خبراء أميركيون يجيبون.. هل تملك الولايات المتحدة التأثير لوقف القتال في السودان؟
واشنطن- مع تواصل القتال لليوم الثالث واتساع رقعة الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في مناطق مختلفة من البلاد عبّر عدد من الخبراء عن تشاؤمهم بخصوص مسار الأحداث مع تأكيدهم على محدودية الدور الأميركي في التأثير على سير الأحداث هناك.
انزعاج أميركي من اقتتال العسكر
وفي هذا السياق، حث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في بيان له “الأطراف على وضع حد فوري للأعمال العدائية بدون أي شروط مسبقة”.
وخص بلينكن “الجنرال عبد الفتاح البرهان والجنرال محمد حمدان دقلو بالعمل على اتخاذ تدابير فعالة لخفض التوترات وضمان سلامة المدنيين، مما يمثل السبيل الوحيد للمضي قدما بالعودة إلى المفاوضات التي تدعم طموحات الشعب السوداني بتحقيق الديمقراطية”.
وأكد بلينكن أن وزارة الخارجية على اتصال وثيق مع السفارة الأميركية بالخرطوم، فيما غرد سفيرها جون جودفري صباح أول أمس السبت عقب عودته من رحلة قصيرة خارج السودان قائلا “وصلت للتو في وقت متأخر من الليلة الماضية إلى الخرطوم واستيقظت على أصوات إطلاق نار وقتال مزعج للغاية، حاليا أحتمي في مكاني مع فريق السفارة كما يفعل السودانيون في جميع أنحاء الخرطوم وأماكن أخرى”.
وأضاف أن “تصعيد التوترات داخل المكون العسكري إلى القتال المباشر أمر خطير للغاية، وأدعو كبار القادة العسكريين إلى وقف القتال بسرعة”.
وتشارك واشنطن في اللجنة الرباعية المختصة بالسودان، والتي تضم كذلك المملكة المتحدة والسعودية والإمارات العربية المتحدة.
واشنطن تدعم الانتقال الديمقراطي
بدوره، يرى ديفيد شين مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق للشؤون الأفريقية والباحث بمعهد الشرق الأوسط في واشنطن أن بلاده دعمت باستمرار الانتقال إلى حكومة مدنية وإجراء انتخابات ديمقراطية.
وفي حديثه للجزيرة نت أشار شين إلى أن “هناك بعض الدلائل على أن كلا من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع ترى في القتال الحالي تهديدا وجوديا لوجودهما، وإذا كان هذا هو الحال فقد يضطر أحد الطرفين إلى تحقيق نصر عسكري حاسم، أو أن يستنتج الجانبان أن المعركة لا يمكن حسمها ليختارا بدلا من ذلك كسب الوقت”.
وفي كلتا الحالتين -يقول شين- “سيكون شعب السودان هو الخاسر، كما يثير القتال سؤالا خطيرا عما إذا كان أحد الطرفين أو كلاهما جادا بشأن الانتقال إلى حكومة مدنية كما يزعمان”.
من ناحية أخرى، يرى كاميرون هادسون المسؤول السابق عن ملف السودان في إدارة الرئيس باراك أوباما والخبير حاليا بالمجلس الأطلسي أن واشنطن قامت باستثمار دبلوماسي كبير، فضلا عن تقديم كثير من الموارد المالية في المرحلة الانتقالية للسودان، وأنها “تؤمن بحق الشعب السوداني في أن يُسمع صوته، وأن يكون قادرا على اختيار نوع الحكومة التي يفضلها”.
وفي حديث للجزيرة نت، أشار هادسون إلى أن “القتال لم يكن مفاجئا لأي شخص يتابع السودان، فقد قام الطرفان بتحريك قواتهما والإدلاء بتصريحات علنية في الأسابيع الأخيرة أشارت جميعها إلى أن القتال أمر لا مفر منه، برهان وحميدتي الآن في المكان الذي يريدان أن يكونا فيه بالضبط: قيادة قواتهما”.
وطالب هادسون بضرورة “التركيز الفوري على إيجاد طريقة لإسكات المدافع، وتجنب وقوع المزيد من الإصابات بين المدنيين، ومنع الدول المجاورة من التورط بطريقة يمكن أن تطيل أمد الصراع أو توسيعه”.
لكنه قال إن “علينا أن نفكر في الخطوات التالية، كيف نستأنف محادثات إصلاح وتطوير قطاع الأمن الآن؟ وكيف نخلق دورا جديدا للمدنيين الذين تم تهميشهم بسبب هذا العنف؟”.
إدارة بايدن ودعم الاتفاق الإطاري
ويقول السفير شين إن “إدارة الرئيس جو بايدن أدانت القتال ودعت إلى وقف فوري لإطلاق النار، وتدعم واشنطن الاتفاق الإطاري الذي تم التوصل إليه في ديسمبر/كانون الأول الماضي وقبلته القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع ومجموعات مدنية مهمة”، وحث الاتفاق الإطاري على بدء عملية نقل السودان من حكومة عسكرية إلى حكومة مدنية.
بدورها، أشارت البروفيسورة ريبيكا هاملتون الأستاذة في كلية واشنطن للقانون بالجامعة الأميركية والمتخصصة في الشأن السوداني إلى أنه منذ وقوع “الانقلاب العسكري” كانت إدارة بايدن تأمل أن يقوم المجلس العسكري بالإصلاح من تلقاء نفسه.
واعتبرت هاملتون أن “هذه معركة طموح فظة بين رجلين متعطشين للسلطة بلا شرعية”، ولسوء الحظ -كما قالت- “فإن سيطرة الجنرال البرهان على الجيش وسيطرة حميدتي على قوات الدعم السريع تعنيان أن هذه المعركة تجري على نطاق واسع، ولا يلعب المدنيون السودانيون أي دور في القتال بينهما، ومع ذلك فهم ضحاياهما”.
نفوذ محدود
ويرى السفير شين أن “واشنطن استخدمت بالفعل معظم نفوذها في إقناع القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع بقبول العملية المصممة لتؤدي إلى حكومة مدنية، وعلى الرغم من أن الطرفين السودانيين اتفقا على هذه العملية فإن المفاوضات انهارت عندما تعلق الأمر بالتفاوض على التفاصيل، ولم يتبق الكثير مما يمكن للولايات المتحدة وحدها القيام به للتأثير على الأحداث في السودان”.
وأضاف شين “من ناحية أخرى، يمكن للجنة الرباعية والقوى الأخرى التأثير الكبير على سير الأحداث”.
وأشار إلى أن واشنطن يمكن “أن تفرض وتضع ضغوطا اقتصادية كبيرة على كل من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، خاصة إذا انضمت دول مثل روسيا والصين إلى هذا الصراع”.
لكن المسؤول السابق كاميرون هادسون يرى أن “نفوذ واشنطن غير متوفر بالفعل عند الأطراف السودانية، وقد تم تعليق مساعداتنا المالية منذ الانقلاب، ولم نتحدث بجدية عن استخدام العقوبات لمعاقبة المسؤولين على أفعالهم على الرغم من أن هناك توجها واضحا لتقويض الانتقال الديمقراطي في البلاد”.
وأشار هادسون إلى أن إدارة بايدن تقوم “بالتواصل الهاتفي مع دول المنطقة التي لها نفوذ في السودان مثل مصر والإمارات والسعودية وإسرائيل، لحثها على استخدم نفوذها مع مختلف الأطراف للتوصل إلى وقف لإطلاق النار”.
وأضاف “السؤال الأكبر هو أنه حتى لو تمكنا من التوصل إلى وقف لإطلاق النار فماذا بعد؟ الثقة بين الطرفين منعدمة ولا يمكن إعادة بنائها”.
من جانبها، تعتقد البروفيسورة ريبيكا هاملتون أن “هذا العنف لم يظهر من العدم، كان هناك الكثير من الوقت للتأثير على الأحداث منذ أن أطاح الشعب السوداني بالرئيس السابق عمر البشير في عام 2019، لكن البرهان وحميدتي يخوضان اليوم معركة وجودية من أجل السلطة والسيطرة على موارد السودان، وهذا وضع من الصعب على أي جهة أن تمارس نفوذا عليه”.