حالة حمزة يوسف (يمين) تغري بالمقارنة مع ريشي سوناك (رويترز)

حالة حمزة يوسف (يمين) تغري بالمقارنة مع ريشي سوناك (رويترز)

قبل 5 أشهر آل منصب رئيس الوزراء البريطاني إلى ريشي سوناك الهندي الأصل، بعد يوم من فوزه بزعامة حزب المحافظين عقب استقالة ليز تراس، واليوم يتكرر المشهد مع حمزة يوسف الباكستاني الأصل، الذي أصبح الوزير الأول في أسكتلندا (رئيس الوزراء) بعد أن آلت إليه زعامة الحزب الوطني الأسكتلندي بعد نحو شهر من الاستقالة المفاجئة لرئيسة الحزب نيكولا ستيرجن.

حالة سياسية لم ترد بمخيلة صانعي أكثر الأفلام الهندية مبالغة في الغرائبيات والمتناقضات، لكنها باتت واقعا سياسيا معاشا في المملكة المتحدة، التي كان يطلق عليها يوما ما الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، وتصدرت الهند التي أتى منها أجداد سوناك ويوسف الدول التي احتلها تلك الإمبراطورية نحو قرنين من الزمان، لكن يبدو أن العرش البريطاني لم يتوقف كثيرا ليتأمل مكر التاريخ الذي لا يتوقف عن المفاجآت.

 

تولى سوناك (43 عاما) المنصب في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وأصبح أصغر رئيس وزراء بريطاني في التاريخ الحديث، وتكرر الأمر نفسه مع حمزة يوسف (37 عاما) الثلاثاء الماضي إذ أصبح أصغر سياسي يتولى منصب الوزير الأول وهو بمثابة رئيس وزراء في أسكتلندا.

معجزات سياسية

حين تولى سوناك منصبه اعتبر البعض الحالة “معجزة سياسية”، وتواترت الأخبار عن كونه “هندوسيا ملتزما”، وشوهد وهو يشارك في الاحتفالات الهندوسية بمهرجان “ديوالي”، كما تم تصويره وهو يضيء الشموع خارج 10 داونينغ ستريت للاحتفال بهذه المناسبة، ومن ثم قوبل الحدث التاريخي بحفاوة هندوسية منقطعة النظير.

تزامن تولى سوناك مع الاحتفالات الهندوسية بـ”مهرجان ديوالي”، أو مهرجان الأنوار، وهو أحد أهم المهرجات الدينية عند الهندوس، إذ يرمز عندهم إلى “انتصار النور على الظلام، والخير على الشر، والمعرفة على الجهل”. كما يأتي تولي حمزة يوسف منصبه خلال مناسبة دينية إسلامية، شهر رمضان، وهو شهر الصوم عند المسلمين.

وبقدر وفرة الحديث عند هندوسية سوناك وكونه “ملتزما وممارسا” بقدر شح الأنباء عن الجوانب الدينية الإسلامية في شخصية حمزة يوسف، رغم تصدر وصف مسلم جميع وسائل الإعلام التي تحدثت عن توليه أكبر منصب حكومي في أسكتلندا، واقتباس فقرة من خطابه عقب فوزه برئاسة الحزب يقول فيها: “لقد أثبتنا اليوم أن لون بشرتك، أو معتقداتك، ليست عائقا أمام قيادة البلد”.

لكن صحيفة “تايمز أوف إنديا” (Times of India) الهندية قالت إن حمزة يوسف كان صائما وقت فوزه برئاسة الحزب، ومن ثم الفوز بمنصب الوزير الأول في حكومة أسكتلندا، ولا يفوت الصحيفة أن تنقل انتقاد المعارضين لسوناك من الأحزاب الأسكتلندية الأخرى مثل حزب العمال، كما تنوه الصحيفة بمنافسته من داخل الحزب الوطني الأسكتلندي كيت فوريس التي حلت ثالثة في التصويت على رئاسة الحزب.

وقالت الصحيفة -نقلا عن الجالية الهندية في أسكتلندا- إن “كيت فوريس نشأت في الهند، وتحرص على حضور المناسبات الهندوسية في أسكتلندا وآخرها يوم الجمهورية، على العكس من حمزة يوسف الذي لم يشاهد حضوره في أي تجمع هندي”.

حمزة يوسف لم يؤد اليمين الدستورية بعد، ولا يدر أحد إذا كان سيؤديه على المصحف، أسوة بما سبق وفعله سوناك حين كرر أداء اليمين رئيسا لوزراء بريطانيا على “بهاغافاد غيتا” الكتاب الهندوسي المقدس، ولم يتأكد بعد تلقي يوسف أي تهنئة من زعامات إسلامية أم لا، في حين أن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي كان في مقدمة زعماء العالم الذين هنؤوا سوناك بتوليه رئاسة الوزراء في بريطانيا.

وُلد سوناك في ساوثهامبتون على الساحل الجنوبي لإنجلترا لأبوين من أصل هندي، وُلدا شرقي أفريقيا. وهاجرا إلى بريطانيا، وكان والده طبيب أسرة، وأمه صيدلانية، أما حمزة يوسف، فولد ونشأ في غلاسكو كبرى مدن أسكتلندا، وثالث أكبر مدن المملكة المتحدة.

والده هو مظفر يوسف الذي ولد في ميان تشان بإقليم البنجاب أكبر أقاليم باكستان سكانا، وهاجر مع أسرته إلى أسكتلندا في الستينيات من القرن الماضي. أما والدته فهي شايستا بوتا من باكستان أيضا، لكنها ولدت ونشأت في كينيا التي هاجرت عائلتها إليها قبل أن تهاجر إلى أسكتلندا، حيث التقت مظفر وتزوجته.

وفي واحدة من أكثر فقرات خطاب الفوز بزعامة الحزب إثارة للمشاعر قال يوسف “شكري لأجدادي، الذين للأسف لم يعودوا على قيد الحياة لرؤية هذا اليوم. أنا ممتن إلى الأبد لأن أجدادي قاموا بالرحلة من البنجاب إلى أسكتلندا منذ أكثر من 60 عاما”.

مواقف

بدأت مسيرة يوسف السياسية عام 2011 عندما تم انتخابه عضوا في البرلمان الأسكتلندي عن مدينة غلاسكو عن عمر يناهز 25 عاما، مما جعله أصغر عضو في البرلمان الأسكتلندي في ذلك الوقت. على مدى العقد الماضي، شغل يوسف عدة مناصب بارزة، بما في ذلك وزير الشؤون الخارجية والتنمية الدولية، ووزير النقل والجزر، ومؤخرا سكرتير مجلس الوزراء للصحة والرعاية الاجتماعية.

طوال حياته السياسية، كان يوسف مدافعًا قويًا عن العدالة الاجتماعية والمساواة وحقوق الإنسان. دافع يوسف عن عديد من السياسات والمبادرات، مثل زيادة التمويل لخدمات الصحة العقلية، وتعزيز الطاقة المتجددة ووسائل النقل العام، ودعم اللاجئين وطالبي اللجوء. عام 2012، لعب دورًا حاسمًا في نجاح تمرير قانون الزواج والشراكة المدنية (أسكتلندا)، الذي شرّع زواج المثليين في أسكتلندا.

 الجذور

ظلت روابط عائلة يوسف بباكستان قوية، لأنه غالبا ما كان يزور عائلته الممتدة في البلاد ويحافظ على ارتباط وثيق بتراثه. ودعا يوسف باستمرار إلى علاقات قوية بين أسكتلندا وباكستان، اقتصاديا وثقافيا. ولدى توليه منصب وزير للشؤون الخارجية والتنمية الدولية في حكومة أسكتلندا لعب دورا مهما في تعزيز العلاقات التجارية بين البلدين.

وتحت قيادته، وقّعت أسكتلندا وباكستان مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون في مجالات التعليم والصحة والطاقة المتجددة. عُرف يوسف مدافعا عن حقوق الشتات الباكستاني في المملكة المتحدة. وعمل بلا كلل لتعزيز التماسك الاجتماعي والشمولية، ومحاربة التمييز والتحيز الذي تواجهه مجتمعات الأقليات.

يوسف الذي يتحدث الأردية بطلاقة -لغة باكستان الوطنية- استخدم اللغة بانتظام للتفاعل مع الجالية الباكستانية في أسكتلندا، لتعزيز الشعور بالوحدة والانتماء. وعام 2016، حصل يوسف على جائزة “سيتارا إي كويد الأعظم” المرموقة من رئيس باكستان ممنون حسين، تقديرا لجهوده في تعزيز العلاقات بين أسكتلندا وباكستان. وكانت هذه الجائزة من أعلى الجوائز المدنية في باكستان، مما يعكس التأثير الكبير الذي تركه يوسف على العلاقات الثنائية.

يعرف يوسف أيضا بأنه من عشاق لعبة الكريكيت وداعم قوي لفريق الكريكيت الباكستاني. وغالبا ما شارك حماسه لهذه الرياضة على وسائل التواصل الاجتماعي وحضر مباريات الكريكيت بين باكستان ودول أخرى، حيث أظهر حبه للعبة ووطن أجداده.

نادية النخلة زوجة يوسف من أصول أسكتلندية ومغربية وفلسطينية، تعمل مديرة أحداث ومشاركة في جمعية خيرية، وتزوجا عام 2018، وأنجبا ابنة اسمها أمل، ولدت عام 2019.

بصفته باكستانيا بريطانيا، قد يجلب يوسف منظورا وفهما فريدا للمنطقة، مما قد يؤدي إلى نهج أكثر تعاونا ودقة في العلاقات الخارجية، ويمكن لقيادته أن تؤثر أيضا على السياسة الخارجية للمملكة المتحدة، خاصة في ما يتعلق بالعلاقات مع باكستان ودول جنوب آسيا، وفي المجمل وإقامة علاقات أقوى مع مجتمعات الأقليات العرقية وزيادة تعزيز العدالة الاجتماعية والمساواة.

الاستقلال

من بين قائمة القضايا التي تنتظره تعد قضية الاستقلال عن المملكة المتحدة أكثرها مصيرية في أسكتلندا، وتتصدر برنامج حزبه. وقال يوسف في خطاب النصر “سنكون الجيل الذي سيحقق استقلال أسكتلندا”، مؤكدا أن الشعب الأسكتلندي بحاجة إلى الاستقلال بدءا من الآن، أكثر من أي وقت مضى.

لكن سيتعين علي يوسف محاولة توحيد الحزب بعد حملة قيادية كشفت عن انقسامات بين المرشحين حول مقاربتهم للاستقلال والقضايا الاجتماعية، قال بشأنها “لدينا وظيفة يتعين علينا القيام بها وكحزب نحن في أقوى حالاتنا عندما نتحد، وما يوحد هو هدفنا المشترك المتمثل في تحقيق الاستقلال لأمتنا”.

من مفارقات التاريخ أن جد حمزة يوسف، ويدعى عبد الغني، كان مناضلا بارزا في الدعوة لتقسيم الهند وإنشاء دولة مستقلة لمسلمي الهند، مما أدى في النهاية إلى إنشاء باكستان لتكون دولة مستقلة عام 1947، وجاء التقسيم على أساس ديني حيث انضمت الولايات ذات الأغلبية الهندسية إلى الهند والولايات ذات الأغلبية المسلمة إلى باكستان، فهل ينطوي المستقبل السياسي للمملكة المتحدة على مفاجآت شبيهة يضمرها مكر التاريخ؟ سؤال تجيب عنه المرحلة المقبلة.

المصدر : الجزيرة

About Post Author