هل يئس بوتين من الانتصار بالأسلحة التقليدية؟ خبراء أميركيون يقيّمون الجيش الروسي
واشنطن- يرى كثير من الخبراء العسكريين الأميركيين أن الحملة العسكرية الروسية على أوكرانيا شابتها أخطاء إستراتيجية منذ بدايتها في 24 فبراير/شباط الماضي، ومن أهم نقاط الضعف التي رصدها العسكريون الأميركيون ما تعلق بصغر حجم الوحدات القتالية والتشكيلات العسكرية المخصصة لمهمة كبيرة بحجم غزو أوكرانيا، واقتطاع بعض أقاليمها وتغيير نظامها الحاكم، إضافة إلى محدودية القدرات اللوجستية لدعم القوات.
وبعد أكثر من 7 أشهر لم يتفاجأ مراقبون أميركيون تحدثت إليهم الجزيرة نت بخطوات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأخيرة، خاصة تلك المتعلقة بالدعوة لتعبئة جزئية، إضافة إلى تهديداته باستخدام السلاح النووي.
ورسميا، ردت واشنطن على تهديدات الرئيس الروسي، محذرة من عواقب وخيمة، وأن الرد الأميركي سيكون “حاسما”، وفي الوقت ذاته تقول موسكو إنها على اتصال متقطع مع واشنطن بشأن قضايا نووية.
بوتين لا يستطيع الانتصار بالأسلحة التقليدية
وفي حديث للجزيرة نت أشار روبرت بيرسون أستاذ العلاقات الدولية في “ويست بوينت” -وهي أشهر أكاديمية عسكرية أميركية- إلى أن “الرئيس بوتين يبدو أخيرا أنه يدرك مدى خسارة روسيا حربها ضد أوكرانيا، إذ يعتقد أن إمداد الجيش الروسي بالمجندين سيوقف بطريقة أو بأخرى تقدم أوكرانيا أو أنه سيسمح لروسيا باستعادة الزخم الهجومي”.
وأضاف بيرسون أنه “من غير المرجح أن ينجح بوتين في مسعاه، لأن القوات الجديدة سوف تكون سيئة التدريب والتجهيز، وضعيفة الدوافع والقيادة، كما سيستغرق نشر هذه القوات الجديدة بعض الوقت، لذلك من غير المرجح أن تغير التعبئة مسار الحرب في المستقبل القريب، كما أن قرار بوتين محفوف بالمخاطر أيضا على الصعيد المحلي كما رأينا في الاحتجاجات في العديد من المناطق الروسية والنزوح الجماعي الواضح للشباب الذين يحاولون الفرار من البلاد وتجنب التجنيد، لذا فإن هذا القرار من المحتمل أن يأتي بمخاطر كبيرة وفوائد قليلة جدا لبوتين في رأيي”.
من جانبه، وفي حديث للجزيرة نت ذكر البروفيسور روبرت أورتينغ أستاذ الدراسات الأمنية في جامعة جورج واشنطن بالعاصمة الأميركية أن “دعوة الرئيس الروسي للتعبئة الجزئية هي اعتراف بأن روسيا تخسر الحرب، وأنه ارتكب خطأ في التقليل من قدرة الجيش الأوكراني، كما يشير تهديده باستخدام الأسلحة النووية إلى أن بوتين يعتقد أنه لا يستطيع كسب الحرب بالأسلحة التقليدية، وتهديداته تزعزع الاستقرار إلى حد كبير بزيادة فرضية إمكانية استخدامه هذه الأسلحة، ومع ذلك فإن اللجوء إلى السلاح النووي غير مرجح للغاية، ولا ينبغي لأوكرانيا أو حلفائها الغربيين أن يستسلموا لهذا النوع من الابتزاز النووي”.
التهديدات النووية.. خدعة
واعتبر الخبير العسكري بيرسون أن تهديد بوتين باللجوء إلى الأسلحة النووية ما هو إلا “خدعة”، مضيفا “يحاول بوتين تخويف الغرب لوقف دعمه لأوكرانيا، لكن الولايات المتحدة وحلفاءها أوضحوا علنا وسرا أنه على الرغم من أننا لن نرد بالمثل على هجوم نووي روسي على أوكرانيا فإن الرد سيكون مكلفا بشكل مدمر بالنسبة لروسيا، وأعتقد أن الردع سيستمر في الصمود لهذا السبب”.
من جهته، قال الخبير العسكري ديفيد دي روش -المحارب السابق والأستاذ المساعد في مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا بجامعة الدفاع الوطني التابعة لوزارة الدفاع (البنتاغون)- للجزيرة نت إن “تهديد بوتين باللجوء إلى الأسلحة النووية ليس جديدا، فقد هدد باستخدامها منذ اليوم الأول للغزو، وكانت محاولة لمنع الغرب من دعم أوكرانيا، وإلى حد ما نجحت تهديداته النووية، فقد منعت واشنطن على سبيل المثال أوكرانيا من استخدام صواريخ “هيمارس” لضرب أهداف داخل حدود روسيا على الرغم من أن إدارة العمليات القتالية في شرق أوكرانيا تقع في مدينة بيلغورود التي تقع في نطاق مدفعية صواريخ هيمارس”.
حكمة تقديم أسلحة أميركية متوسطة وطويلة المدى لأوكرانيا
وطالب بيرسون بالاستمرار في تزويد أوكرانيا بالأسلحة التي تحتاجها لمواصلة زخمها وطرد روسيا من الأراضي الأوكرانية، وقد أثبتت خبرة الأشهر السبعة الماضية أن المخاوف المبكرة بشأن التصعيد الروسي أو الانتقام الروسي خارج أوكرانيا مبالغ فيها “وبالعودة إلى الوراء أعتقد أن الغرب وبصورة جماعية كان مترددا للغاية في تزويد أوكرانيا بالأسلحة التي تحتاجها”.
واتفق أورتينغ مع رأي بيرسون، وطالب إدارة بايدن “بتزويد أوكرانيا بجميع الأسلحة اللازمة لدفع القوات الروسية خارج الأراضي الأوكرانية، ومن خلال خططه لضم أراض أوكرانية إلى روسيا يزيد بوتين زعزعة استقرار الأوضاع وتعقيداتها، ولن يعترف الغرب بالحدود التي تعلنها روسيا لنفسها مثلما جرى مع شبه جزيرة القرم، لذلك هناك حاجة إلى أسلحة بعيدة المدى لتعطيل خطوط الإمداد الروسية في أوكرانيا، ويتعين على الولايات المتحدة والغرب أن يوفراها”.
الجيش الروسي ليس نمرا من ورق
وينقسم الخبراء الأميركيون في تقييمهم لقوة وقدرات الجيش الروسي، خاصة في ضوء تقدم القوات الأوكرانية خلال الأسابيع الأخيرة.
ويقول بيرسون إنه “من الواضح أن الجيش الروسي لم يكن القوة الكاملة التي اعتقدها الكثيرون، ومن الصعب معرفة كيف سيقاتل حتى يتم اختباره في المعركة، والآن نحن نعرف مدى سوء حالته، ولكن بوسع الروس الاستمرار في إحداث الفوضى في أوكرانيا كما فعلوا منذ شهور، لقد قتلوا ودمروا الكثير منذ فبراير/شباط الماضي، للأسف سيستمرون في القيام بذلك لبعض الوقت، لذلك فهو ليس نمرا بلا أسنان، ولكن يجب طرد روسيا بالكامل من أوكرانيا حتى تنتهي هذه الحرب بشكل عادل”.
كما رفض أورتينغ توصيف الجيش الروسي بأنه نمر من ورق بدليل أنه لا يزال يحتل أجزاء كبيرة من الأراضي الأوكرانية، وسيكون من الصعب للغاية إجبار القوات الروسية على مغادرة هذه الأراضي عن طريق القتال.
من جانبه، اعتبر دي روش أن خبرة الأشهر السبعة القتالية تكشف أن “بوتين يمتلك جيشا كبيرا، ولكنه جيش من الدرجة الثالثة، ومع ذلك لا تزال قدراته النووية من الدرجة الأولى، لذلك ينبغي أن يتوقع منه أن يستمر في تذكير العالم بامتلاكه لها”.
وأكد دي روش أنه “وببساطة بسبب حجمه لا يزال الجيش الروسي جيشا هائلا، كما أن لديه قدرة هائلة على إطلاق نيران المدفعية الجماعية وإن كان ذلك على أهداف عشوائية، لذلك فجيش روسيا لا يزال قوة مميتة ولم يهزم بعد، لكن من الواضح أنه ليس الجيش الذي اعتقدنا أنه كان”.