يمنعها القانون.. مخاوف بشأن “دولرة” المعاملات التجارية في مصر
القاهرة – امتدت مهمة تدبير الدولار الشاقة من البنوك المحلية والمؤسسات الرسمية في مصر إلى المواطنين العاديين، وذلك بعد مطالبة بعض الشركات العقارية ووكلاء شركات السيارات عملاءها بسداد قيمة سياراتهم ووحداتهم السكنية بالدولار وليس بالعملة المحلية، وسط تساؤلات عن قانونية تلك الخطوة وتداعيات “دولرة” المعاملات التجارية.
وكانت مواقع إخبارية محلية تداولت، خلال الأيام الماضية، إعلان إحدى الشركات العقارية عن طرح عدد من وحداتها للبيع بالدولار، وكذلك طلب بعض وكلاء وتجار السيارات من العملاء استكمال دفع ثمن حجوزاتهم السابقة بالدولار لتوفيرها لهم.
أثارت تلك الخطوة غير المسبوقة والتي تأتي على خلفية نقص الدولار في السوق المحلي، جدلا واسعا بين العملاء والشركات كونها تخالف القانون المصري، الذي يحظر التعامل بغير العملة المحلية داخل البلاد.
وقال وزير المالية المصري محمد معيط، في تصريحات صحفية، إنه لا يجوز التعامل بغير العملة المحلية الرسمية في السوق المحلي، مؤكدا أنه غير مسموح للشركات داخل مصر بتلقي الأموال بالدولار من المواطنين المصريين.
تحذير نيابي
في محاولة لاحتواء الظاهرة الجديدة، تقدّم أعضاء بمجلس النواب المصري بطلب إحاطة للوقوف على تلك المسألة التي انتشرت بين وكلاء وتجار السيارات في الآونة الأخيرة، مطالبين الأجهزة المعنية في الدولة بالتدخل لإنهاء تلك الظاهرة.
ونقلت صحف محلية عن البرلمانية أمل سلامة قولها إنها تلقت شكاوى من بعض حاجزي السيارات بشأن مطالبتهم باستكمال الدفع بالعملة الصعبة وليس المحلية، مشيرة إلى أن هذا يخالف قانون البنك المركزي، ويضع المتعاملين تحت طائلة المساءلة.
تنص المادة رقم 126 من قانون البنوك رقم 88 لسنة 2003، بحسب سلامة، على معاقبة الأشخاص المستخدمين لأي عملة أجنبية بدلا من عملة الدولة في عمليات الشراء والبيع للسلع والخدمات داخل مصر، مشيرة إلى أن القانون يغرم المخالفين للقواعد مبلغا لا يقل عن 10 آلاف جنيه مصري (الدولار يعادل نحو 19.6 جنيها مصريا) وبما لا يتجاوز 20 ألف جنيه، كما تلزم المادة 111 من قانون البنوك رقم 88 بأن يتم التعامل في عمليات الشراء والبيع للسلع والخدمات داخل مصر بالجنيه فقط.
ووصف عضو شعبة المستوردين المصريين أحمد شيحة تلك الأفعال بأنها “فردية”، واعتبرها “تجاوزات من قبل بعض الشركات أو الوكلاء من أجل حقبة جديدة من دولرة التعامل التجاري بين الأفراد والشركات في السوق المحلي”.
وأوضح، في تصريحات للجزيرة نت، أن القانون يجرم التعامل بغير العملة المحلية وهي الجنيه المصري، كما أنه يجرم التعامل بالدولار خارج المصارف الشرعية وهي البنوك؛ وبالتالي فإن عدم القدرة على تدبير الدولار ستظل موجودة.
وأكد شيحة أن ما يحدث من قبل بعض الشركات هو استغلال أزمة نقص الدولار في السوق، والضغط على عملائهم لتوفير الدولار من أجل حصولهم عليه، مشيرا إلى أن الدولة لا تسمح بالتعامل بأي عملة أجنبية في السوق المحلي.
تراجع واردات السيارات
وتضرر سوق السيارات في مصر بقوة منذ بدء حرب روسيا على أوكرانيا، وفرض البنك المركزي قيودا صارمة على الاستيراد في فبراير/شباط الماضي تتمثل في وقف التعامل بمستندات التحصيل في تنفيذ كافة العمليات الاستيرادية، واستبدالها بالاعتمادات المستندية فقط، وذلك اعتبارا من بداية مارس/آذار الماضي.
تراجعت قيمة واردات مصر من السيارات 75% خلال يوليو/تموز الماضي لتسجل 71 مليونا و230 ألف دولار، مقابل 287 مليونا و101 ألف دولار في الشهر ذاته من العام السابق، وفق التقرير الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
وارتفعت أسعار السيارات وأجزاؤها وقطع الغيار في مصر بنسبة تبلغ 100%، بحسب تجار سيارات وقطع غيار تحدثوا إلى الجزيرة نت، مشيرين إلى أن الكثير من أنواع السيارات وقطع الغيار اختفت من السوق أو ارتفعت 100%، بسبب تكدس المخزون وتكدس البضائع في الموانئ لعدم توفر الدولار لدى البنوك المحلية.
وقال أحد التجار بأحد مجمعات بيع قطع غيار السيارات بمحافظة الجيزة إن هناك أكثر من سعر لقطع غيارات السيارات التي تراجع مخزون بعضها واختفى البعض الآخر من السوق بسبب توقف حركة الاستيراد، وأصبح السعر يوما بيوم، ولا أحد يعلم متى تنتهي الأزمة ولكنها تؤثر على حركة البيع.
فقدان قيمة العملة المحلية
رأى الخبير الاقتصادي علاء السيد أن “دولرة المعاملات التجارية في بلد ما تكشف عن وجود أزمة كبيرة في الموارد الدولارية وعدم قدرة الشركات التي تستورد منتجاتها من الخارج على توفير المنتجات أو الخدمات للعملاء، وتنذر بفقدان الجنيه قيمته في التعامل كورقة نقدية في البيع والشراء”.
وحذر، في حديثه للجزيرة نت، من أن توسيع التعامل بالدولار يضغط على قيمة الجنيه المصري بعد التأخر في الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، واستمرار ضبابية الوضع المالي للحكومة في ظل الحاجة الماسة للدولار والمطالب الدولية بخفض أكبر لقيمة الجنيه.
واعتبر السيد أن مثل تلك المعاملات سوف تسرع من وتيرة صعود الدولار بالسوق الموازي تمهيدا لتعويم سعر الجنيه مجددا إلى مستويات هذا السوق والذي قد يبلغ 25 جنيها لكل دولار، في ظل استمرار نقص العملة الأجنبية والتزامات مصر تجاه الدول والمؤسسات الدائنة مدفوعا بزيادة حجم الدين الخارجي قصير الأجل.
وتراجع الدين الخارجي لمصر في الربع الثاني من العام الحالي بقيمة 2.1 مليار دولار بنهاية يونيو/حزيران الماضي ليصل 155.7 مليار دولار مقابل 157.8 مليار دولار في مارس/آذار السابق، وفقا لبيانات البنك المركزي. بالمقابل ارتفعت الديون قصيرة الأجل إلى 26.6 مليار دولار مقابل 26.4 مليار دولار، في حين تراجعت الديون متوسطة وطويلة الأجل إلى 129.1 مليار دولار مقابل 131.4 مليار دولار.