حلقة وصل بين آسيا وأوروبا.. هل تتحول إيران إلى دولة ممرات إستراتيجية؟
بعد أن خططت منذ عقود للعب دور فاعل في النقل الدولي، بذلت الحكومة الإيرانية في الأشهر الماضية جهودا لاستعادة موقعها الإستراتيجي على خطوط “الترانزيت” التي تربط دول شرق آسيا بالقارة الأوروبية، فضلا عن تسهيل التجارة بين الصين وروسيا اللتين تربطهما اتفاقات إستراتيجية طويلة المدی مع طهران.
ومنذ نشوب الحرب بين روسيا وأوكرانيا قبل أكثر من 4 أشهر، وجدت طهران في التهديدات الدولية بإغلاق ممرات العبور البرية بين روسيا والدول الأوروبية فرصة لزيادة نصيبها من التجارة العالمية، التي وصفها محمد مخبر نائب الرئيس الإيراني بأنها مربحة وتوفر فرص عمل لبلاده.
ووصف مخبر فرصة النقل الدولي بأنها من المميزات الأساسية لإيران، مؤكدا أن “الترانزيت” يمكن أن يكون بديلا مناسبا للعائدات النفطية، كما كلّف وزارة الطرق بإعداد خطة شاملة لتطوير قطاع النقل في غضون 3 أشهر.
شبكة نقل
وبعد أن دشنت إيران رسميا الأسبوع الماضي الممر الدولي للنقل بين الشمال والجنوب (INSTC)، استقبلت الأحد الماضي قطار نقل حاويات على طريق ترانزيت السكك الحديدية الذي يصل بين كازاخستان وتركيا وأوروبا عبر الأراضي الإيرانية.
في غضون ذلك، أفاد الإعلام الإيراني الأسبوع الماضي بانطلاق قطار الشحن الدولي من منطقة نينغشيا الصينية نحو الأراضي الإيرانية، مؤكدا أن القطار سيصل البلاد بعد 20 يوما بعد مروره بكازاخستان، وسيتم نقل حمولته عبر بحر قزوين باتجاه ميناء أنزلي، لينطلق بعد ذلك إلى سائر البلدان شرقا وغربا.
ولكي تصبح إيران حلقة وصل حيوية بين آسيا وأوروبا، لا بد من تفعيل جميع خطوط النقل التي تمر بالأراضي الإيرانية، وفق الباحث الاقتصادي محمد مولوي، الذي يرى أن الموقع الجغرافي الذي تتمتع به بلاده يمكنها من استقطاب جزء كبير من التجارة العالمية.
وأوضح مولوي للجزيرة نت أن أكثر من 5 ممرات دولية تمر بالأراضي الإيرانية، لعل أهمها ممر شمال جنوب الذي يربط بين الهند وروسيا، وممر تراسيكا الذي يمثل جسرا بين دول آسيا الوسطى والقارة الأوروبية، وممر طريق الحرير القديم الواصل بين شرق آسيا والبحر الأبيض المتوسط ودول القوقاز، إلى جانب ممرات أخرى لم تفعل بالكامل بسبب عدم توفر البنية التحتية اللازمة.
جغرافيا مميزة
ويرى الباحث الإيراني أن الموقع الجغرافي لبلاده بين المياه الخليجية جنوبا وبحر قزوين شمالا، إلى جانب تمتعها بموانئ عديدة وكبيرة وشبكات للنقل البري والسكك الحديدية الممتدة إلى حدود دول الجوار؛ تعد أسبابا تسهم في قصر المسافات وخفض كلفة نقل البضائع، لا سيما بين دول شرق آسيا وأوروبا.
وأضاف مولوي أن من بين الممرات الفاعلة في إيران فإن ممر شمال جنوب يقلل فترة نقل البضائع 20 يوما ويخفض التكلفة بنسبة 30% مقارنة مع الطريق الذي يمر بقناة السويس، كما أن نقل البضائع الصينية عن طريق القطار مرورا بإيران يوفر 20 يوما ونحو 900 دولار لكل حاوية مقارنة بالطريق السابق.
ولدى إشارته إلى توقيع بلاده خلال العام الإيراني الماضي (انتهى 21 مارس/آذار الماضي) اتفاقات تعاون إستراتيجية مع كل من الصين وروسيا؛ خلص مولوي إلى أن طهران ترى في النقل الدولي فرصة للنهوض باقتصادها المحاصر والالتفاف على العقوبات الغربية، إلى جانب الموارد المتوقعة عبر تفعيل شبكة الممرات الدولية.
وختم بالقول إن حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي تمنح اهتماما كبيرا لتنمية علاقاتها التجارية مع دول الجوار، وإنها تعمل منذ اليوم الأول لتوليها السلطة قبل نحو عام على ربط الاقتصاد الوطني بالحركة التنموية في الصين وروسيا والهند وحث هذه الدول على الاستثمار في إيران.
البنى التحتية
وكان الاجتماع الأخير لمجموعة عمل “الترانزيت” في إيران -الذي حضره كل من وزراء الاقتصاد والداخلية والطرق والدفاع ورئيس منظمة التخطيط والميزانية ورئيس مركز الدراسات الإستراتيجية برئاسة الجمهورية- توصل إلى نتيجة مفادها أن قطاع النقل الترانزيت قادر على توفير عائدات بقيمة 20 مليار دولار سنويا، فضلا عن قدرته على توفير مليون فرصة عمل في البلاد.
في المقابل، يحذر الباحث في الجغرافيا السياسية فرزاد أحمدي من تفويت بلاده فرصة التحول إلى حلقة الوصل بين الغرب والشرق في حال عدم توفير البنى التحتية اللازمة للممرات الدولية، مضيفا أن زعزعة الأمن في عدد من الدول المجاورة والحروب التي تشهدها المنطقة بين الفينة والأخرى تمثل تحديات كبيرة أمام ازدهار قطاع الترانزيت في إيران.
واستدرك أحمدي -في حديثه للجزيرة نت- أن بعض الطرق الإيرانية التي تقع في الممرات الدولية لم تكتمل بعد، وأنها بحاجة إلى مد سكك حديدية مما أدى ببعض الدول -ومنها الصين- إلى أن تخطط لإنشاء ممرات موازية مثل طريق الحرير الجديد.
وحث الباحث الإيراني بلاده على العمل من أجل تفعيل ممرات أنابيب النفط والغاز لتغذية الأسواق الشرقية والغربية بطاقة الشرق الأوسط، مؤكدا أن إيران ومن خلال إطلالتها على المحيط الهندي وبحر قزوين يمكن أن تحصل على عوائد كبيرة من قطاع الترانزيت، لا سيما أنها محاطة بعدد من الدول الحبيسة.
وانتقد الباحث الإيراني بلاده لتعويلها على الصين وروسيا من أجل النهوض باقتصادها، واصفا روسيا بأنها منافس للاقتصاد الإيراني، وحث طهران على العمل من أجل تذليل العقبات السياسية مع دول الجوار لتشكل معبرا لبضاعتها نحو الأسواق العالمية شرقا وغربا.