باريس- يشهد مسرح الكوميديا الفرنسية برنامجا حافلا من العروض الكلاسيكية، بالإضافة إلى الإبداعات المعاصرة تمتد حتى 25 يوليو/تموز المقبل، وذلك بمناسبة الذكرى 400 لميلاد عراب الكوميديا الفرنسية موليير.
وارتبط اسم الكوميديا الفرنسية بموليير، الذي يعد أول عميد للكوميديا الفرنسية والأب الروحي لها على الرغم من وفاته قبل إنشاء المسرح بنحو 7 سنوات.
ولد جان بابتيست بوكلين “موليير” في باريس عام 1622، وقد ظهرت فرقة موليير لأول مرة عام 1658، حيث برزت شخصيته في الأوساط الثقافية.
وفي حوار خاص للجزيرة نت، يقول المدير العام لمسرح الكوميديا الفرنسية، إريك روف، إن “جميع عروض موسم موليير تمثل حبكة متماسكة تعيد تشكيل لوحة تمزج بين التاريخ والقصص”.
ويضيف قائلا إنه العميد الـ418 بعد موليير، مشيرا إلى أن هذه الألقاب تنتقل بين أعضاء المؤسسة كما هي الحال في الأسرة من الأب إلى الابن “فهذا الأمر ليس نظريا فقط، وإنما ممارسة ترتبط بالذكريات والفكر والروايات التي تشكل روح أي أسرة”.
إرث ثقافي
وخلف الستارة المخملية للمسرح الفرنسي الأكثر شهرة، لا يزال الجمهور يستمتع بأعظم كلاسيكيات الأدب، من موليير وكورنيه إلى بومارشيه، بتقلباتها ومنعطفاتها المجازية وروح دعابتها السوداء وحواراتها الخارجة عن المألوف.
وعلى مرمى حجر من متحف اللوفر الشهير والقصر الملكي في الدائرة الأولى بباريس، يتم تقديم هذا الإرث الثقافي على مسرح الكوميديا الفرنسية منذ أكثر من 3 قرون.
وتأسس مسرح الكوميديا الفرنسية، أو “بيت موليير”، عام 1680، ليصبح واحدا من أقدم وأعرق المؤسسات الثقافية في فرنسا. ويعد هذا المكان المتخم بالتاريخ المسرح الوطني الوحيد الذي يضم فرقة دائمة مكونة من 61 ممثلا، تنقسم إلى 38 عضوا داخليا و23 عضوا فخريا.
وفي عام 1673، أمر الملك لويس الرابع عشر بتشكيل فرقة موحدة في العاصمة الفرنسية من خلال انضمام الفرق الثلاث التي كانت تتنافس فيما بينها على عشاق المسرح الباريسي، وهي فرقة القصر الملكي التي أشرف عليها موليير، وفرقة ماريه وفندق دي بورغون برعاية الكاتب المسرحي جان راسين، وقدم لهم منحة ملكية لمباشرة العمل.
ويتمثل دور المؤسسة، التي يعمل بها 400 موظف دائم خلف الكواليس، في ضمان الأداء المنتظم للمسرحيات الرئيسية للمرجع الكلاسيكي، فضلا عن أعمال بعض أهم الكتاب المسرحيين المعاصرين.
يقول روف إن “الكثير من الباحثين يحضرون مسرحياتنا هنا لأننا من المؤسسات القليلة التي لا تزال تحافظ على ذاكرة أدبية دقيقة وواضحة منذ قرون”. ويأمل روف أن تصبح الأعمال المسرحية الحديثة من كلاسيكيات الأدب في يوم من الأيام.
ويحتوي المبنى على 3 مسارح، وهي قاعة “ريشليو” ذات الطراز الإيطالي ومسرح “فيو كولومبييه” و”ستوديو المسرح”. كما يضم معرضا لتماثيل أهم الكتاب المسرحيين، مثل ماريفو وروسو ودوماس، فضلا عن كرسي موليير، وتمثال نصفي له في بهو قاعة بيير دوكس.
وخلال زيارة مسرح الكوميديا الفرنسية، يمكن ملاحظة أنه مكان عمل حقيقي ومنظم؛ إذ لكل طابق دور خاص به. وتوجد ورش متنوعة تشمل خياطة أزياء الممثلين وتصميم الإكسسوارات والديكور.
نجاح رقمي
عندما أصدرت الحكومة الفرنسية قرار إغلاق المؤسسات الفنية في البلاد جراء تفشي وباء كورونا، اكتست جدران المسرح بالصمت واختفت ضحكات الجمهور وأصداء التصفيق في أرجاء الكوميديا الفرنسية.
ويشير إريك روف إلى أن العامين الماضيين كانا من أصعب الفترات التي مرت على تاريخ مسرح الكوميديا الفرنسية، الذي يعتمد على الحضور والاتصال المباشر مع الجمهور، لأنه لم يغلق أبوابه من قبل حتى في فترة الحروب والتحولات السياسية والثورة الفرنسية.
ويتابع المدير العام أن مسرح الكوميديا الفرنسية يزخر بقائمة ضخمة من الأعمال مكنته من تخطي الأزمة الصحية وتقديم عروض مسرحية منتظمة وبمواعيد محددة بفضل إنشاء قناة على اليوتيوب. كما طلب من الممثلين الحديث عن مهنتهم والأمور التي حفزتهم على اختيار هذا المجال.
ولاقت هذه الخطوة إقبالا ملحوظا من الجمهور وعززت القاعدة الجماهيرية للمؤسسة في فرنسا وخارجها. ويقول روف “كنا مذهولين من النتائج والأرقام، نجاحنا على الويب كان يضاهي النجاح الذي نحققه عادة في المسرح”.
ويضيف روف “تلقيت الكثير من الرسائل التي أعرب الناس فيها عن امتنانهم، وأخبروني أننا كنا قريبين منهم بشكل لا يصدق، وكأن المحجورين يتحدثون مع بعضهم بعضا في فترة الإغلاق القاسية”.
واليوم، يكمن هدف مسرح الكوميديا الفرنسية في التوفيق بين العروض بشكلها التقليدي في المسارح وبين برمجتها رقميا حتى تصل إلى الجميع وتنتشر بشكل أكبر، فضلا عن الاهتمام بمنصات التواصل الاجتماعي بشكل فعال لجذب فئة الشباب.