.. عُرِفت في مناطق الأناضول النائية لمئات السنين”.
وتابعت “من الصعب فصل الأدبين العربي والتركي عن بعضهما بعضا، وأيضا من الشعراء العرب، مثل جميل صدقي الزهاوي (1863-1936) ومعرف الرصافي (1875-1945)، من يذكرون الأتراك في قصائدهم.. نحن، الأتراك والعرب، لطالما كنا مجتمعين نحب الحديث عن بعضنا بعضا”.
وبسؤالها عن حركة الترجمة بين الأدبين، قالت “هناك أنشطة مهمة في مجال الترجمة حاليا، لكنها بالطبع ليست كافية. أنا شخصيا أعتقد أنه في بعض الأحيان يتم اختيار خيارات خاطئة للغاية. وأحيانا يتم اختيار الخيارات الخاطئة عن عمد، أي لأسباب أيديولوجية، وأحيانا لسوء الحظ بسبب الجهل ونقص المعرفة”.
وتابعت “تدور الترجمات من الأدب التركي إلى الأدب العربي حول أسماء قليلة فقط. ومع ذلك، لدينا كتاب وشعراء أفضل بكثير ممن يحتاجون للترجمة إلى العربية. نحن مجتمعان بحاجة إلى الكثير لمعرفة المؤلفين الحقيقيين لبعضنا البعض. وبالمثل، هناك اختيارات سيئة في الأعمال المترجمة من الأدب العربي إلى اللغة التركية.. وللأسف بعض المؤلفين العرب يكتبون أدبا ذا جودة متدنية تمت ترجمة أعمالهم إلى لغتنا.. بينما تُركت أعمال أدبية عربية مهمة بدون ترجمة”.
الأدب السوري بالتركية
عن اهتمامها بالأدب السوري الحديث، قالت بيرسايغلي موط “بصراحة لم يكن لدي الكثير من المعرفة به في الماضي. كان مجال عملي هو الأدب الفلسطيني. في عام 2016، أنتجنا فيلما وثائقيا عن الأدب الفلسطيني من 5 أجزاء، ثم واصلت العمل. وقمت بتأليف كتابين عن الأدب الفلسطيني، تحت عنوان: الفلسطينيون من الثورة الكبرى التي سبقت النكبة 1936-1939 وفترة ما بعد النكبة. وقمت بتحرير كتب بعض المؤلفين الفلسطينيين العظماء مثل غسان كنفاني وفدوى طوقان”.
وتابعت “خلال هذه الدراسات، كان طريقي دائما إلى سوريا. كما تعلم، هناك العديد من الكتاب والمثقفين السوريين المهمين الذين لعبوا دورا كبيرا في المقاومة الفلسطينية. بعد عام 2011، كان هناك ما لفت انتباهي وأزعجني كثيرا. إذ يمكن أن نتحدث بأريحية عن الأدب الفلسطيني، ولكن لسوء الحظ، عندما يتعلق الأمر بسوريا، واجهنا نفاقا كبيرا”.
وأضافت “كان الناس أكثر تشككا بشكل غريب في الكتاب السوريين. لكن لا فرق بين فلسطين وسوريا. لا أستطيع التفكير في نفاق أكبر من دعم المقاومة الفلسطينية وكتابها وتجاهل المقاومة السورية”.
وأكدت أن للأدب العربي تقليدا غنيا وعميق الجذور بشكل لا يصدق “والأدب السوري دائما من أهم المصادر التي تغذي الأدب العربي. فلماذا يوجد من يستبعدهم لأنهم رفعوا أصواتهم الآن ضد الظلم؟ نحن نعرف الأسباب، لكنها لا تزال غير معقولة حقا”.
وتابعت “لأسباب عديدة مثل هذه، أصبحت مهتمة بالأدب السوري. أولا، بدأت في كتابة مقالات عن الأدب السوري لبعض المجلات والصحف الأدبية في تركيا. من أولى المقالات التي كتبتها كانت عن الشاعر الكبير نوري الجراح من دمشق، لأن قصائده كان لها تأثير عميق عليّ.. وفي وقت لاحق، بدأنا في ترجمة ونشر أعمال بعض الشعراء والكتاب السوريين المهمين في المجلات”.
وأردفت “في غضون ذلك، كنت أجري مقابلات مع كتاب سوريين، بدأنا بأشياء صغيرة لكن أحلامنا كانت كبيرة. كنا متحمسين للغاية، كما لو كنا نحفر الأرض بأيدينا ونجد جوهرة جديدة ونحن نحفر. في غضون ذلك، كان لدي العديد من الأصدقاء من محرري المجلات الذين قدموا لي الدعم. ورؤية الاهتمام بالأدب السوري في تركيا أعطانا سعادة لا تنتهي”.
واستدركت “لذلك، قررنا المضي قدما في عملنا قليلا وإنشاء دار نشر (فارابي- كتاب). لدينا بالفعل خبرة في النشر، وكان لدينا فريق جيد. لهذا السبب.. نحن نعيش مرة واحدة فقط، فلماذا نتوقف عن فعل أي شيء؟ أعتقد أننا يجب أن نكافح حتى النهاية من أجل مثلنا”.
ترجمة الأدب العربي للتركية
قالت بيرسايغلي موط “حددنا لدار النشر معايير مهمة. كنا مصرين على أن نقدم أولا أبرز الأمثلة في الأدب السوري والعربي. لأن تقديم الأدب السيئ هو ظلم كبير للكتاب الجيدين. لهذا السبب، لدينا لجنة اختيار مكونة من زملائنا الكتاب المتميزين في العالم العربي حول هذا الموضوع. ونحاول إظهار مستوى عال من الاهتمام بالمؤلفين الذين سنقدمهم للشعب التركي”.
والمعيار الثاني -بحسب الكاتبة- هو أن الأدب لا ينبغي أن يتغذى من الشر بل من الخير، وليس من القسوة بل من العدل، ولا يوجد أديب يمكن أن يتجاهل معاناة البشرية، ويغض الطرف عن الظلم، ويفتري على المقاومة العادلة للمجتمعات، أو يتحدث باسم الطغاة في العالم العربي أو في أي مكان آخر. فلا “يمكن أن يتم تضمين أعمال لمثل هؤلاء الأدباء في منشوراتنا”.
وأضافت الكاتبة “في رأيي، لا ينبغي لدار النشر أن تبحث عن نصوص جيدة فحسب، بل يجب أن تسعى أيضا إلى كتاب صالحين. أود أن أقول ذلك، لأن الرسالة التي كتبتها إلى الشاعر أدونيس مؤخرا قد تعرضت لأسئلة كثيرة، مثل هل يمكن أن يلامس قلوبنا قيام أدونيس اليوم بكتابة أجمل قصيدة في العالم”.
وتابعت “اسمح لي أن أعطيك مثالا معاكسا، ما زلت تحت تأثير الأخبار المحزنة للغاية التي تلقيناها قبل ساعات قليلة. لسوء الحظ، رحل الكاتب الدمشقي الكبير أستاذي خيري الذهبي.. كانت ترجمة اثنين من كتبه قيد العمل في دار النشر لدينا”.
واستطردت “أنا في حزن لا يوصف، لأن خيري الذهبي كان يعني لي الكرامة. لقد كان الشخص المناسب بالنسبة لي. لم يكن روائيا فحسب، بل كان يمثل أكثر من ذلك بكثير في عيني. لقد كان رجلا وقف في وجه الطغاة، ولم يتنازل عن كرامته، رغم أنه دفع الكثير من الثمن طوال حياته”.
وتستطرد “الأهم من ذلك كله، أنه يحزنني أنه وافته المنية قبل أن ننشر أعماله، على الرغم من أن الترجمة التركية لكتابه كانت ستنتهي قريبا جدا. أنا حزينة للغاية لأننا لم نفقد موهبة هائلة فحسب، بل خسرنا أيضا قلبا مشرقا وموقفا مشرفا.. من أكبر أمنياتي من الله أن أكون قادرة على ترجمة جميع كتبه إلى اللغة التركية ونقش اسم هذا الرجل الكريم في أذهان الشعب التركي.. أريد لأبنائنا وأحفادنا وأبناء أحفادنا أن يعرفوا أن كاتبا وشخصا رائعا يدعى خيري الذهبي قد مر عبر هذا العالم”.
نزار قباني
وبسؤالها عن تأثرها بالشاعر السوري الراحل نزار قباني، قالت الكاتبة التركية إنه أول شاعر سوري عرفته “أتذكر أنني كنت أكتب أبيات نزار قباني على هوامش دفاتر ملاحظاتي عندما كنت لا أزال في المدرسة الثانوية. ازداد إعجابي الطفولي به بشكل أعمق مع مرور السنين. وكلما تعرفت على الحياة والناس، أحببت نزار قباني أكثر. كلنا نعرف كم هو شاعر عظيم”.
وأضافت “كان بارعا في اللغة والكلمات العربية. لكن براعته لا تقتصر على ذلك فقط؛ نزار قباني كان رجلا لم يفقد براءته الطفولية مهما بلغ عمره. يظهر هذا بوضوح حتى في صوره أو تعابير وجهه عند حديثه”.
وختمت “ما البراءة الطفولية؟ في رأيي، البراءة الطفولية تعني رفع صوتك ضد الظلم والقمع من دون محاسبة. كان نزار قباني رجلا من هذا النوع. طوال حياته لم يتنازل عن كرامته، ولم يكن خائفا من رفع صوته إذا كان هناك ظلم في مكان ما. اشتهر بشكل عام بقصائده المحبوبة، لكن نزار قباني كان شاعر مقاومة كبيرا. وكنت بحاجة إلى أن أحبه”.
وقالت “نحتاج أن نجد شعراء وكتابا مثل نزار قباني لنحب أنفسنا. دعونا نحبهم حتى لا نفقد الأمل في الحياة. دعنا نقول، هناك شعراء وكتاب عظماء في هذا العالم يعانون من أجلنا، فكروا بنا. إنهم أبطالنا”.