تناول خبراء من معهد كاليفورنيا التقني تكنولوجيا جديدة لقياس شدّة الزلازل التي تحدث على القمر بدقة فائقة ضمن ورقة بحثية نشرت حديثا في دورية “إيرث آند بلانتري ساينس ليترز”. ويُطلق على التقنية “الاستشعار الصوتي الموزع”، وتهدف وكالة الفضاء الأميركية “ناسا” إلى إرسالها ضمن بعثتها القمرية المرتقبة في برنامج “أرتميس”.
وخلال العقد الماضي أقدم أستاذ الجيوفيزياء “تشونغوين زان” على تطوير تقنية الاستشعار الصوتي الموزع التي تعتمد على إرسال أشعة الليزر عبر “كابل” من الألياف البصرية ومن ثم قياس كيفية تغيّر الضوء في أثناء تعرضه للاهتزازات. ويعمل الكابل المستخدم كسلسلة من مئات أجهزة قياس الزلازل الفردية التي تساعد الباحثين في قياس الاهتزازات الأرضية بدقة عالية.
وفي مطلع سبعينيات القرن الماضي خلال مهمات برنامج أبولو، أرسل العلماء مجموعة أجهزة قياس الزلازل التقليدية لتعمل على جمع البيانات على سطح القمر لمدة 8 سنوات، وأظهرت المعلومات أن زلازل القمر تصل شدتها إلى المستوى الخامس على مقياس ريختر للزلازل.
وبالمقارنة مع الأرض، فإن القمر لا يحتوي على صفائح تكتونية، وعليه فإن مصدر الزلازل فيها يعد مختلفا. ويرجح العلماء أن بعض هذه الزلازل على القمر تحدث بفعل التحول الحراري الكبير بين الليل والنهار على سطح القمر بحكم غياب الغلاف الجوّي الذي من مهامه الحفاظ على درجة حرارة الجرم السماوي.
وثمة أسباب أخرى يُعزى إليها حدوث زلازل القمر؛ مثل تأثير جاذبية الأرض فيه، وأسباب أخرى تتعلّق بانكماش القمر نفسه بسبب انخفاض درجة حرارته الداخلية على المدى الطويل.
ويُعد فهم كيفية حدوث الزلازل وأماكن وقوعها أمرا مهما في بعثات القمر المستقبلية، لا سيما وأن برامج الفضاء القادمة ستعتمد على بناء قاعدة بشرية دائمة على سطح القمر.
ويعتقد العلماء أن عدد أجهزة قياس الزلازل التي أرسلت سابقا إلى القمر لا يعد كافيا، وكذلك توزيعها لم يكن فعّالا لأنه في كثير من الأحيان تكون إشارات الزلزال غامضة بسبب ظاهرة تسمى التشتت، إذ تصبح الموجات الزلزالية أقل وضوحا أثناء انتقالها عبر الطبقة العليا من سطح القمر. ومع وجود آلاف من أجهزة الاستشعار المتعددة، فإنّ العلماء يترقبون نتائج أفضل.
وفي الدراسة المنشورة، عمد الباحثون إلى نشر كابل من الألياف البصرية مزودة بالتقنية الحديثة في القارة القطبية الجنوبية بحكم تشابه البيئة القطبية مع نظيرتها على القمر لأنها جافة ومتجمدة، علاوةً على خلو المنطقة من النشاطات البشرية.
وأظهرت أجهزة الاستشعار المستخدمة حساسية كافية لقياس الهزّات الصغيرة الناجمة عن تشقق الجليد وتحركه، وهو ما يعني نجاح التجربة وإمكانية استخدامها على سطح القمر.
ومن الميزات الإضافية لاستخدام الكابلات المطوّرة، قدرة الألياف البصرية على تحمل البيئة القاسية على القمر، خاصة مع درجات الحرارة القصوى والأشعة الكونية الشديدة. كما يأمل العلماء تجربة التقنية على القمر مع مصادر الطاقة المحدودة والمتاحة في المستقبل القريب.