“بطل لأول مرة، وجوه غير معروفة، كاتب جديد، ومخرج يخطو أولى خطواته الفردية في عالم الدراما”، رغم أركان هذه المعادلة شبه الانتحارية؛ جاءت النتيجة “موفقة جدا”، واستطاع مسلسل “بالطو” استقطاب الجمهور منذ الحلقة الأولى.
بالطو وفانلة وتاب
مسلسل “بالطو” عمل درامي كوميدي من 10 حلقات، مقتبس عن كتاب “بالطو وفانلة وتاب” لأحمد عاطف الطبيب الشاب والمدون المشهور عبر موقع فيسبوك، الذي استعرض خلاله مغامراته كطبيب امتياز في إحدى الوحدات الصحية.
روح المغامرة
إذا كان العمل نجح لعوامل محددة، فأولها -دون شك- “روح المغامرة”، بداية من الإنتاج الذي اختار كتاب أحمد عاطف مادة للعمل، بل واعتماده كاتبا للسيناريو والحوار، وليس فقط صاحب القصة الأصلية، ورصيده لدى الجمهور 3 كتب ومنشورات فيسبوك كوميدية.
كما أسند الإخراج إلى عمر المهندس؛ حفيد فنان الكوميديا الراحل فؤاد المهندس، في أول إخراج له بعد سنوات من عمله مساعد مخرج، وصولا إلى إسناد البطولة إلى أسماء غير معروفة.
فالبطل الممثل الشاب عصام عمر الذي شارك في مسلسلات قليلة بأدوار ثانوية آخر عامين؛ من بينها “منورة بأهلها” و”سوتس” و”الاختيار”، وهي الأدوار التي -وإن كانت لفتت الانتباه إليه- فإنها لم تؤهله ليصبح بطلا أول.
أما بقية الممثلين -باستثناء أسماء قليلة جدا- فأغلبهم وجوه جديدة أو غير مألوفة على الشاشة، وهو ما يمكن عدّه تحديا صارخا من أصحاب العمل لكل ما هو معتاد في عالم صناعة الدراما المعتمدة على أسماء النجوم، سواء لاستقطاب المشاهدين أو المنصات وحتى الإعلانات.
العلاج بالكوميديا
كل العوامل السابقة تضافرت لتقديم عمل كوميدي مميز؛ إذ استعرض المسلسل ما يعانيه صغار الأطباء حين يصطدمون فور تخرجهم بالفارق الضخم بين أحلامهم وطموحهم من جهة، والبيروقراطية والروتين والنفوس المريضة لبعض زملاء العمل من جهة أخرى.
“شر البلية ما يُضحك” هذا بالضبط ما حرص صانعو المسلسل على تقديمه، خاصة أنه اعتمد على كتابة ذاتية وإن شابها قدر من “الفانتازيا” الطريفة، قُدمت في إطار من الكوميديا السوداء التي تُحوّل المصائب إلى مادة خصبة للضحك وسخرية لاذعة يحترفها المصريون، عبر كوميديا بسيطة ونظيفة، ناتجة عن المواقف وليس “الإفيه”، والأهم أنها من أرض الواقع.
وهذا ما نجح المخرج في تقديمه برشاقة عبر مشاهد بسيطة جذابة، وألوان مبهجة، وزوايا تصوير تمنح العمل روحا مرحة، تبعث على الابتسام حتى في أحلك اللحظات، خاصة في وجود المونتاج الذكي والإكسسوارت الصحيحة؛ الأمر الذي يُعيد إلى الأذهان أعمال النجم فؤاد المهندس، الذي ظهر بوضوح خلال بعض اللقطات التلفزيونية في المسلسل، في محاولة من الحفيد لإرسال التحية للأستاذ.
عفوية الأداء
من دون استثناء، يمكن القول إن جميع الممثلين تلبّستهم روح واحدة، تركت بصمتها عليهم، وصبغت تمثيلهم بهالة واضحة من النعومة والعفوية، مكنّتهم من دخول قلوب المشاهدين من دون استئذان. هذا التوفيق وإن كان نتيجة قدر كبير من الاجتهاد، فإنه كذلك جاء بدافع الإصرار على الانتصار بعد أن راهن عليهم صناع العمل، ومنحتهم الدنيا فرصة قد لا تتكرر.
ورغم حالة “اللاتوقع” المُسبقة التي انتابت المشاهدين قبل طرح العمل وانتظاره فقط من قِبل مُتابعي الطبيب/الكاتب أحمد عاطف على منصات التواصل، فإن ذلك رفع روح التحدي والتصميم لدى فريق المسلسل، وجعلهم يتكاتفون لتقديم عمل ناجح بحسابات الجميع.
ساعد على ذلك وجود بعض نجوم الكوميديا، من بينهم عارفة عبد الرسول في دور “مس كوثر” رئيسة التمريض، تلك المرأة التي تتعامل بخشونة مع الموظفين، وصاحبة السلطة على الجميع حتى من هم أعلى رتبة منها.
ويقدم محمد محمود أحد أفضل أدواره، عبر شخصية “عبد البديع الطرشوخي” العامل بالوحدة الذي يتعامل مع الطبيب الجديد بروح الأب التي تجمع بين الحنان والكثير جدا من الكوميديا الطريفة.
كذلك قدم محمود حافظ ودنيا سامي ثنائيا مميزا وملفتا لطبيب أسنان وممرضة استغلاليين، يحاولان التربّح من أوجاع الفقراء والسُذَج، في حين لفتت كل من مريم الجندي في دور الصيدلانية “هاجر”، وسلافة غانم في دور “مس حليمة” الأنظار، ويتوقّع مشاهدتهم في أعمال أكبر قريبا.
ردود الأفعال
جاءت ردود الأفعال على المسلسل شديدة الإيجابية من النقاد والجمهور، الذين أشادوا بالإخراج والتمثيل، وأعربوا عن استمتاعهم بالمادة الكوميدية المطروحة في العمل، التي تؤهله للاستمرار عدة مواسم وليس فقط 10 حلقات، خاصة أن الكاتب طبيب؛ مما يعني أن لديه مادة خصبة لما هو أكثر.
كذلك أعلن بعض صانعي الأفلام والمسلسلات -أولهم المخرج المصري عمرو سلامة- استحسانهم المسلسل، سواء الحالة أو على المستوى الفني، مؤكدين احترامهم للمجازفة التي لم يُقبل عليها صانعو العمل فقط، وإنما منصة “واتش ات” التي تخطو في عالم المسلسلات الأصلية ببطء ولكن بثبات، من خلال أعمال غير تقليدية ومعتمدة على نجوم صغار أو غير تقليدين، مثل ما جرى من قبل في مسلسلي “تحقيق” و”ريفو”.
نقابة الأطباء لا تؤمن بالكوميديا الساخرة
كما هو متوقع، وبما يتناقض مع روح الدعابة لدى المصريين، قرر بعض الأطباء الانتفاض بعد عرض الحلقات الأولى من المسلسل، شاعرين بالغضب والإهانة من الطريقة التي ظهر بها الأطباء خلال العمل، خاصة أطباء الأسنان الذين مثّلهم في المسلسل محمود حافظ الطبيب الاستغلالي.
الموقف نفسه اعتمده سكان مركز “مطوبس” الذي تنتمي إليه الوحدة الصحية، بل إن بعضهم أعلنوا نيتهم اللجوء للقضاء بحجة إساءة المسلسل للبلد وأهلها، وهو ما دعا بعض رواد منصات التواصل للسخرية منهم، كونهم لم يغضبوا من المسؤولين أو ينتفضوا من أجل حياة وطرق ووحدات صحية أفضل، بينما احتشدوا من أجل مسلسل.
وهو ما علّق عليه مؤلف العمل أحمد عاطف -في مداخلة هاتفية خلال برنامج “كلمة أخيرة” مع الإعلامية لميس الحديدي- مؤكدا عدم قصد أي إساءة لسكان البلدة، بل إن القرية التي تناولها العمل وحملت اسم “طرشوخ الليف” لا وجود لها في الأساس على الخريطة، كذلك لم يتم تصوير المسلسل في مدينة مطوبس، ولكن فقط ذُكر الاسم.
من جهته، شارك الكاتب والسيناريست والطبيب السابق عمرو عزت جمهوره تجربته الشخصية التي تتشابه مع بعض ما مرّ به بطل المسلسل، مؤكدا حقيقة ما يظهر على الشاشة مهما بلغ به من غرابة أو صعوبة تصديقه.
في حين استغلت الإعلامية منى الشاذلي حالة الجدل المثارة ونجاح المسلسل بطريقة مختلفة، وأعلنت على حسابها الشخصي عبر فيسبوك بحثها عن حكايات مشابهة لأطباء قضوا فترة تكليفهم في الريف والمناطق العشوائية النائية، لمشاركة مغامراتهم مع نجوم العمل.
يُذكر أن مسلسل “بالطو” نجح في التربّع على عرش الأعمال الأكثر مشاهدة على منصة “واتش ات” (Watch It) في الكثير من الدول، من بينها مصر، والسعودية، والإمارات، والكويت، وقطر، وإنجلترا، وكندا. فهل يُقرر صانعوه تقديم مواسم أخرى منه بعد هذا النجاح السريع وغير المتوقع؟