دون مساس بحرية التعبير.. مطالبات في الكويت بمواجهة الحسابات الوهمية على منصات التواصل
تتزايد المطالبات في الكويت بضرورة اتخاذ إجراءات ملموسة تواجه ما تُوصف بالحسابات الوهمية على منصات التواصل الاجتماعي، وملاحقة مستخدميها ممن يُشار إليهم بـ”مثيري الفتنة”. ويطالب كثيرون بإصدار تشريع يضبط هذه المنصات، يراعي أمن المجتمع وقيمه، ويمنع الفتن أو المساس بكرامة الناس وسمعتهم.
وبحسب بعض المراقبين، فإن قانون الجرائم الإلكترونية 2015/63 قد لا يكون وسيلة فعّالة لوضع حد وتحديد العقوبات اللازمة تجاه مرتكبي مثل هذه الجرائم.
وتشهد الكويت جدلاً واسعًا بسبب بعض حسابات منصات التواصل الاجتماعي التي يتم استغلالها لمهاجمة بعض الوزراء أو المسؤولين أو أعضاء مجلس الأمة، وهو ما أشار إليه النائب السابق عبد الله فهاد عن “تعمد القائمين على حسابات وهمية ومموليها تشويه سمعته ونواب آخرين بالتزامن مع انتخابات مجلس الأمة ثمنًا لمواقفهم”.
كما سبق للنيابة العامة أن أفرجت العام الماضي عن الشاعر جمال الساير على خلفية توجيهه -في تغريدات عدة- انتقادات لاذعة للحكومة وسياساتها المالية، ودعوته القيادة السياسية إلى محاربة الفساد في البلاد، ومدافعته عن بعض قضايا حقوق الإنسان مثل قضية البدون ومهاجمته تجارة الإقامات؛ فوجهت النيابة العامة له تهمتي المساس بالذات الأميرية وإذاعة أخبار كاذبة.
زيادة متابعين
وفي هذا الصدد، يشير الناشط السياسي عبد العزيز السلطان إلى أن الحسابات الوهمية أصبحت من الأمور الجديدة الظاهرة في عالمنا المعاصر عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، وخلال هذا الوضع انتشر نوع تجاري من الحسابات يبحث عن كثرة المتابعين، وهنا من الطبيعي أن تظهر بعض الحسابات الوهمية، فمثلاً على “تويتر” نجد أن كثيرًا من الحسابات الوهمية هدفها زيادة المتابعين، ومن ثمّ بيع هذه الحسابات لمستخدمين آخرين.
وأضاف السلطان -في حديثه للجزيرة نت- أن التعرف على هذه الحسابات يجري عبر طريقتين؛ تقنية وبشرية، فمن خلال القسم التقني يتم التعرف على أصحاب هذه الحسابات عبر أجهزة حديثة تكون قادرة على كشفها من قبل الأجهزة الأمنية التي تستطيع أن تعرف إن كان هذا الحساب قديمًا أو جديدًا، داخل البلاد أو خارجها.
أما في القسم البشري، فالأجهزة المختصة تتابع هذه الحسابات، وما إذا كانت طبيعية أو مهمتها الإساءة وتجاوز الحدود المسموحة، مضيفًا أن في الكويت تشريعات مثل قانون الجرائم الإلكترونية وقانون المرئي والمسموع. كما أن وزارة الداخلية لديها حسابات رسمية تقوم على إدارتها قيادات مختصة ترفع كشفًا بالحسابات الوهمية أو التي تثير القلاقل إلى الجهات المعنية للرد واتخاذ الإجراءات المناسبة، وأعتقد أن غالبية الحسابات المثيرة للجدل تنشط من خارج الكويت.
وعن إمكانية تعارض الإجراءات الحكومية المزمع تطبيقها تجاه أصحاب الحسابات المثيرة للجدل مع حرية التعبير، قال السلطان إن الحسابات الوهمية ليست لها علاقة بحرية التعبير، بل هي قنابل موقوتة، الهدف منها خلق مناخ بعيد عن حرية التعبير، والإساءة إلى الأمن الاجتماعي.
إجراءات صارمة
وترى الكاتبة الصحفية الجازي السنافي أن الحسابات الوهمية أرَّقت مؤسسات الدولة كافة والأفراد بشكل عام، حتى أصبحت تطيح بحكومات ووزراء وقياديين. فأصحاب هذه الحسابات لهم طريقة خاصة في نشر الأكاذيب ودعمها ولهم صوت رنّان، وقد ناقش مجلس الأمة الكويتي في أكثر من جلسة موضوع الحسابات الوهمية، واتضح أن بعضها يدار من الخارج، أما الحسابات الوهمية التي تدار من داخل الكويت، فقد تم اتخاذ إجراءات قانونية بحقهم وأُحيل أصحابها إلى النيابة العامة ونيابة الجرائم الإلكترونية، وحكم على عدد منهم بالسجن.
وأضافت الجازي -في حديثها للجزيرة نت- أنه يجب تفعيل دخول التطبيقات بالهوية الرسمية لكل شخص، مثل جوار السفر أو بطاقة الهوية، أو البطاقة المدنية، مع تحديث دائم للبيانات حتى لا يُساء استغلال الحساب تحت اسم شخص آخر، إضافة لزيادة الغرامات المالية والتشهير والسجن، فالمجتمعات العربية بشكل عام لا تحب التشهير، وهذه أفضل عقوبة لمثيري الفتن وأصحاب الحسابات الوهمية التي أزعجت الناس وابتزت كثيرًا منهم.
وأشارت إلى أن هذه الإجراءات إيجابية ولا تمس حرية التعبير، فحرية الشخص تتوقف عندما تتعدى حدود القانون وتنتهك خصوصيات الآخرين.
ويكفل الدستور الكويتي الحرية الشخصية وحرية الرأي والتعبير في الكثير من مواده، فالمادة 36 جاءت حاسمة بنصها: “حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما، وذلك وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون”.
الإجراءات المحلية غير واقعية
أما المستشار في مجال أمن المعلومات محمد الدوب، فيرى أن عالم الإنترنت فضاء مفتوح تحكمه تقنيات عديدة وشركات مختلفة وتتداخل فيه العديد من السلطات والقوانين حول العالم، ولذلك فإن اتخاذ إجراءات محلية لضبط نطاق عالمي يعتبر أمرا غير واقعي، وأفضل ما يمكن فعله تجاه الشائعات وغيرها من الأخبار الوهمية هو تسريع إيصال الأخبار الموثوقة للناس وتجويد عمل وسائل الإعلام الحديثة ورفع موثوقية الجهات الرسمية فيما يتعلق بالعلاقات العامة وسرعة الرد على الشائعات.
وعن إمكانية مساس الإجراءات الحكومية بحرية التعبير، يقول الدوب -في حديثه للجزيرة نت- إنه في حال ما إذا كانت الإجراءات التي يُخطط لاتخاذها تتم وفق العقلية التقليدية ومحاولات منع تقنيات الخصوصية والحماية على نطاق واسع، فإن تأثيرها على هوامش حرية التعبير سيكون ملموسًا، فقد يُصعّب ذلك من قول الكلمة الحرة والنقد البنّاء ومحاربة الفساد.
ويضيف الدوب: ومع علمنا أن حرية التعبير لا يمكن أن تكون مطلقة -إذ هي محكومة بضوابط شرعية ثم قانونية- فإن هذا لا يعني إهدارها بدعوى محاربة الأخبار الوهمية، فمثل هذه الطرق تؤدي إلى طريق مسدود لا يحل المشكلة الأصلية.