إسلام آباد– يدخل الاقتصاد الباكستاني مرحلة صعبة وفقا للمؤشرات الحالية، والتي يرى الخبراء الاقتصاديون أنها تشير إلى إمكانية إعلان إفلاس الحكومة في مراحل مقبلة، في حال لم يتم الحصول على دعم خارجي يعطي انتعاشة للاقتصاد المتدهور.

يأتي ذلك في الوقت الذي يزداد فيه الاحتقان السياسي، بعدما أعلنت حكومة شهباز شريف استمرارها في الحكم حتى موعد الانتخابات القادمة صيف العام القادم.

 

نقص حاد باحتياطيات النقد الأجنبي

وتعاني باكستان الوقت الحالي من نقص حاد في احتياطيات النقد الأجنبي، وهو أكبر انخفاض منذ عام 2019، حيث وصل احتياطي النقد الأجنبي إلى 16.4 مليار دولار أميركي، بسبب زيادة عجز الحساب الجاري والعجز التجاري، وارتفاع مدفوعات الديون الخارجية.

وانخفضت احتياطيات البنك المركزي الباكستاني بمقدار 190 مليون دولار إلى 10.308 مليارات دولار.

 

ويقول المحللون إن أحدث احتياطيات البنك المركزي يمكن أن تغطي ما قيمته 1.54 شهر من الواردات، وفقا لما أوردته صحيفة (The News International) الباكستانية في 13 مايو/أيار الجاري.

من جهة أخرى وصلت الروبية (العملة المحلية) إلى أدنى مستوياتها في تاريخ البلاد، حيث بلغ سعر تداولها مقابل الدولار الأميركي إلى 200 روبية عند إغلاق التداول بعد ظهر الخميس الماضي وفقا لما أظهرته بيانات جمعية فوركس الباكستانية، وقد وصلت إلى هذا الحد في انحدار سريع بعدما كان يتم تداول الدولار بسعر 192 روبية مع بداية الأسبوع.

حكومة على وشك الإفلاس

لا تزال حكومة شهباز شريف -التي تشكلت من ائتلاف الأحزاب التي كانت تعارض حكومة حزب الإنصاف- تحافظ على عدم رفع الأسعار على المواد الأساسية خوفا من زيادة استياء المواطنين الذين كانوا ينتقدون ارتفاع الأسعار خلال حكم عمران خان.

لكن الوضع الحالي للاقتصاد ومستوى انهيار العملة المحلية يجعلان من الصعب على الحكومة الإبقاء على الأسعار القديمة، وحاولت الحكومة قبل أيام إقناع أصحاب مصانع السكر بتخفيض أسعار السكر حتى 70 روبية للكيلو، لكن تم رفض طلب الحكومة، مما يعني استمرار السعر القديم وإمكانية ارتفاع الأسعار خلال المرحلة المقبلة.

 

كما أن أسعار البترول ترتفع عالميا، وفي حال لم يتم رفع الأسعار فإن الحكومة سوف تضطر إلى أن تتحمل فارق الأسعار.

وقد تم الإعلان قبل أيام عن إمكانية كبيرة لرفع أسعار البترول والمحروقات، لكن الحكومة تراجعت عن ذلك، في وقت تشهد البلاد انقطاعات متكررة للتيار الكهربائي وسط ارتفاع درجات الحرارة، مما يزيد من المعاناة والاستياء لدى المواطنين.

التفاوض مع صندوق النقد

في غضون ذلك تتفاوض الحكومة مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض عاجل بقيمة مليار دولار، حيث بدأت المفاوضات بين الطرفين في قطر يوم الأربعاء والتي من المتوقع أن تستمر حتى الأسبوع المقبل.

يضع صندوق النقد الدولي شروطا صعبة من وجهة نظر الحكومة الباكستانية، حيث يتوجب على الأخيرة إجراء اصلاحات اقتصادية من ضمنها رفع الدعم عن بعض العناصر الرئيسية مثل البترول، وهذا ما يزيد من المخاوف لدى المواطنين، بالرغم من تعهد رئيس الوزراء بعدم رفع الأسعار.

 

وقال وزير المالية مفتاح إسماعيل لصندوق النقد الدولي الأربعاء إن الحكومة تتفهم الأزمة الاقتصادية الحالية، ووافقت على أنه سيتعين عليها اتخاذ “قرارات صارمة” مع تخفيف آثار التضخم على الفئات ذات الدخل المتوسط ​​إلى المنخفض.

وفي هذا السياق، قال شاكيل راماي، المحلل السياسي والاقتصادي ورئيس المعهد الآسيوي لبحوث الحضارة والتنمية في إسلام آباد، إنه يعتقد أنه لا يوجد خيار آخر في هذا الوقت سوى رفع الأسعار.

وأضاف أن صندوق النقد الدولي لا يبدو في حالة مزاجية لمساعدة باكستان على تجاوز الأزمة دون رفع الأسعار، مشيرا في حديث للجزيرة نت إلى أنه من الواضح الآن أن الدول الصديقة لن تقدم دعما ماليا دون الحصول على موافقة ضمنية من صندوق النقد الدولي، كما فعلت عام 2019.

وفيما يتعلق بقبول شروط صندوق النقد الدولي، قال المحلل السياسي والاقتصادي ومدير معهد إسلام آباد للدراسات السياسية عبد الكريم شاه إن الحكومة لن تستطيع حل المشاكل الاقتصادية دون استيفاء شروط صندوق النقد الدولي وهي صعبة.

 

وأضاف في حديث للجزيرة نت أن الحكومة لن تجازف بقبول تلك الشروط خوفا من امتعاض الشعب.

البنك المركزي الباكستاني
باكستان تعاني الوقت الحالي من نقص حاد باحتياطيات النقد الأجنبي يعد الأكبر منذ عام 2019 (شترستوك)

خطة طوارئ

في ظل هذه المؤشرات المتراجعة جدا للاقتصاد، أعلنت الحكومة الخميس عن خطة طوارئ للإنقاذ، حيث قالت وزيرة الإعلام ماريوم أورنجزيب إن الحكومة فرضت حظرا على استيراد 38 سلعة كمالية غير أساسية بموجب “خطة اقتصادية طارئة” وهو قرار عقب عليه رئيس الوزراء في تغريدة على تويتر، قائلا إنه “سيوفر للبلاد النقد الأجنبي الثمين” داعيا إلى “التقشف” للتغلب على هذه الأزمة التي تسببت بها السياسات الاقتصادية “الخاطئة” لحكومة حزب الإنصاف، حسب قوله.

وفي تعليق على الخطط التي يمكن أن تنقذ الاقتصاد الباكستاني من المزيد من التدهور، قال راماي إن الحكومة لديها مساحة محدودة للغاية للعب بها.

وقال إن الواقع الاقتصادي يشير إلى أن الأمر سيستغرق بعض الوقت للتعافي الكامل من الأزمة الحالية. وبالتالي، يبدو أنه سيكون من الصعب للغاية على الحكومة الحالية التغلب على الأزمة على المدى القصير.

 

ويقول راماي إن باكستان تحتاج إلى مساعدة مالية عاجلة من صندوق النقد الدولي والدول الصديقة خلال الشهرين المقبلين، وإلا فإن الأزمة يمكن أن تجعل باكستان قريبة من التخلف عن السداد.

من جهته يقول عبد الكريم شاه إنه لا يوجد حتى الآن أي مؤشرات على وجود معونات من أصدقاء باكستان.

ويرى أن الحل الأمثل يتمثل في تجاوب الحكومة مع المطالب، التي تدعو لإجراء انتخابات مبكرة يمكن أن تكون حلا للأزمات السياسية والاقتصادية التي تمر بها البلاد.

يأتي ذلك في الوقت الذي يعمل فيه عمران خان على حشد أنصاره للضغط على الحكومة الحالية التي يصفها بالـ “مستوردة” حيث يطوف جميع أنحاء البلاد لإلقاء خطابات بأنصاره، بالإضافة إلى أنه يدعو للتجهيز لتجمع في العاصمة إسلام آباد وإغلاقها، وهذا ما سيشكل تأثيرا كبيرا على الاقتصاد خاصة في حال تطور الأمر إلى أعمال عنف.

المصدر : الجزيرة

About Post Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *