تقرير مؤسسة محمد إبراهيم يعدّد أزمات أفريقيا المناخية وأملها في قمة شرم الشيخ
كشف تقرير أولي صادر عن مؤسسة محمد إبراهيم (Mo Ibrahim Foundation) أن بلدان أفريقيا عاشت خلال العشر سنوات الماضية نزاعات وأزمات مناخية متعددة ومتكررة، بسبب التغيرات المناخية جعلتها القارة الأكثر عرضة لثأتيراتها.
أفريقيا في نقاش المناخ
بحسب التقرير الصادر يوم 25 مايو/أيار الماضي تحت عنوان “الطريق إلى قمة المناخ 27: عرض حالة أفريقيا في نقاش المناخ” (The Road to Cop27 :Making Africa’s Case in the Climate Debate)، فإن الدول العربية في القارة السمراء كانت أقل عرضة لهذه الأزمات مقارنة بباقي الدول الأفريقية باستثناء تسجيل عدد كبير من الاحتجاجات بسبب ندرة المياه في عدد من الأقطار.
وأحصى التقرير ارتفاع عدد الاحتجاجات والنزاعات بسبب هذه الندرة، حيث تضاعفت في القارة بمقدار 40 مرة خلال فترة الدراسة.
وإضافة إلى ندرة المياه، فقد توقّع التقرير أن تعرف دول أفريقيا زيادة في عدد الظواهر الطبيعية المتطرفة كالفيضانات والجفاف وغيرها من الظواهر التي تستدعي من حكومات الدول الأفريقية النظر فيها ومناقشتها بجدّية خلال قمة شرم الشيخ للمناخ المرتقبة خلال الأيام من 6 إلى 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2022.
وتم عرض مضمون هذا التقرير ومناقشته خلال المنتدى السنوي لمؤسسة محمد إبراهيم والذي تم عقده بين 25 و27 مايو/أيار الماضي في لندن بمشاركة مختصين في البيئة ومسؤولين ساميين على غرار وزيرة البيئة المصرية ياسمين فؤاد وأمينة محمد نائبة الأمين العام للأمم المتحدة.
وتعتبر مؤسسة محمد إبراهيم من المؤسسات غير الربحية التي تهدف إلى مساعدة الدول الأفريقية على تطوير اقتصادها وترشيد حوكمتها، وقد أسسها عام 2006 رجل الأعمال السوداني البريطاني محمد إبراهيم، الذي يعتبر الرئيس التنفيذي لللمؤسسة التي يوجد مقرها بلندن.
أزمات مناخية بالجملة
ليست النزاعات والاحتجاجات على ندرة المياه هي المظهر الوحيد للتغيرات المناخية في أفريقيا، بل هناك أيضا ما يسمى اليوم بالهجرة المناخية، إذ سجل التقرير حدوث هجرات مناخية داخلية في العديد من دول أفريقيا منها نيجيريا والنيجر والصومال وموزمبيق وإثيوبيا والسودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية.
وبلغ عدد ما أصبح يسمون عليهم مهاجري المناخ حوالي مليون نسمة في ظرف 11 عاما، وأوضح التقرير أن هذا الرقم يشمل أيضا الذين اضطروا للهجرة ليس فقط بسبب ندرة المياه، وإنما أيضا بسبب الفيضانات والكوارث الطبيعية الأخرى.
وإذا لم يتم اتخاذ الإجراءات المناسبة وضبط السياسات الضرورية من أجل التأقلم مع الأوضاع المناخية الجديدة، فإن حملات الهجرة المناخية ستزداد وتيرتها مع مرور الوقت خاصة في منطقة الصحراء الكبرى، التي سيبلغ فيها عدد المهاجرين بحلول عام 2050 حوالي 85.7 مليون مهاجر.
بالإضافة إلى ذلك، أشار التقرير إلى ارتفاع في عدد موجات الجفاف، إذ عرفت أفريقيا في الفترة ما بين 2010 و2020 أكثر من 80 موجة جفاف أثّرت سلبا على نحو 172 مليون شخص، مقابل 51 موجة جفاف في أميركا، و41 موجة في آسيا، و8 موجات فقط في أوروبا.
وتتزامن موجات الجفاف مع تسجيل ارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة في الكثير من الدول الأفريقية، إذ من المتوقع أن تعرف 20 دولة بداية من منتصف القرن الحالي ارتفاعا في درجات الحرارة قد تصل 35 درجة طيلة 100 يوم، وذلك سيتسبب في اتساع رقعة الأراضي المتدهورة.
كما توقع التقرير أن تتسبب التغيرات المناخية في زيادة إفقار وتجويع حوالي 58 مليون نسمة بحلول عام 2050 ليبلغ عددهم حوالي 264 مليون نسمة.
أما الفيضانات فقد عرفت القارة السمراء 458 فيضانا مقابل 830 فيضانا في آسيا و220 في أوروبا، وهو ما يعكس حجم الخسائر التي باتت تتكبدها دول أفريقيا دون أن تستفيد من الدعم الكامل للمجموعة الدولية لمساعدتها على التكيف ومواجهة الوضع.
قمة شرم الشيخ والأمل الأفريقي
يعلّق الكثير من خبراء المناخ في القارة السمراء آمالا كبيرة على قمة شرم الشيخ، إذ يتطلعون إلى أن تسهم في الخروج بإجراءات وحلول معبرة عن مستوى تلك التطلعات.
وتعتبر دول أفريقيا من البلدان غير المسؤولة تاريخيا على التغيرات المناخية، إذ تسهم دولها بنسبة 3% فقط من انبعاثات الغازات الدفيئة في العالم، لكنها رغم ذلك تعتبر الأكثر تأثرا بها، وهذا يستدعي أن تتحمل الدول الكبيرة مسؤولياتها وتساعد نظيراتها الأفريقية على مواجهة هذه المشكلة.
وقال رئيس مؤسسة محمد إبراهيم، حسبما جاء في البيان الصحفي الصادر عنها، “ونحن على أبواب قمة المناخ الـ27، يجب على دول العالم أن تأخذ بعين الاعتبار هشاشة الدول الأفريقية في مواجهة التغيرات المناخية، والتي يجب أيضا أن تأخذ حقها في مراعاة خصوصياتها”.
وأضاف أن “أفريقيا ليست مسؤولة عن الغازات الدفيئة لكنها تدفع الثمن غاليا، ويجب أن تعمل الحكومات على استغلال قمة مصر من أجل افتكاك حلول مناسبة لمشاكلها المناخية”.
من جهتها، قالت أمينة محمد نائبة الأمين العام للأمم المتحدة خلال الكلمة التي ألقتها عن بعد في اليوم الأخير من منتدى المؤسسة، “أمامنا 6 أشهر على انعقاد قمة شرم الشيخ، ودول العالم لم تتوصل بعد إلى الحد من مستوى انبعاث الغازات الدفيئة بالنسبة المطلوبة، وخبراؤنا يتوقعون زيادة في الغازات الدفيئة بنسبة 14% بحلول 2030، وهذا يعني أن الأزمات المناخية في الكثير من دول العالم وخاصة أفريقيا ستزداد وتتعقّد”.
وأضافت المتحدثة أن “ظاهرة ارتفاع مستوى مياه سطح البحر مثلا ستمس في عام 2030 حوالي 110 ملايين نسمة مقابل 54 مليون نسمة في عام 2000. ونحن نأمل أن تنظر قمة شرم الشيخ في قضايا أفريقيا بمراعاة خصوصياتها بصورة عادلة خاصة فيما يتعلق بملف الطاقة والانتقال في هذا المجال، فيجب مثلا أن نجد حلولا لنحو 600 مليون أفريقي لا تصلهم الكهرباء. فأفريقيا لا تستفيد كثيرا من التمويل الموجه لقضايا المناخ في العالم وليس لديها أيضا أجهزة الإنذار المبكر، وهذا يجب أن ننظر فيه أيضا في هذه القمة”.
أما وزيرة البيئة المصرية ياسمين فؤاد فقالت في الكلمة التي ألقتها عن بعد إن “القمة 27 ستكون قمة للنظر في المشاكل المناخية التي يعاني منها المواطن الأفريقي كل يوم، على الرغم من أن أفريقيا ليست مسؤولة تاريخيا عما يحدث لكوكبنا، وعليه فإن مطالب دول أفريقيا ستكون أساسا من أجل دعمها ماليا لتنفيذ برامج التأقلم مع التغيرات المناخية لتحقيق العدالة المناخية”.
وأضافت ياسمين فؤاد “يجب على الدول الأفريقية أن تفرض نفسها من أجل إيجاد حلول لتبعات التغيرات المناخية وخاصة قضايا الطاقة والأمن الغذائي والماء، كما يجب عليها إشراك كل فعاليات المجتمع المدني والمؤسسات والهيئات التي تحارب من أجل مواجهة آثار التغيرات المناخية. وقمة شرم الشيخ ستكون مفتوحة لكل هؤلاء الذين يكافحون من أجل غد أفضل، ونحن سندعمهم لنخرج بحلول جيدة”.
صوت واحد
لكن العائق الذي كانت تواجهه الدول الأفريقية في القمم الماضية هو عجزها عن إسماع صوتها بقوة وافتكاك التمويل اللازم وضبط الإجراءات التي تتناسب مع خصوصيات هذه القارة، ولذلك فإن توحيد الجهود والتفاوض بصوت واحد سوف يعزز من موقفها.
في هذا الصدد، قالت ناتالي دولابالم المديرة التنفيذية لمؤسسة محمد إبراهيم، في تصريح للجزيرة نت عبر البريد الإلكتروني، “المفاوضات في القمم المناخية كانت دائما ترتكز على كيفية التخفيف من انبعاث الغازات الدفيئة، وبحث سبل تمويل ذلك دون النظر في كيفية تعويض الدول الأفريقية عما سببته الدول الصناعية لها من آثار سلبية، ولذلك فإن كل القمم السابقة كانت غير عادلة وغير متوازنة في النقاش وفي المخرجات”.
وأضافت “دول العالم مطالبة اليوم بجعل هذا النقاش حول القضايا المناخية عادلا ومتوازنا، وذلك لا يكون إلا بمراعاة خصوصيات كل بلدان العالم ضمنها أفريقيا التي ليست مسؤولة عن الغازات الدفيئة”.
وتابعت “دول العالم تدعو إلى توسيع استعمال الطاقات المتجددة لأن مصادرها نظيفة، لكن ذلك لا يتناسب مع أفريقيا التي بها حوالي 600 مليون نسمة محرومون من الكهرباء، واستخدام الطاقة الأحفورية في أفريقيا لا يزال ضروريا، والانتقال في مجال الطاقة بها يجب أن يتم تدريجيا ووفق حاجات شعوبها. فالطاقة الأحفورية في أفريقيا نظيفة ويجب أن يتم استغلالها لخدمة مصالح الدول الأفريقية وحتى الأوروبية لأن ذلك سيساهم في الخروج من التبعية لروسيا”.
وخلصت ناتالي دولابالم إلى أن إسماع صوت أفريقيا في قمة شرم الشيخ، وفي كل القمم المناخية، يجب أن يمر عبر الاتحاد الأفريقي الذي يجب أن يحظى بتمثيل رسمي في هذه المحافل يعادل وزنه الديمغرافي، وهو ما كان يدعو إليه دائما رئيس الاتحاد الأفريقي ماكي سال.