لندن- حالة من الاستنفار تعيشها الأوساط العسكرية البريطانية، بعد انتشار تصريحات سرية لقادة عسكريين أميركيين يعبرون فيها عن امتعاضهم من حالة الضعف التي وصل إليها الجيش البريطاني.

وحسب تقارير إعلامية فإن قائدا كبيرا في الجيش الأميركي قال لوزير الدفاع البريطاني بين والاس وعدد من جنرالات الجيش، في لقاء خاص، إن واشنطن لا تنظر للجيش البريطاني على أنه من أقوى جيوش العالم.

 

وزادت تصريحات قائد عسكري سابق في الجيش البريطاني الطين بلة، عندما قال إن جيش بلاده غير قادر على حماية المملكة المتحدة في حال اندلاع حرب.

وفجر اللورد ألان ويست، قائد القوات البحرية البريطانية ما بين 2002 و2006، قنبلة من العيار الثقيل عندما اعترف -أمام مجلس اللوردات- أن الجيش أصبح “ضعيفا للغاية” ويعاني من نقص كبير في العتاد والمقاتلين.

هذا التقييم -الذي يتفق فيه قادة الجيش الأميركي مع نظرائهم البريطانيين والذي خرج من السر إلى العلن- فتح جدلا واسعا حول أسباب تراجع القدرات القتالية للجيش البريطاني الذي ظل لسنوات من بين الأقوى في العالم.

جنود من الجيش البريطاني خلال مناورة عسكرية العام الماضي (رويترز) 
مناورة عسكرية بريطانية العام الماضي (رويترز)

كم يبلغ حجم ميزانية الدفاع للجيش البريطاني؟

حسب وزارة الخزانة البريطانية فإن ميزانية الدفاع، للعام الماضي، بلغت 71.4 مليار جنيه إسترليني، وهو خامس أعلى قطاع حكومي من حيث الميزانية المخصصة، ويحصل على 5.9% من مجموع الميزانية، ويشكل حوالي 2.1% من الناتج الداخلي الخام.

وشهدت السنة الماضية ارتفاعا كبيرا في حجم الإنفاق العسكري بنسبة 18% مقارنة مع السنوات الماضية، حيث كانت الحكومة تنهج سياسة خفض الإنفاق العسكري منذ سنة 2009.

وتعتبر بريطانيا صاحبة أعلى إنفاق عسكري في أوروبا، كما أنها صاحبة ثاني ميزانية دفاعية داخل حلف الناتو بعد الولايات المتحدة.

لماذا يوصف الجيش البريطاني بأنه ضعيف؟

لسببين أولهما سياسة تخفيض ميزانية الإنفاق العسكري، منذ سنة 2009، وبتتبع مسار الإنفاق العسكري منذ هذه السنة، سيظهر تراجع نسبة الإنفاق العسكري في الناتج الداخلي الخام، بحيث انتقل من 2.6% إلى 1.8% بحلول سنة 2018 مما يعني حوالي عقد من سياسة التقليص التدريجي للإنفاق على الجيش.

وبعد سنة 2019 أعلن رئيس الوزراء البريطاني الأسبق بوريس جونسون عن أكبر زيادة في ميزانية الدفاع بقيمة 30 مليار إسترليني، ومع ذلك فهذه الزيادة لم تكن كافية لتعويض سنوات من خفض ميزانية الدفاع.

أما السبب الثاني فهو إستراتيجية خفض عدد الجنود، حيث يتخلى الجيش سنويا عن 8 آلاف جندي من صفوفه دون تعويضهم، وكان من المقرر أن يقوم بالتخلي عن 10 آلاف جندي هذه السنة ليصل عدد جنود الجيش البريطاني إلى 72 ألف جندي فقط، وهو نصف رقم عدد جنود الجيش الفرنسي البالغ عددهم 142 ألف جندي.

لماذا قررت بريطانيا خفض الإنفاق وعدد الجنود؟

لـ 3 أسباب رئيسة، الأول سياسة خفض الإنفاق العمومي الذي بدأت منذ وصول المحافظين إلى الحكم سنة 2010، وكان يتم النظر لميزانية الدفاع على أنها مبالغ فيها، وكان القرار هو إعطاء الأولوية لقطاعات أخرى على حساب الدفاع.

أما العامل الثاني، فهو التقدير العسكري أن البلاد تعيش في العقد الأخير “فترة السلام” وبعد مرحلة غزو كل من العراق وأفغانستان والتي استنزفت ميزانية الجيش، فكان القرار بتقليص الإنفاق العسكري.

والعامل الثالث فسببه فقدان الجيش البريطاني عامل إغراء الشباب، حيث يسجل الجيش سنويا رحيل 8 آلاف من عناصره، دون تعويضهم ورغم إطلاق الجيش حملات من أجل توظيف الجنود فإلا أنها لم تكن تجد إقبالا كبيرا، فضلا عن توجه الجيش البريطاني نحو فكرة “الجيش الآلي” حيث يعمل الآن على صناعة عشرات الآلاف من الجنود الآليين وامتلاك 30 ألف طائرة بدون طيار بحلول سنة 2030 من أجل تقليص الاعتماد على العنصر البشري في ساحة المعركة.

ما السبب الامتعاض الأميركي من الجيش البريطاني؟

لم يكن من قبيل الصدفة أن يتم تسريب التقييم الأميركي الخطير عن وضع الجيش البريطاني، ذلك لأن الحليف الأميركي غاضب من تراجع بريطانيا عن وعد قطعته في عهد رئيسة الوزراء السابقة ليز تراس برفع الإنفاق العسكري إلى 3% من الناتج الداخلي الخام بزيادة حجمها إلى 100 مليار جنيه بحلول سنة 2030.

وعند وصول رئيس الوزراء الحالي ريشي سوناك إلى السلطة، رفض الالتزام بما التزمت به تراس، وقال إنه سيحافظ على نسبة الإنفاق العسكري في حدود 2.1% من الناتج الداخلي الخام، وهو القرار الذي قد يكون أغضب القادة العسكريين الأميركيين، فواشنطن لطالما طالبت من حلفائها وخصوصا أعضاء الناتو لزيادة إنفاقهم العسكري إلى 3%.

هل تخطط بريطانيا لإصلاح هذا الوضع؟

تقول وزارة الدفاع البريطانية إن لديها خطة للاستثمار في الجيش بقيمة 24 مليار جنيه خلال السنوات الأربع المقبلة، وهو أكبر استثمار في الجيش منذ نهاية الحرب الباردة، كما أعلنت عن مشروع تمويل جديد بقيمة 242 مليار إسترليني خلال السنوات المقبلة من أجل تطوير الأسلحة وكذلك الزيادة في أعداد الجنود في صفوف الجيش.

المصدر : الجزيرة

About Post Author