واشنطن ـ تزامنا مع زيارة وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن المهمة إلى كوريا الجنوبية والفلبين، يجري ينس ستولتنبرغ سكرتير عام حلف الناتو زيارة فريدة إلى اليابان وكوريا الجنوبية.

وتهدف الزيارتان في شقهما الأول إلى تقوية علاقة واشنطن العسكرية مع حلفائها من جيران الصين، وفي الشق الثاني، تطوير علاقات حلف الناتو مع أهم وأقوى حلفاء لواشنطن في شرق آسيا، اليابان وكوريا الجنوبية.

 

وتتسق هذه التطورات مع ما بدأه الرئيس جو بايدن منذ وصوله للحكم قبل عامين من تبني خطوات تهدف لتطويق الصين عسكريا في إطارها الإقليمي عن طريق بناء شبكة تحالفات عسكرية متعددة ومتداخلة.

وتعد زيارة وزير الدفاع الأميركي لشرق آسيا السادسة خلال العامين الأخيرين؛ أحدثَ خطوات تعزيز الشراكات الدفاعية الأميركية في المنطقة بهدف تطويق الصعود الصيني في منطقة المحيطين الهادي والهندي.

وزير الدفاع الأميركي (يسار) في مؤتمر صحفي مع نظيره الفلبيني كارليتو جالفيز جونيور(غيتي)
وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن (يسار) في مؤتمر صحفي مع نظيره الفلبيني كارليتو جالفيز جونيور (غيتي)

قواعد عسكرية

ويسعى الوزير أوستن إلى الوصول إلى اتفاق يضمن فتح 4 قواعد عسكرية فلبينية للجيش الأميركي لاستخدامها بصورة روتينية. وتوفر واشنطن مظلة أمنية لليابان منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، ولكوريا الجنوبية منذ انتهاء الحرب الكورية عام 1953.

وتعمل زيارة سكرتير حلف الناتو لترسيخ الضمانات الغربية لدول شرق آسيا لمواجهة الأطماع الصينية المتزايدة خاصة في منطقة بحر جنوب الصين.

وقال مسؤول عسكري أميركي عشية بدء الوزير أوستن جولته، إن البنتاغون يهدف إلى “تعزيز تحالفاتنا وشراكاتنا الإقليمية لضمان أن يكون رادعنا المشترك أقوى من أي وقت مضى بهدف الحفاظ على السلام والأمن الإقليميين وضمانهما”.

وأضاف المسؤول أن “التحالفات ترفع تكلفة الإكراه والعدوان من قبل أي جهة فاعلة تسعى إلى إعادة كتابة قواعد الطريق أو تغيير الوضع الراهن من جانب واحد، ومن الواضح أن ما يدور في أذهان الجميع أولا وقبل كل شيء هو بحر جنوب الصين”.

من ناحية أخرى، سمحت واشنطن في ديسمبر/كانون الأول الماضي لليابان ببدء تطوير دراماتيكي في قواتها المساحة، وعززت ميزانيتها العسكرية بصورة غير مسبوقة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، كما غيرت طوكيو عقيدتها العسكرية لتضمن لها القيام بأعمال عسكرية هجومية وقائية عند الضرورة.

وخلال العامين الماضيين كذلك، قاد بايدن تأسيس تحالف أوكوس الثلاثي مع بريطانيا وأستراليا، وتم الاتفاق على منح أستراليا غواصات تعمل بالطاقة النووية لكبح طموحات الصين التوسعية في منطقة المحيطين الهادي والهندي، كما قاد بايدن جهود تأسيس تحالف رباعي مع اليابان والهند وأستراليا لنفس الغرض.

US Defence Secretary Lloyd Austin Visits Philippines
تنديد شعبي بزيارة وزير الدفاع الأميركي للفلبين (غيتي)

الصين الشغل الشاغل للبنتاغون

وكانت إستراتيجية البنتاغون الرسمية تجاه منطقة المحيطين الهندي والهادي، والتي صدرت في بداية العام الماضي، قد حذرت من أنه لم يعد يتبقى سوى نافذة ضيقة من الوقت لمنع الصين من تحويل منطقة المحيطين الهادي والهندي إلى منطقة نفوذ خاصة بها.

وأكدت الوثيقة أن “الصين تجمع بين قوتها الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية في سعيها إلى تحقيق منطقة نفوذ في منطقة المحيطين الهندي والهادي، وتسعى إلى أن تصبح القوة الأكثر نفوذا في العالم”.

وجاء في الوثيقة أن “جهودنا الجماعية، على مدى العقد المقبل، ستحدد إذا ما كانت الصين ستنجح في تغيير القواعد والمعايير التي أفادت منطقة المحيطين الهندي والهادي والعالم خلال العقود الثلاثة”.

الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ خلال زيارته لليابان (رويترز) 
الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ خلال زيارته لليابان (رويترز)

هل يعادي الناتو الصين؟

تاريخيا، ركز حلف شمال الأطلسي (الناتو) على القارة الأوروبية في نطاقه الجغرافي، وكان هناك عدة استثناءات دفع إليها غزو الولايات المتحدة أفغانستان والعراق.

وتعكس زيارتا الأمين العام لحلف الناتو إلى سول وطوكيو التركيز الكبير الذي يضعه الناتو للشراكة مع دول شرق آسيا.

وستكون قضية صعود وأطماع الصين العسكرية، والحرب في أوكرانيا على رأس جدول أعمال ستولتنبرغ الذي يهدف لحشد الدعم لأوكرانيا، كما أكدت طوكيو وسيول إرسال معدات إضافية غير عسكرية لكييف مثل الإمدادات الطبية والدروع والخوذات والمولدات ومعدات الاتصالات، لكنهما لم تتجاوزا توفير الأسلحة التي تحتاجها أوكرانيا لصد الهجمات الروسية، مثل الدبابات أو المدفعية أو أنظمة الصواريخ.

وفي حديثه مع وكالة يونهاب الكورية، سلط ستولتنبرغ الضوء على “التحديات العالمية، وخاصة تلك التحديات القادمة من الصين، وإحدى الطرق للقيام بذلك هي العمل بشكل أوثق مع الشركاء في المنطقة”.

ويرى بعض المحللين أن الناتو من جانبه يعمل على إقامة علاقات أوثق مع الدول ذات التفكير المماثل، وتدرك اليابان وكوريا الجنوبية تماما أوجه التشابه بين الغزو الروسي لأوكرانيا والقلق المتزايد في منطقة المحيطين الهندي والهادي من صراع مماثل إذا قررت الصين غزو تايوان.

ويعمل حلف الناتو على تسليط الضوء على أن الأزمة الأوكرانية ليست أزمة أوروبية، بل أزمة عالمية وتحديا للنظام القائم على القواعد، وهذا هو السبب في حرص الحلف الأوروبي بالأساس على مشاركة الدول الأخرى في تقديم الدعم لأوكرانيا.

وتأتي زيارة ستولتنبرغ بعد حضور غير مسبوق لزعيمي كوريا الجنوبية واليابان قمة حلف الناتو في مدريد في يونيو/حزيران الماضي، والتي تبنى فيها الحلف وثيقة إستراتيجية وصفت الصين بأنها “تحد منهجي للأمن الأوروبي الأطلسي”.

الاستعداد لمواجهة لا يريدها أحد

ويصل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى الصين في نهاية هذا الأسبوع، وتأتي الزيارة في توقيت مُحرج، وإضافة للتصريحات الصادرة من البنتاغون عن مواجهة عسكرية متوقعة مع بكين عام 2025، ضغطت واشنطن حتى تمكنت من دفع هولندا واليابان لوقف تصدير أشباه الموصلات المتقدمة للصين، كما قطع الموردون الأميركيون علاقاتهم مع عملاق التكنولوجيا الصيني شركة “هواوي” (Huawei).

وسيحاول بلينكن كذلك طمأنة الصين بأن الطرف المناهض لها في الكونغرس، والذي انعكس في تشكيل لجنة جديدة في مجلس النواب معنية بالمنافسة مع الصين، لا يعكس فكر البيت الأبيض.

ويبقى السؤال، هل ينجح بلينكن في وضع أساس جديد لعلاقات مستقرة تضمن وضع معايير محددة وحدود للمنافسة مع الصين في الوقت الذي ترى فيه بكين واشنطن لا تتوقف عن جهود عسكرة جيران الصين وتطويقها في منطقة المحيطين الهادي والأطلنطي؟

المصدر : الجزيرة

About Post Author