بعد 4 عقود من حملات تنظيم الأسرة.. مصر تقترب من 105 ملايين نسمة
القاهرة- الزيادة السكانية نعمة أم نقمة؟ هكذا منذ سنوات طويلة يتجادل المصريون حول الزيادة المتواصلة في أعداد السكان، فبينما تقول الحكومة إنها نقمة تعيق خطط التنمية يقول مصريون إن الحكومات المتعاقبة تتخذ منها شماعة لتبرير الفشل.
وإذ تحاول الحكومة إقناع المصريين بضرورة تحديد النسل، فإن التعداد السكاني للبلاد تضاعف بأكثر من 100% تقريبا منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي حتى الآن.
فعلى مدار 4 عقود حاولت الحكومات دفع المواطنين إلى الحد من الإنجاب عبر التوعية مرورا بالدراما والسينما ووصولا إلى تقليص الدعم والحديث عن تقديم حوافز مالية لمن لا ينجب أكثر من طفلين.
ووفقا لبيانات موقع “الهرم السكاني” (population pyramid) المنشورة على الإنترنت، كان عدد سكان مصر عام 1980 أقل بقليل من 44 مليونا، لكنهم أصبحوا أكثر من 104 ملايين نسمة في يناير/كانون الثاني الماضي، ومن المتوقع أن يصل العدد إلى 105 ملايين بحلول مايو/أيار المقبل، وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء الحكومي.
ثقافة الإنجاب
وتعزو أستاذة علم النفس والاجتماع بالمركز القومي للبحوث الجنائية سوسن فايد هذه الزيادة المطّردة للسكان إلى ثقافة الإنجاب لدى الأسرة المصرية.
وفي حديث للجزيرة نت، رفضت فايد ربط العوامل المادية بتحديد النسل، مؤكدة أن الوعي التربوي والمسؤولية المجتمعية تجاه الوطن هما العاملان الأكثر تأثيرا في هذه القضية.
وأشارت إلى أن الإنجاب أصبح مسألة تنافسية بين العائلات في التسعينيات، إلى جانب “سياسة الإصرار على إنجاب الولد وعدم الاكتفاء بالبنات، وهي واحدة من أبرز أسباب الزيادة السكانية”، برأيها.
حوافز مادية
حديثا، بدأت الحكومة المصرية إعداد خطة لتقديم حوافز مالية للتشجيع على خفض معدلات الإنجاب من 2.8 طفل إلى 1.6 طفل لكل أسرة، وذلك ضمن مشروع قومي لتنمية الأسرة.
وتتضمن الحوافز وثيقة تأمين بقيمة 60 ألف جنيه (نحو 1990 دولارا) تصرف للسيدة عند بلوغ 45 سنة، بشرط الالتزام بضوابط أهمها إنجاب طفلين على الأكثر.
وقالت عضوة لجنة الثقافة والإعلام بمجلس النواب المصري رانيا الجزايرلي إنها تقدمت بمقترح مشروع قانون لتنظيم النسل، مشيرة إلى أنه قيد النقاش في اللجان المختصة.
ولفتت النائبة المصرية -في تصريحات صحفية- إلى أهمية إعداد القانون وإقراره في أقرب وقت ممكن، “لمواجهة خطر الزيادة السكانية التي تؤثر على الأمن القومي وتلتهم معدلات النمو الاقتصادي وجهود تحسين الخدمات الأساسية، ولا تجعل المواطنين يشعرون بتحسن في مستوى المعيشة، رغم ما يُنفذ من مشروعات قومية ضخمة”، وفق تعبيرها.
لكن فايد ترى أن هذه المحاولات “لن تحقق أهدافها ما دامت الصحة والتعليم يُقدمان مجانا في مصر”، مشيرة إلى أن الزيادة السكانية أصبحت أمرا واقعا في ظل تراجع معدلات الوفيات مقابل معدلات المواليد بنسبة 1 إلى 5.
وختمت المتحدثة بالقول إن الأفضل حاليا هو استغلال هذه القوة البشرية الضخمة عبر توزيعها على المساحات الجغرافية الممتدة في أنحاء البلاد مع مواصلة العمل على التوعية بأهمية تحديد النسل وإلغاء التعليم المجاني للأسرة التي تنجب أكثر من طفلين.
ووصف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الزيادة السكانية مرارا بأنها “خطر يواجه التنمية”، كما أطلقت الحكومة العديد من حملات تنظيم الأسرة، مثل حملة الحد من الخصوبة المعلنة منذ عامين بالتعاون مع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، التي خُصّص 19 مليون دولار لها بهدف خفض نسب الخصوبة في 9 محافظات خلال 5 أعوام.
السينما وتحديد النسل
في عام 1974 كان فيلم “الحفيد” الذي أدى بطولته الراحل عبد المنعم مدبولي والراحلة كريمة مختار من أشهر الأفلام التي تناولت تحديد النسل، وبعد عامين كان “أفواه وأرانب” الذي قامت ببطولته فاتن حمامة وفريد شوقي ومحمود يس واحدا من علامات السينما في هذا الشأن.
وفي عام 1984 قدمت الراحلة شادية فيلم “لا تسألني من أنا” الذي باعت فيه إحدى بناتها لكي تتمكن من الإنفاق على البقية.
كما تناول فيلم “الصبر في الملاحات” عام 1986 المشكلة من زاوية أن كثرة الإنجاب تقلل فرص حصول الأولاد على تعليم جيد.
وفي 2008 قدّم فيلم “الغابة” أيضا الفكرة نفسها من خلال الحديث عن مجموعة من أطفال الشوارع يحصلون على قوت يومهم من السرقة أو من القمامة أو من العمل بالمخدرات.
الدراما والإعلانات
الدراما التلفزيونية أيضا قدمت العديد من الأعمال التي حاولت حضّ الأسر على الحد من الإنجاب، ومنها “أهلا بالسكان” سنة 1984، “ما زال النيل يجري” 1992، “أريد رجلا” 2015.
وحفلت حقبتا الثمانينيات والتسعينيات بالعديد من الحملات الإعلانية التي حاولت إقناع المواطنين بتنظيم الأسرة، من خلال الحديث بلغة بسيطة، وشارك فيها ممثلون كبار في مقدمتهم كريمة مختار التي قادت حملة شهيرة بين 1987 و1991، والتي اشتهرت بجملة “مراتي ما بتخلفش إلا بنات”.
هناك أيضا إعلان الفنان أحمد ماهر الذي كان عنوانه “الراجل مش بس بكلمته.. الراجل برعايته لبيته وأسرته” الذي انتشر في عموم مصر خلال التسعينيات. كما قدمت الفنانة فاطمة عيد أغنيتها الشهيرة في أوائل الثمانينيات “حسنين ومحمدين” التي تقارن بين حال رجل لديه طفلان وآخر لديه 7 أطفال.
وحديثا، ظهرت حملات إعلانية من قبيل “أبو شنب” التي شارك بها الفنان أكرم حسني (أبو حفيظة)، وإعلان “جينا الدنيا جينا” الذي قدمه عدد من الأطفال ليعبر عن كل المشكلات التي تواجه الأطفال.
حملات تنظيم الأسرة
في الثمانينيات انتشرت وسائل منع الحمل بدءا باللولب ثم الأقراص مصحوبة بحملة إعلانية ضخمة، وقد استمرت الحملات حتى يومنا هذا مع اختلاف المسميات. ومن بين هذه الحملات: “طفلين وبس”، “انتي الأهم”، “اسأل استشير”، “يوم الثلاثاء”.
- في 2017 أطلقت وزارة الصحة حملة “طوق النجاة” لخفض معدل المواليد بنسبة 2.4% وكانت تستهدف الأرياف عبر 12 ألف رائدة ريفية في 18 محافظة.
- في 2018 طبقت الحكومة برنامج “طوق النجاة” لتقليل الخصوبة لدى النساء بقيمة 29 مليون دولار قدمتها الولايات المتحدة.
- في 2020 تم قصر تقديم الدعم على طفلين فقط، سواء بالمقررات التموينية أو بمشروع تكافل وكرامة.
- في العام نفسه أطلقت الحكومة حملتي “حقك تنظمي” و”اتنين كفاية”.