تطويق “الخلاص” و”النهضة”.. إلى أين تتجه الأمور في تونس بعد اعتقال الغنوشي؟
تونس– يرى معارضون أن توقيف رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي وقياديين آخرين بالحزب بتهمة التآمر على أمن الدولة هدفه تصفية أبرز قوة في المعارضة، وبينما يُحمّل بعضهم حركة النهضة نفسها مسؤولية الأزمة بالبلاد، يعتقد آخرون أن محاولة اجتثاثها لها عواقب وخيمة.
وفي تصريح للجزيرة نت، يقول زعيم جبهة الخلاص المعارضة نجيب الشابي إن ما حصل من توقيفات شملت زعيم حركة النهضة وقياديين آخرين بالحزب الاثنين الماضي يعبر عن إرادة النظام الحالي في تصفية المعارضة السياسية للرئيس قيس سعيد ومحاولة إبادتها.
ويعتبر الشابي حركة النهضة أهم حزب سياسي بالبلاد ضارب بالقدم، كما تمثل له أكبر مكوّن في أهم تحالف سياسي معارض وهو جبهة الخلاص، مؤكدا أن توقيف قياداتها ومصادرة مقراتها ومقر جبهة الخلاص عمل غير قانوني هدفه شل النشاط السياسي لهذه القوى.
وتأسست جبهة الخلاص بعد 9 أشهر من إعلان الرئيس إجراءاته الاستثنائية يوم 25 يوليو/تموز 2021 بحل البرلمان وعزل الحكومة السابقة وحل المجلس الأعلى للقضاء، والجبهة عبارة عن تحالف من 6 أحزاب -أبرزها حركة النهضة- وهدفه استرجاع الديمقراطية، حسب الشابي.
قيود وتصعيد
وكان وزير الداخلية الجديد كمال الفقي أعطى تعليماته استنادا لقانون الطوارئ بحظر الاجتماعات بكامل مقرات حركة النهضة ومقر جبهة الخلاص المعارضة. ويمثل هذا المنع سابقة لم تعشها البلاد بعد الثورة، في حين يخشى معارضون أن تكون الخطوة تمهيدا لحل تلك القوى.
وترابض حاليا سيارات الشرطة أمام المقر الرئيسي لجبهة الخلاص المعارضة ومقر حركة النهضة المطوق بالحواجز الحديدية، بينما لم يصدر أي توضيح رسمي حتى الآن عن السلطة بشأن طبيعة المعركة المفتوحة، خاصة مع حركة النهضة، أو المدة الزمنية لتنفيذ الحظر.
ويقول الشابي إن جبهة الخلاص لن تذعن لهذا التصعيد من قبل السلطة، وإنها ستحافظ على وجودها السياسي والإعلامي، وستتحرك ميدانيا حسب الظروف لمواصلة المقاومة السياسية وفق ما يكفله القانون بهدف استرجاع الديمقراطية وإنقاذ البلاد من أزمتها، على حد تعبيره.
ويتجنب الشابي الحكم على نوايا السلطة إذا كانت تسعى لإفناء نشاط الجبهة أو حركة النهضة، لكن ترسخ بذهنه منذ إعلان سعيد تدابيره الاستثنائية أن الرئيس يرغب في التخلص من كل الأجسام الوسيطة من أحزاب وجمعيات ونقابات وإعلام.
وبسبب تضارب المواقف بين الرئيس واتحاد الشغل كبرى النقابات العمالية بالبلاد، لا يستبعد الشابي احتمال حدوث مواجهة بين الطرفين لا سيما مع تكرر ملاحقة نقابيين قضائيا، لكنه يقول إن المجتمع التونسي مهيكل في منظمات ونقابات وتنظيمات سياسية لا يمكن للسلطة إلغاؤها.
وحول ما ستتجه إليه الأوضاع، يقول الشابي إن الصراع السياسي سينتهي باسترجاع الديمقراطية بدعوى أن سلطة الرئيس تتجه نحو الانحدار والتدهور بسبب فشله في حلحلة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتأزمة، في وقت ظلت فيه المعارضة في صعود من خلال تحركها، وفق قوله.
هروب للأمام
من جهة أخرى، يقول القيادي بحركة النهضة المنذر الونيسي للجزيرة نت إن السلطة فشلت في تقديم حلول الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، وإنها تواصل سياسة الهروب للأمام باستهداف النشطاء السياسيين قصد إلهاء الرأي العام عن المشاكل الحقيقية التي تعاني منها البلاد.
ويرى أن توقيف الغنوشي بشكل متعسف بعد دهم منزله رغم رمزيته الاعتبارية -بوصفه شخصية معروفة وطنيا ودوليا ناضل ضد الدكتاتورية وأسهم في البناء الديمقراطي والتداول على الحكم- لا يليق بدولة محترمة تدعي الديمقراطية، وفق تعبيره.
ولا يجد الونيسي دافعا لتوقيف الغنوشي الذي استجاب طواعية للتحقيق 10 مرات من قبل جهات أمنية أو قضائية بتهم مختلفة سوى التنكيل به، مؤكدا أن التنكيل بات سياسة ممنهجة من قبل السلطة التي تقوم بتلفيق التهم جزافا بحجج واهية وملفات فارغة من المؤيدات، وفق قوله.
ويعتبر أن منع اجتماعات حزبه اعتداء صارخ على حرية التنظيم، مؤكدا أن حركة النهضة حزب مدني وسلمي يعمل تحت الضوء ومتقيد بقانون الأحزاب. كما يرى أن استهداف النهضة من قبل السلطة القائمة أصبح مكشوفا للعيان لكنه لن يحسن شيئا بأوضاع الناس.
غباء سياسي
من جانبه، لا يعتبر الإعلامي زياد الهاني توجه السلطة لتوقيف الغنوشي وقياديين آخرين مجرد خطأ، بل “غباء يشكل تهديدا للدولة”، معتقدا أنه يمهد الطريق لعودة الإرهاب المتستر بالدين والمعادي للدولة المدنية من منطلق التدليل على وجود عداء للإسلام والإسلاميين بتونس.
ويقول للجزيرة نت إن هذه السياسة من شأنها أن تشعل حريقا في البلاد لا يمكن إطفاؤه، خاصة أن رئيس الدولة لم يقدم حلولا لمواجهة الأزمات المتراكمة بينما ظل يقدم خطابا تحريضيا ضد المعارضة، ويبث الفتنة والفرقة بين التونسيين مما يهدد استقرار البلاد، وفق رأيه.
ولا يتفهم الهاني قرار توقيف زعيم النهضة بتهمة التآمر على أمن الدولة بسبب تصريحات اعتبرتها النيابة العمومية تحريضية، مؤكدا أن تصريح الغنوشي السبت الماضي في مسامرة رمضانية بمقر جبهة الخلاص تركزت على أن الإقصاء السياسي قد يجر البلاد لحرب أهلية.
وقال إن تصريحات الغنوشي لا تستحق هذا الاعتقال، لأن تصريحه جاء في سياق أن المخرج الوحيد للأزمة السياسية في تونس يكون في إطار الحوار والوحدة الوطنية من دون إقصاء لأي طرف، وهي ليست أول تصريحات يدلي بها الغنوشي في هذا الصدد، حسب الهاني.
مسؤولية الحركة
لكن هذا ليس رأي الكل، فبعيدا عن خصوم حركة النهضة الأيديولوجيين الذين يعتبرون توقيف الغنوشي أمرا عاديا لاتهام حزبه بالتورط في اغتيالات سياسية ونهب المال العام وتسفير الشباب لبؤر القتال بسوريا، اعتبر قياديون مستقيلون من حركة النهضة تصريحات الغنوشي غير موفقة.
وقال الوزير السابق والقيادي المستقيل من حركة النهضة عماد الحمامي إن تصريحات الغنوشي تدخل تحت طائلة القانون، لأنها تحمل تحريضا ضد أنصار قيس سعيد وتخويفا بالحرب الأهلية، ومع أنه شدد على مساواة المتقاضين أمام القانون فإنه دعا لمراعاة وضعه الصحي.
بدوره، قال الأمين العام لحزب العمل والإنجاز والقيادي المستقيل من حركة النهضة عبد اللطيف المكي إن تصريحات الغنوشي غير موفقة وغير واقعية، معتبرا أن تونس محصنة من الحرب الأهلية. لكنه قال إن تصريحات الغنوشي تم توظيفها من قبل السلطة لاستهداف المعارضة.
يشار إلى أن السلطة قامت بتوقيف معارضين ورجال أعمال وقضاة ونواب سابقين، وكثفت حملة توقيفاتها بتهمة التآمر على أمن الدولة منذ منتصف فبراير/شباط الماضي، ثم عادت حملة التوقيفات بقوة الاثنين الماضي وشملت رئيس النهضة وقياديين بحزبه وأعضاء بجبهة الخلاص.
وبعد منع هيئة الدفاع من حضور جلسات استنطاق راشد الغنوشي وقياديين آخرين من حزبه خلال اليومين الأولين من الإيقاف سمح لأعضائها بحضور التحقيق أمس الأربعاء، وتم الإبقاء على الغنوشي للتحقيق معه بحالة إيقاف من دون إيداعه السجن في حين تم إبقاء آخرين بحالة سراح.
وكان قاضي التحقيق قرر أمس الأربعاء الإبقاء بحالة سراح قياديين بحركة النهضة في القضية المتعلقة بالتآمر على أمن الدولة على غرار بلقاسم حسن ومحمد القوماني ومحمد شنيبة.
في المقابل، يقبع عدد مهم من النشطاء السياسيين المعارضين للرئيس في سجن المرناقية بالتهمة نفسها.
واليوم الخميس أصدر قاضي التحقيق بسجن الغنوشي على خلفية تصريحاته مساء السبت الماضي في مسامرة نظمتها جبهو الخلاص المعارضة. ونددت حركة النهضة بقرار سجنه واعتبرته قرارا سياسيا للتغطية على الفشل الذريع للسلطة في تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وفق بيان لها اليوم.