ناقلة نفط خلال مرورها عبر قناة السويس (رويترز)

ناقلة نفط خلال مرورها عبر قناة السويس (رويترز)

تتعمق أزمات الاقتصاد العالمي في كل يوم جديد من الاعتداء الإسرائيلي على قطاع غزة، جراء عوامل تبدأ من ارتفاع أسعار الطاقة ثم زيادة معدلات التضخم، وتمر بطول أمد سياسة التشديد النقدي والضغط على النمو الاقتصادي ولا تنتهي بمزيد من التفتت التجاري العالمي ووضع العراقيل أمام سلاسل التوريد والضغط على إيرادات كبرى الشركات.

ومنذ بداية عملية “طوفان الأقصى” التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية بقيادة كتائب القسام -الجناح العسكري لحركة (حماس)- في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، دخلت على الخط عدة أطراف منها حزب الله في لبنان، فضلا عن الحوثيين في اليمن، مع استمرار تهديد إيران التي حذرت على لسان وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللهيان من أن “الشرق الأوسط صار كبرميل بارود”.

SEAVIGOUR oil tanker successfully refloated in the Suez Canal near Ismailia
ناقلة نفط خلال مرورها عبر قناة السويس (رويترز)

سيناريوهات النفط

يأتي التهديد المباشر الأول والأكبر من حيث القيمة والتأثير العالمي، جراء التصعيد الإسرائيلي ضد قطاع غزة من قطاع النفط، فقد أنتجت الدول المطلة على الخليج وحدها 32.01 مليون برميل يوميا أغسطس/آب الماضي، حسب وكالة الطاقة الدولية، وهو ما يمثل نحو 23% من الإمدادات العالمية من الخام وفق منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك).

ويقول خبير الأسواق في شركة أوربكس مصر عاصم منصور إن أسعار النفط العالمية تتوقف خلال الفترة المقبلة على تطورات الحرب والتصعيد الإسرائيلي على غزة ومدى تدخلات مختلف القوى في الحرب بصورة مباشرة أو غير مباشرة.

وتحدث منصور للجزيرة نت عن السيناريوهات الآتية:

  • السيناريو الأول: اعتراض ناقلات النفط في أي من مضيقي هرمز أو باب المندب أو طول أمد الحرب، وفي هذه الحالة سيتخطى سعر برميل النفط على الأرجح مستوى 100 دولار.
  • السيناريو الثاني: اتساع رقعة الحرب بتدخلات أطراف أخرى، ويعني ذلك ارتفاع سعر برميل النفط ليتراوح بين 120 و150 دولارا، وفق منصور الذي لفت إلى تأثير الحرب الروسية الأوكرانية التي أدت إلى ارتفاع سعر البرميل فوق 120 دولارا مارس/آذار 2022، لكنه يرجح عدم استقرار برميل النفط عند مستويات مرتفعة، مع استعادة السوق توازنه وإيجاد بدائل عن تراجع الإمدادات في حال تصاعد الصراع.
  • السيناريو الثالث: بقاء أسعار النفط عند مستوياتها الحالية، أو تراجعها في حال نجاح الدبلوماسية في وقف إطلاق النار والعودة إلى الهدنة.

وتتجلى أهمية مضيق هرمز في كون نحو خُمس استهلاك العالم من النفط تمر عبره يوميا. وقد أظهرت بيانات صادرة عن شركة فورتكسا للتحليلات، أن 20.5 مليون برميل يوميا من النفط الخام والمكثفات والمنتجات النفطية مرت في المتوسط عبر هذا المضيق في الفترة من يناير/كانون الثاني إلى سبتمبر/أيلول 2023.

كما يمر نحو 80 مليون طن متري، أو 20% من تدفقات الغاز الطبيعي المسال العالمية عبر هذا المضيق سنويًا.

 

ماذا عن الغاز الطبيعي؟

وبخصوص الغاز الطبيعي، يستبعد منصور أن تتأثر أسعاره بنفس درجة تأثر النفط بالنظر إلى ارتفاع عدد الدول الأوروبية التي أعلنت تجاوز مستوى التخزين لديها 80% من احتياجاتها، فضلا عن تحوط الدول الأوروبية بمزيد من البدائل بعد الحرب الروسية الأوكرانية عبر اللجوء إلى دول أفريقية، لكن التوقعات بشتاء قارس قد ترفع أسعاره.

وفي المجمل، من المتوقع أن تظل الأسعار في نطاق 2.5 إلى 3 دولارات للمليون وحدة حرارية بريطانية.

جدير بالذكر أن ارتفاع الوقود من شأنه أن يرفع التضخم العالمي في الوقت الذي تحاول فيه البنوك المركزية كبحه عبر أدوات السياسة النقدية، ومنها معدلات الفائدة، التي ارتفعت في أميركا إلى 5.5% منذ مارس/آذار 2022 و4.75% في منطقة اليورو إلى أعلى مستوى منذ إطلاق العملة الموحدة اليورو عام 1999، مما أدى إلى مزيد من الضغوط على النمو الاقتصادي.

خلال الأزمات يعمد المستثمرون للجوء لشراء الذهب كأحد أهم الملاذات الآمنة (شترستوك)

الملاذات الآمنة

يبتعد المستثمرون في حالات التوتر العالمي عن الأصول الأكثر قابلية للتقلب مثل الأسهم ويتجهون إلى ما يعرف بـ”الملاذات الآمنة” لحفظ قيمة أموالهم في أداة كالذهب، أو الحفاظ على عائدات مضمونة قدر الإمكان عبر شراء سندات ذات تصنيف ائتماني عال.

ويرجح منصور أن يصل سعر أوقية الذهب إلى مستوى بين ألفي دولار إلى 2075 دولارا، في حالة طال أمد العدوان على غزة لأسباب منها ارتفاع سعر الدولار والعائد على السندات الأميركية لأجل 10 سنوات.

وفي حال اتساع رقعة المواجهة -السيناريو الثاني حسب منصور- فمن المرجح أن يتخطى الذهب مستويات 2075 دولارا إلى مستويات قياسية جديدة.

 

وارتفعت أسعار الذهب بدءًا من تداولات التاسع من أكتوبر/تشرين الأول الحالي بنسبة 6.53% لتصل إلى 1986 دولارا عند تسوية التعاملات أمس الثلاثاء.

وول ستريت مُنيت بخسائر بعد تفاقم الأوضاع في الشرق الأوسط (الفرنسية)

تضرر أسواق البورصة

تبقى الشركات من بين أكبر المتضررين من ارتفاع التضخم الذي يؤدي إلى تراجع إيراداتها أو مبيعاتها، تزامنا مع تزايد الضغوط على المستهلكين.

وتجد هذه الشركات صعوبة في الحصول على تمويل مع رفع أسعار الفائدة ضمن محاولات كبح التضخم، وفق خبراء.

وتراجع مؤشر ستاندرد آند بورز لسندات الشركات من الدرجة الاستثمارية -الذي يقيس أداء سندات الشركات بالدولار- إلى 411.52 نقطة وهو أدنى مستوى له منذ منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2022.

وهذا أداء مؤشرات الأسهم الأميركية والأوروبية منذ بداية طوفان الأقصى وحتى إغلاق 24 أكتوبر/تشرين الأول:

  • تراجع مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” الأميركي الأوسع نطاقًا 0.96% إلى 4247 نقطة.
  • هبوط مؤشر داو جونز الصناعي الأميركي 0.36% إلى 33141 نقطة.
  • نزول مؤشر ناسداك 1.4% إلى 13139 نقطة.
  • تراجع مؤشر كاك الفرنسي 2.1% إلى 6893 نقطة.
  • انخفض مؤشر داكس الألماني 1.74% إلى 14879 نقطة.
  • خسارة مؤشر “ستوكس 600” الأوروبي الأوسع نطاقا 2.2% إلى 435.09 نقطة.

سلاسل الإمداد

يقول عضو مجلس إدارة قناة السويس المصرية السابق وائل قدور -للجزيرة نت- إن من أبرز إفرازات الحرب الحالية تأخير البدء في ممر اقتصادي بين الهند وأوروبا عبر الشرق الأوسط، الذي أعلنه البيت الأبيض خلال قمة العشرين سبتمبر/أيلول الماضي لإنشاء خط نقل يمر بإسرائيل إلى الأسواق الأوروبية.

 

وعن تأثيرات الحرب على التجارة العالمية، رجح قدور أن يبقى التأثير محدودا على سلاسل الإمداد العالمية، ما دامت الحرب في غزة مستمرة، لكن قطاع النقل في الشرق الأوسط قد يتلقى ضربة مضاعفة إذا دخلت إيران على خط المواجهات وأغلقت مضيق هرمز.

أما بالنسبة لمضيق باب المندب، فيشكل الحوثيون مصدر تهديد، وفق قدور الذي قال إنه من غير المرجح أن تتأثر قناة السويس مباشرة.

المصدر : الجزيرة

About Post Author