الكذب على البرلمان وحفلات كورونا.. محاكمة برلمانية عاصفة لبوريس جونسون تحدد مصيره السياسي
لندن- ساعات عصيبة عاشها رئيس الوزراء البريطاني الأسبق بوريس جونسون أمام لجنة الامتيازات البرلمانية، للبت في التهمة الموجهة إليه وهي الكذب على البرلمان البريطاني وتضليله حول الحفلات التي تم تنظيمها في مقر رئاسة الوزراء (10 داونينغ ستريت) خلال فترة الإغلاق العام التي عاشتها البلاد بسبب جائحة كورونا.
ولأكثر من 3 ساعات حاول جونسون أن يدافع عن نفسه أمام هذه اللجنة المكونة من 7 برلمانيين منهم المنتمون لحزب المحافظين وآخرون من حزب العمال والحزب الليبرالي الديمقراطي.
وتبحث هذه اللجنة إن كان جونسون قام بتضليل البرلمان إما من غير قصد وبشكل متهور أم أنه تعمد تضليل البرلمان عندما قال في البرلمان في سنة 2021 أنه لم يتم خرق قواعد التباعد الاجتماعي التي كانت مفروضة حينها.
ويعلم جونسون أنه يحارب من أجل مصيره السياسي، لهذا فقد استمات في الدفاع عن نفسه بعد أداء القسم بقول الحقيقة، قائلا إنه مهما حدث سيظل مؤمنا وحتى آخر يوم في حياته بأنه لم يخرق القواعد ولم يكذب على البرلمان البريطاني.
وتهمة الكذب هذه ظلت لسنوات طويلة من نصيب رئيس الوزراء البريطاني الأسبق “توني بلير” بسبب كذبه في دوافع الحرب على العراق، وها هي الآن تلاحق بوريس جونسون بسبب ما كان يحدث داخل أروقة رئاسة الوزراء في عهده من حفلات بينما البلاد تعيش حالة إغلاق شامل.
معركة حياة أو موت
قدم بوريس جونسون إلى لجنة التحقيق البرلمانية مرافعة قانونية ضمت أكثر من 50 صفحة أعدها فريق قانوني، للدفاع عن نفسه من تهمة التضليل والكذب.
وخلال مداخلته أكد جونسون أنه مقتنع أن حضور هذه التجمعات كان يحترم قواعد التباعد الاجتماعي، مضيفا أنه حتى خلال حفلة عيد الميلاد التي تدخلت الشرطة للتحقيق فيها وغرمت فيها جونسون لخرقه قواعد التباعد الاجتماعي، “كانت كل الاحترازات الصحية فيها قد تم اتباعها”.
ودافع جونسون عن حفلة توديع اثنين من كبار الموظفين في رئاسة الوزراء، وهي الحفلات التي تسربت صورها وتظهر تجمع الموظفين دون احترام لقواعد التباعد، وقال جونسون إن تنظيم هذه الحفلة كان ضروريا لأن الموظفين غادرا في ظروف قاسية جدا، “وكان هدفي هو طمأنة العاملين في مقر رئاسة الوزراء، ولهذا كانت الحفلة مهمة لأغراض مهنية”.
غير أن اللجنة واجهته بأن موظفين آخرين غادروا مقر رئاسة الوزراء في الفترة نفسها ومع ذلك لم يتم تنظيم أي حفلات توديع لهم.
وظهر جونسون مرتاحا عندما بدأ الحديث عن حفلة عيد ميلاده، ذلك أنه قال إن الأدلة تشير إلى أنه لم يكسر القواعد، وإن عددا من المصورين الرسميين كانوا موجودين، كما تم إخبار بعض الصحف البريطانية بالأمر، مما يعني أن الأمر لم يكن سريا.
ومع ذلك فإن هناك عددا من الصور والتسريبات التي تظهر أن قواعد التباعد الاجتماعي لم يتم احترامها في هذه الحفلات، إضافة للعشرات من الرسائل النصية التي حصلت عليها اللجنة والتي تظهر أن الموظفين كانوا يعلمون أنهم يخالفون القواعد، ورغم ذلك واصلوا تنظيم الحفلات.
ومن بين اللحظات المثيرة التي بدا جونسون متوترا فيها، هي خلال مواجهته بتصريحات دومنيك كامنغز كبير المستشارين السابقين لجونسون الذي استقال وتحول لخصم لرئيس الوزراء السابق يسرب الكثير من كواليس داونينغ ستريت، وكان دومنيك من الذين أكدوا أن جونسون كان يعلم أن القواعد يتم انتهاكها خلال هذه الحفلات، ليرد جونسون في هذه الجلسة بأن دومنيك “لديه كل الأسباب للكذب ضدي”.
ما مصير جونسون؟
تبحث لجنة التحقيق حاليا للبت فيما إن كان جونسون قد ضلل البرلمان عن غير قصد ودون علم بالقوانين أو أنه تعمد تضليل البرلمان، وسوف تجتمع مرة أخرى خلال الأسبوع المقبل، وبعدها سوف تحصل على كل الأدلة حول هذه القضية، ثم بعد ذلك تصوغ خلاصاتها وتسلمها إلى جونسون، وسيكون أمامه أسبوعان من أجل الرد عليها جميعا، وهو ما يعني أن هذه “المحاكمة” لن تصل إلى نهايتها إلا خلال الأشهر الثلاثة المقبلة.
وفي حال قررت اللجنة أن جونسون كان على علم بأن القواعد قد تم خرقها في هذه الحفلات، وأنه كان عليه إخبار البرلمان بذلك، فإنه سيواجه عقوبة تجميد عمله كبرلماني لمدة 10 أيام، وفي هذه الفترة يمكن تنظيم انتخابات سابقة لأوانها في المنطقة التي يمثلها جونسون إما عن طريق عريضة شعبية أو عن طريق تحرك برلماني.
لكن الذي يخيف جونسون أكثر ليس تجميد عضويته في البرلمان لمدة 10 أيام، بل أن تلتصق به تهمة “الكذب” التي بالفعل سوف تنهي كل آمال له للعودة إلى الساحة السياسية البريطانية، أما في حال ما تمت تبرئته فإن هذا سيكون بمثابة دفعة قوية للعودة من جديد للمنافسة على زعامة حزب المحافظين.