صورة من أحد مؤتمرات "أيباك" بواشنطن، وهي منظمة تمثل أقوى لوبي يهودي مؤثر في السياسة الأميركية (رويترز)

صورة من أحد مؤتمرات "أيباك" بواشنطن، وهي منظمة تمثل أقوى لوبي يهودي مؤثر في السياسة الأميركية (رويترز)

واشنطن- على الرغم من تبوُّء اليهود الأميركيين الكثير من المناصب الرفيعة في الحياة السياسية والاقتصادية والإعلامية، وذلك بنسب ضخمة تفوق نسبتهم من إجمالي سكان أميركا، فإن منظمات يهودية تحدثت عن زيادة كبيرة في تعرضهم “لحوادث كراهية” خلال العامين الأخيرين.

ويؤمن الكثير من الخبراء أن صعود واستمرار نفوذ الرئيس السابق دونالد ترامب في أوساط اليمين الجمهوري من ناحية، وصعود التيار التقدمي من ناحية أخرى في الحزب الديمقراطي، وانفتاح وسائل التواصل الاجتماعي، هي عوامل أسهمت في انتشار الخطاب المعادي لليهود.

 

وقالت رابطة مكافحة التشهير، وهي منظمة يهودية، إنها رصدت 2727 حادثة كراهية استهدفت اليهود العام الماضي، وهو ما يمثل ارتفاعا نسبته 34% عن العام السابق عليه.

President Biden And Vice President Harris Speak At DNC Event In Washington, DC
الرئيس الأميركي جو بايدن دعا إلى “عدم التواطؤ” مع معاداة اليهود (الفرنسية)

نقاش وطني أميركي

قبل أيام غرد الرئيس جو بايدن بلغة حاسمة قائلا “أريد فقط أن أوضح بعض الأشياء: الهولوكوست حدثت بالفعل، وهتلر كان شخصية شيطانية. يجب على قادتنا السياسيين أن ينادوا ويرفضوا معاداة السامية أينما تختبئ، بدلا من السماح بانتشارها” وأضاف “الصمت يعني التواطؤ”.

وجاء كلمات بايدن قبل استضافة البيت الأبيض الأربعاء اجتماعا بهدف فتح نقاش وطني حول تصاعد العداء لليهود. وترأس دوغ إمهوف، الزوج اليهودي لنائبة الرئيس كامالا هاريس، النقاش الذي ضم قادة منظمات اليهود الأميركيين، وقادة عدد من أكبر الكنائس الأميركية.

وقال إمهوف “يجب ألا نبقى صامتين. لا يوجد موقف وسط، يجب أن يكون الجميع ضد هذا الخطاب”، في إشارة إلى العداء لليهود.

من جانبه، قال الحاخام نوح فاركاس، رئيس الاتحاد اليهودي في منطقة لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا، إن “هناك تطبيعا لخطاب الكراهية ضد اليهود، ربما أصبح من المقبول الآن الحديث عما كان يقال دائما في السر”.

وخلال كلمة له أمام المؤتمر السنوي لمنظمة جي ستريت اليهودية قبل أيام، قال وزير الخارجية أنتوني بلينكن “نحن نحارب معاداة السامية، والتي عادت لتتزايد في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك هنا في الولايات المتحدة.. لسنا ندين معاداة السامية متى تحدث فحسب، ولكننا نقف أيضا مع المجتمعات اليهودية متى تقع ضحية لأعمال الكراهية هذه ونعمل على بناء تحالفات واسعة عبر الحكومة والمجتمع المدني لنتوحد معا لدحر هذه الآفة”.

ويطالب عدد من أعضاء الكونغرس بتطوير إستراتيجية وطنية ضد كراهية اليهود، خاصة مع ما يرونه من تصاعد لمظاهرها، و”تكرار نظريات المؤامرة المعادية لليهود” على حد قولهم.

 

واستخدمت اللوبيات الصهيونية والدبلوماسية الإسرائيلية والداعمون لها في الولايات المتحدة وخارجها في السنوات الأخيرة مصطلح “معاداة السامية” على نطاق واسع وبعيدا عن سياقه الذي بدأ به في نهاية القرن التاسع عشر وهو “الكراهية لليهود”.

ووظفت إسرائيل هذه التسمية لمواجهة تنامي الصورة السلبية لها في الرأي العام الدولي. بل إنها وسمت بها نشطاء ومؤسسات اتخذوا مواقف سياسية معارضة أو منتقدة لممارساتها الاحتلالية في فلسطين.

Republican U.S. presidential candidate Donald Trump addresses the American Israel Public Affairs Committee (AIPAC) afternoon general session in Washington March 21, 2016. REUTERS/Joshua Roberts/File Photo
البعض يحمل ترامب المسؤولية عن تصاعد العداء لليهود رغم انحيازه الكبير لإسرائيل (رويترز)

دور دونالد ترامب

على الرغم مما قدّمه الرئيس السابق دونالد ترامب من خدمات لمصالح إسرائيل، وخاصة اعترافه بالقدس “عاصمة موحدة” لها ونقل سفارته من تل أبيب إلى المدينة المقدسة التي يعتبرها الفلسطينيون عاصمتهم، وبارك ودعم تطبيع عدد من الدول العربية مع إسرائيل، وفرض عقوبات وقيودا على السلطة الفلسطينية، فإن الكثير من يهود أميركا يلقون عليه باللوم في ما يعتبرونه زيادة حوادث الكراهية ضدهم. بل لم يشفع له تحوّل ابنته إيفانكا للديانة اليهودية، وأنه أصبح جدا لـ3 من الأحفاد اليهود.

ويستخدم الرئيس التنفيذي للاتحاد اليهودي في منطقة العاصمة واشنطن، جيل بريوس، مصطلح “معاداة السامية” في وصف كراهية اليهود أيضا. ويقول إن “لها جذورا عميقة في التاريخ الأميركي، ولكن منذ مسيرة توحيد اليمين عام 2017 في مدينة تشارلوتسفيل بولاية فرجينيا، أصبحت اللغة أقل ترميزا وأكثر وضوحا”.

لكن الجزء الصادم بالنسبة لبريوس “هو أن الشخصيات العامة مستعدة بشكل متزايد لاستخدام ليس حتى المجازات المعادية للسامية، ولكن اللغة المعادية للسامية المباشرة”.

وخلال مسيرة تشارلوتسفيل، ردد المشاركون صيحات “اليهود لن يأخذوا مكاننا”، وتردد ترامب في إدانة المتظاهرين حينها، وقال إن بينهم الكثير من الرجال الجيدين.

 

وقبل أيام، تناول ترامب العشاء في منتجعه بولاية فلوريدا مع نيك فوينتيس، والمغني ييه، المعروف سابقا باسم كاني ويست، وكلاهما يشككان في الهولوكوست، ويكنّان بعض التقدير والإعجاب بهتلر ومواقفه.

من ناحية أخرى، دعم ترامب الكثير من المرشحين المتهمين بمعاداة اليهود خلال الانتخابات النصفية التي جرت الشهر الماضي. وعلى سبيل المثال، هاجم دوغ ماستريانو، المرشح الجمهوري لمنصب حاكم ولاية بنسلفانيا، والذي دعمه ترامب بشدة، خصمه الديمقراطي جوش شابيرو اليهودي، لإرساله أطفاله إلى مدرسة يهودية دينية.

ويقول الرئيس التنفيذي لرابطة مكافحة التشهير جوناثان غرينبلات، إنه “ليس من المبالغة التأكيد على أننا وصلنا إلى نقطة الأزمة الوطنية، لدينا مشاهير يكررون استعارات معادية للسامية. لدينا رئيس سابق يتناول العشاء مع المتعصبين، بما في ذلك العنصريون من أنصار سمو الجنس الأبيض. لدينا رياضيون يطبعون إنكار الهولوكوست”.

العداء في وسائل التواصل

ويعتبر البعض في أميركا أن الأصوات المعادية لليهود تجد جماهير جديدة، حيث تكتسب ادعاءات وجود “مؤامرات معادية لليهود” زخما في جميع أنحاء العالم ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي.

وزاد الحديث عن تصاعد العداء لليهود بعد سيطرة الملياردير إيلون ماسك على منصة تويتر. وقد تم إعادة حساب أندرو أنجلين، صاحب نظرية “المؤامرة النازية الجديدة”، ومؤسس صحيفة ديلي ستورمر، على تويتر بعد ما يقرب من عقد من الزمان على حظره من الموقع.

 

وتقول منظمة مكافحة التشهير إن “هناك زيادة في المحتوى المعادي للسامية على المنصة وانخفاض في الإشراف على المنشورات المعادية، وهذا تطور مقلق..”.

Israeli security forces secure the area in Jerusalem
يهود متطرفون بحماية الشرطة الإسرائيلية خلال اقتحامهم باحات المسجد الأقصى المبارك (رويترز)

تجاهل تأثير السياسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين

وفي مقال نشرته صحيفة وول ستريت جورنال، عبّر الكاتب الشهير والتر راسيل مييد، عن قلقه من تزايد موجة العداء لليهود، وقال مييد “إن معاداة الصهيونية الجديدة أصبحت راسخة بين العديد من التقدميين الأميركيين”.

وانتقد مييد ما اعتبره “معاداة التقدميين اليهود أنفسهم للسامية” من خلال أنشطتهم في مجال حقوق الإنسان “بصورة تؤدي لزيادة المخاطر التي تواجه اليهود الأميركيين” كما قال.

واعتبر مييد أن “ما يقرب من ثلثي جرائم الكراهية الدينية المُبلغ عنها في الولايات المتحدة موجهة ضد مجموعة تمثل 2.4% من السكان، وهم اليهود”.

وأشار مييد إلى أنه لطالما كانت كراهية اليهود موجودة في أميركا من قبل نشأة دولة إسرائيل عام 1948 (نكبة الفلسطينيين)، وأن الشعبوية الأميركية لديها أيضا تاريخ طويل من الخطاب المعادي لهم.

ويربط بعض الساسة الأميركيين بين الدعم الكبير الذي تقدمه واشنطن لإسرائيل، ورفض فئة كبيرة من الأميركيين مواقف وسياسات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بحق الفلسطينيين.

 

وعلى سبيل المثال، اعتاد السياسي الجمهوري الشهير بات بوكانان، وهو مرشح سابق للرئاسة، أن يجادل بأن علاقة أميركا الخاصة مع إسرائيل هي نتيجة سيطرة اليهود على وسائل الإعلام والشأن السياسي، واعتبرهم “يجرون أميركا إلى عداوات ونزاعات خارجية ليست من شأننا”.

المصدر : الجزيرة

About Post Author