مراسم توقيع اتفاقية الربط الكهربائي بين الرئيس الجزائري ورئيس الوزراء الإيطالي السابق (الصحافة الجزائرية)

مراسم توقيع اتفاقية الربط الكهربائي بين الرئيس الجزائري ورئيس الوزراء الإيطالي السابق (الصحافة الجزائرية)

الجزائر- تتجه أنظار الجزائر إلى عام 2023 ليكون مرحلة جديدة في تحول البلد العربي لبوابة تصدير الكهرباء والهيدروجين الأخضر، في مقابل مساعٍ واهتمام أوروبيين للبحث عن ملاذ آمن وموثوق ودائم يجنب القارة العجوز “شبح الظلام”، ولتأمين تنامي احتياجاتها من الطاقة التي فرضتها تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا.

ومن منطلقات مرتبطة بإستراتيجيتها الطاقية الجديدة واستثمار الظرف الدولي الحالي، تعتزم الجزائر الدخول لعام 2023 بتنويع صادراتها الطاقية من خلال الاستثمار في إمكانياتها عبر عدة مشاريع بينها مشروعان كبيران، الأول للربط الكهربائي مع أوروبا والذي عدته الجزائر “تحديا إستراتيجيا”، والثاني هو مشروع “سولار” لإنتاج ألف ميغاوات من الكهرباء.

 

تحدٍ إستراتيجي جديد

وظهر التوجه الإستراتيجي الجزائري الجديد للتموقع بسوق الكهرباء الأوروبية منذ 26 مايو/أيار الماضي، عندما أعلن رئيس البلاد عبد المجيد تبون من روما اتفاق البلدين على مشروع ضخم لتزويد إيطاليا وأوروبا بالطاقة الكهربائية النظيفة، قبل أن يسارع البلدان إلى توقيع الاتفاقية في الجزائر خلال زيارة رئيس الوزراء الإيطالي السابق ماريو دراغي في يوليو/حزيران الماضي.

ورغم عدم تحديد البلدين موعدا لبدء التصدير، فإن وزارة الطاقة والمناجم الجزائرية أشارت في مايو/أيار الماضي إلى أنهما قررا إعادة تفعيل مشروع الربط الكهربائي عن طريق الكابلات البحرية بينهما بقدرة تتراوح بين ألف إلى ألفي ميغاوات، بالشراكة بين شركة الكهرباء والغاز الجزائرية الحكومية “سونلغاز” والإيطالية “تيرنا”.

ويبلغ طول الخط الكهربائي البحري 270 كيلومترا، يضمن تزويد إيطاليا بنحو 9 آلاف ميغاوات من الكهرباء في مرحلته الأولى بين محافظة عنابة الجزائرية (شرق) وصقلية الإيطالية، والذي يهدف إلى ربط ضفتي المتوسط بالكهرباء.

ويهدف المشروع على المدى البعيد لإنتاج 22 ألف ميغاوات من الكهرباء الخضراء من الطاقة الشمسية.

 

وأكدت الجزائر أن المشروع يمثل “تحديا إستراتيجيا وأولوية” لها، وعدته “عامل تكامل إقليمي وحافزا للانتقال الطاقي”، وفق تصريح سابق لوزير الطاقة الجزائري محمد عرقاب، نهاية الشهر الماضي، أمام المشاركين في مؤتمر مشترك حول الربط الكهربائي بين ضفتي المتوسط.

واعتبر الخبير أحمد حيدوسي المختص في شؤون الطاقة للجزيرة نت أنه يمكن للجزائر مستقبلا أن تعول على الاستثمار في الطاقات المتجددة عبر برنامج سولار، وهو البرنامج الذي يعتمد على التركيبة المالية من حيث الشراكة مع الأجانب خصوصا الأوروبيين، ومن مشروع سولار يتم تحويل ثلث استهلاك الجزائر من الكهرباء نحو الطاقات المتجددة، وهذا ما يسمح لها باسترجاع كمية هائلة من الغاز لتصديرها نحو الأسواق الأوروبية.

وأضاف حيدوسي “الحفاظ على كمية الغاز -وهي التي تعرف مستويات نمو سنوية مرتفعة للاستهلاك الداخلي- وصلت في بعض الأعوام بين 7% و8%، وبالتالي فإن تحويل إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية، وتحويلها أيضا للاستهلاك الداخلي، يسمح للجزائر بعودة القدرات التصديرية من الغاز نحو السوق الأوروبية”.

وتحدث حيدوسي عن الإمكانيات الأخرى للجزائر من خلال إمكانية استعمال الكهرباء لإنتاج الهيدروجين الأخضر من خلال التشريح الكهربائي، حيث يمكن إنتاج الهيدروجين الأخضر عن طريق الكهرباء والماء المتوفرين في الجزائر، وهي تدرس إمكانية استعمال الأنابيب الموجودة أو تكييفها سواء المتجهة نحو إيطاليا أو إسبانيا قصد نقل الهيدروجين الأخضر والذي يمكن إنتاجه بكميات وفيرة، كما قال للجزيرة نت.

ويلفت الخبير في شؤون الطاقة إلى أن الفائض الذي تصدره الجزائر من الكهرباء “دائم وليس مؤقتا”، ويؤكد على ذلك بالاستثمارات الضخمة والاتفاق الموقع بين الجزائر وشركة “جينرال إلكتريك” الأميركية.

 

وأضاف أن “الشراكة تضمنت إنتاج التوربينات، والشيء الإيجابي أن إنتاجها يتم هنا في الجزائر، وهي الآن في مرحلة التصدير، وهي تكنولوجيا دقيقة”.

ومن “نقاط القوة الإيجابية” -كما قال للجزيرة نت- هي أن الجزائر من أكثر الدول استقطابا للأشعة الشمسية بحوالي 4 آلاف ساعة في السنة، خاصة في منطقة الجنوب.

لؤي أحمد - الجزائر - مشروع لتوليد الطاقة الكهربائية من الغاز جنوبي الجزائر - المصدر وزارة الطاقة الجزائرية
التوجه الإستراتيجي الجزائري الجديد للتموقع بسوق الكهرباء الأوروبية ظهر منذ 26 مايو/أيار الماضي (الصحافة الجزائرية)

ونهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، كشف وزير الطاقة الجزائري محمد عرقاب عن إمكانيات بلاده الإنتاجية من الكهرباء النظيفة، إذ بلغت 25 ألف ميغاوات.

ولفت أيضا إلى الإنتاج الإجمالي بمتوسط 12 ألف ميغاوات، في حين تصل ذروة الاستهلاك المحلي 17 ألف ميغاوات، وسط خطط مستقبلية للوصول بالقدرة الإنتاجية للجزائر من الكهرباء إلى 30 ألف ميغاوات في 2032.

كما تحدث المسؤول الجزائري عن خطط بلاده لتوسيع حجم إنتاجها من الطاقة الكهربائية إلى 15 ألف ميغاوات، مقرا في المقابل بأن التغيرات العالمية أثرت على الإستراتيجيات الطاقية للجزائر، وفرضت عليها “التكيف مع البيئة الدولية من جهة، ومن جهة أخرى تلبية الاحتياجات الوطنية المتزايدة من الطاقة، والمساهمة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلاد بطريقة مستدامة”.

وتطمح الجزائر لإنتاج آلاف الميغاواتات من الطاقة الشمسية بحلول 2035، يبدأ من مشروع “سولار” الضخم والمتوقع أن يبدأ العمل مع نهاية العام المقبل.

استثمارات ضخمة

ولفت الخبير المختص في الشؤون الطاقية أحمد حيدوسي إلى أن الجزائر استثمرت كثيرا في إنتاج الكهرباء في الأعوام الماضية من خلال عقود الشراكة مع العملاق الأميركي جنرال إلكتريك لتوريد التوربينات.

 

وأشار، في تصريح للجزيرة نت، إلى أن إنتاج الجزائر بلغ اليوم “أكثر من 22 ألف ميغاوات سنويا مقارنة بالاستهلاك المحلي الذي يصل في فصل الشتاء إلى حدود 11 ألف ميغاوات، ووصل في فصل الصيف خلال أغسطس/آب الماضي إلى الذروة بحدود 17 ألف ميغاوات، وبالتالي فإن للجزائر اليوم فائضا كبيرا يمكن تصديره، وهي تصدر نحو تونس وليبيا”.

وأوضح أن الشيء المميز في إنتاج الكهرباء في الجزائر هو أن مدخلات الإنتاج من خلال الغاز الذي تحصل عليه شركة إنتاج وتوزيع الغاز (سونلغاز الحكومية) تتم بمبلغ زهيد جدا مقارنة بسعر الأسواق الدولية، الذي يبلغ حوالي 0.26 دولار للوحدة، وفق تصريحات المسؤولين، واليوم السعر فاق 6 دولارات للوحدة في الأسواق الدولية.

واعتبر أن إنتاج الكهرباء يتم في جو تنافسي مقارنة بتكلفة الإنتاج الموجودة بمنطقة البحر الأبيض المتوسط خاصة التكلفة في إيطاليا واليونان وألمانيا، والتي تعتبر الأعلى تكلفة في أوروبا، مضيفا “لذلك فإن للجزائر فرصة تصدير الكهرباء نحو إيطاليا، خاصة وأن نحو 99% من إنتاج الكهرباء في الجزائر يتم عن طريق الغاز، وهو متوفر”.

لؤي أحمد - الجزائر - مشروع لتوليد الطاقة الشمشية في الجزائر - المصدر وزارة الانتقال الطاقي الجزائرية 1
مشروع لتوليد الطاقة الشمسية في الجزائر في خطوة للانتقال الطاقي (الصحافة الجزائرية)

بطارية أوروبا

ويبدو أن التوجه الطاقي الجزائري الجديد لتصدير الكهرباء باستثمارات ضخمة، دفع البعض لتوقع أن يكون هذا البلد المغاربي “بطارية أوروبا” في مجال الطاقة، بالتوازي مع ارتدادات الحرب الروسية الأوكرانية على الدول الأوروبية التي قررت التوجه نحو دول أخرى، من بينها الجزائر، لتحرير نفسها من الغاز الروسي وتأمين مختلف أنواع الطاقة.

وأوضح تقرير نشرته صحيفة “لوموند” الفرنسية بعنوان “الجزائر يمكن أن تكون بطارية أوروبا الكهربائية”، أن الظروف الدولية الحالية مكنت الجزائر من أداء دور رئيسي في تأمين حاجيات أوروبا الكهربائية في المستقبل القريب.

وعرج التقرير على الدور الذي يمكن أن تلعبه الجزائر في ذلك، وركز على إمكانياتها الغنية من الطاقة الأحفورية والشمسية، وموقعها الجغرافي.

 

وفي تصريح للجزيرة، أوضح مدير مؤسسة الدراسات الاقتصادية “بي بي إس ألجيريا” (BPS Algeria) حمزة بوغادي أن الجزائر أصبحت تمتلك مشروعا اقتصاديا متكاملا، وهي أمام مرحلة تأهيل كل طاقاتها ومواردها حتى تبني اقتصادا متنوعا وثريا بهدف الخروج من تبعية تقلبات السوق العالمية، والتي منعت الجزائر من بناء أي تصور أو أي سياسة نقدية فعالة.

لفت إلى أن الجزائر بالمقومات التي تمتلكها يمكنها أن تتحول إلى بطارية لأوروبا وحتى للشمال الأفريقي، وتابع “عندما نتكلم عن المقومات، فالجزائر من أوائل الدول التي تمتلك احتياطات مؤكدة من الغاز، كما أنها من أكثر الدول تعرضا للأشعة الشمسية، حيث إن المساحة الشاسعة والكم الساعي للتعرض للشمس يمكن أن يولدا طاقة شمسية هائلة”.

وتطرق بوغازي أيضا إلى خبرة الجزائر في اليد البشرية العاملة المؤهلة في مجال الطاقة، مبرزا في تحليله أن الإستراتيجية الجزائرية وضعت وزارة مخصصة للانتقال الطاقي والطاقات المتجددة، ولذلك فهناك إستراتيجية شاملة ليس فقط في مجال الطاقة، بل كمشروع اقتصادي ككل وفق تحرك شامل وأفقي يشمل معظم القطاعات الحيوية الاقتصادية.

المصدر : الجزيرة

About Post Author