زيارة رئيسي إلى بكين.. ما آفاق التعاون الاقتصادي بين إيران والصين؟
طهران– التقى الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي نظيره الصيني شي جين بينغ صباح اليوم الثلاثاء في بكين، وبحث معه تنفيذ الوثيقة الإستراتيجية التي وقّعتها طهران وبكين عام 2021 لمدة 25 عاما، إلى جانب القضايا التي يصفها الإعلام الإيراني بأنها ذات اهتمام مشترك.
وفي زيارته التي ستستغرق 3 أيام، سيلتقي الرئيس الإيراني والوفد المرافق له كبار المسؤولين الصينيين لتفعيل المعاهدات السابقة، والتوقيع على اتفاقيات جديدة، إلى جانب الاجتماع برجال أعمال صينيين وإيرانيين مقيمين في الصين.
وكان رئيسي التقى الرئيس الصيني به للمرة الأولى في سبتمبر/أيلول الماضي على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون في أوزبكستان.
وقبيل زيارته إلى بكين، نشر رئيسي مقالا تحت عنوان “الأصدقاء القدامى أفضل شريك لمستقبل مشرق” في صحيفة الشعب التابعة للحزب الحاكم في الصين، مؤكدا عزم طهران للنهوض بالشراكة الإستراتيجية على الصعيدين السياسي والاقتصادي مع بكين، ومذكرا بتاريخ العلاقات والقواسم المشتركة بين الشعبين الإيراني والصيني طوال القرون الماضية.
وقالت وسائل إعلام إيرانية رسمية إن بكين وطهران وقّعتا خلال السنوات الماضية 20 وثيقة تعاون في مجالات النقل وخاصة النقل بالسكك الحديدية والطاقة والبنى التحتية بقيمة حوالي 12 مليار دولار، وإن زيارة رئِسي ترمي إلی تفعيل تلك الاتفاقات.
ما أهمية زيارة رئيسي إلى الصين؟
وصف المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، الصين بأنها الشريك التجاري الأول لبلاده، وأن زيارة رئيسي إلى بكين ترمي إلى تعزيز علاقاتهما على شتى الصعد لا سيما في المجال الاقتصادي، مشيرا إلی أن الاتفاقية الشاملة الموقعة بينهما تمثل خارطة طريق للتعاون بين البلدين.
وفي مؤتمره الصحفي الأسبوعي، شدد كنعاني، أمس الاثنين، على أن الزيارة ستوفر أرضية لتنفيذ الاتفاقية بعيدة المدى وهناك وثائق واتفاقيات سوف يتم توقيعها في هذا الإطار، واصفا نتيجة التعاون بين البلدين بأنها كانت إيجابية حتى الآن.
من جانبه، أعلن نائب رئيس مكتب الرئاسة الإيرانية للشؤون السياسية، محمد جمشيدي، أن الزيارة ترمي إلى وضع اللمسات النهائية لتنفيذ الاتفاقية الشاملة بين طهران وبكين، وأنها تأتي في إطار سياسة طهران الرامية إلى التقارب الاقتصادي مع التركيز على المنطقة الآسيوية.
وأكد جمشيدي، في تصريحات للتلفزيون الإيراني، أن الجمهورية الإسلامية تتطلع إلى تعاون اقتصادي مكثف من الجانب الصيني انطلاقا من الشراكة الإستراتيجية بينهما.
وتركيبة الوفد الإيراني المرافق لرئيسي في زيارته إلى بكين تدل على الأهمية الاقتصادية لهذه الزيارة، وفق الدبلوماسي الإيراني السابق فريدون مجلسي الذي يرى أن غلبة اللون الاقتصادي على أعضاء الوفد تدل على أولويات هذه الزيارة.
ويرافق كل من وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، ومساعده للشؤون السياسية علي باقري، الرئيس إبراهيم رئيسي في زيارته إلى بكين، إلى جانب وزير الاقتصاد إحسان خاندوزي، ووزير النفط جواد أوجي، ووزير الصناعة والمناجم والتجارة رضا فاطمي أمين، ووزير الزراعة جواد ساداتي نجاد، ووزير الطرق والإسكان مهرداد بذرباش، ومحافظ البنك المركزي محمد رضا فرزين.
وفي ظل القيود المالية التي تفرضها العقوبات على مبادلات إيران المالية وإعادة عوائد صادراتها إلى داخل البلاد، يوضح مجلسي للجزيرة نت أن حضور وزير الاقتصاد ومحافظ المركزي الإيراني في الوفد المرافق للرئيس يهدف إلى إيجاد حلول للتغلب على أزمة شح العملة الصعبة.
كيف يمكن للصين مساعدة الاقتصاد الإيراني للتغلب على العقوبات الغربية؟
يصف الجانب الإيراني الرسمي علاقاته مع الصين بأنها كانت إيجابية حتى الآن، ويتحدث عن عزم الجانبين للنهوض بالتعاون الثنائي على شتى الصعد لا سيما في المجالين الاقتصادي والسياسي إلى جانب التعاون العسكري، حيث وصف مسؤول إيراني كبير بكين بأنها أحد عملاء طهران الرئيسيين للطائرات المسيّرة، وكشف عن عزم بلاده تزويد الحليف الصيني بـ15 ألف طائرة مسيّرة.
وقبل أيام من زيارة رئيسي إلى الصين، نقلت وكالة إرنا الرسمية عن كبير مستشاري وزير الاستخبارات الإيرانية -دون ذكر اسمه- قوله إن قدرات إيران العسكرية بلغت حدا جعل الصين تستعد لشراء 15 ألف طائرة مسيّرة من طهران، مشيرا إلى وجود زبائن للمسيّرات الإيرانية في 90 دولة.
من جانبه، يشكك الدبلوماسي الإيراني السابق فريدون مجلسي في تنفيذ مثل هذه الصفقة خلال الفترة المقبلة بسبب القيود التي يفرضها الاتفاق النووي والقرار الأممي 1231 ضد التعاون العسكري مع إيران، مستدركا بأنه بإمكان بكين مساعدة إيران للتغلب على الضغوط الاقتصادية.
وفي حديثه للجزيرة نت، يصف مجلسي الصين بأنها الوجهة الوحيدة للبضائع الإيرانية والسبيل الوحيد للالتفاف على العقوبات الغربية نظرا إلى حاجاتها الكبيرة للمواد الأولية، موضحا أن الجانب الغربي ليس قادرا على مراقبة تجارة بكين الواسعة وأن الأخيرة بإمكانها مواصلة مبادلاتها التجارية مع طهران في أعالي البحار وبأسعار منخفضة.
وعن دعم الصين السياسي لبلاده، يقول الدبلوماسي الإيراني السابق إنه لا صداقة دائمة بين الدول وإنما المصالح الوطنية هي التي تبرر تحركات القوى الكبرى في الأوساط الدولية، موضحا أنه لا يعول كثيرا على دعم بكين للجمهورية الإسلامية في ما يخص ملفاتها الشائكة مع القوى الغربية.
ما آفاق التعاون؟
لا توجد إحصاءات رسمية عن صادرات النفط الإيرانية إلى الصين بسبب العقوبات الأميركية على صادرات النفط الإيراني، إلا أن الجانب الصيني قد واظب على استيراد البترول الإيراني رغم العقوبات المفروضة عليه.
وتشير أحدث التقارير الصادرة عن الشركات المتخصصة في تتبع تدفقات النفط حول العالم، إلى زيادة حجم صادرات طهران من الخام إلى الصين خلال الأشهر الثلاثة الماضية، إذ تقدر بيانات شركات “فورتيكسا” و”تانكر تراكرز” و”كبلر” حجم الصادرات الإيرانية بنحو مليون برميل يوميا.
أما على صعيد الصادرات غير النفطية، فإن الصين تعتبر الشريك التجاري الأول للجمهورية الإسلامية، وفق روح الله لطيفي عضو لجنة العلاقات الدولية وتنمية الصادرات في “الغرفة الإيرانية للصناعات والمناجم والتجارة” الذي أكد أن تجارة بلاده الخارجية مع الصين تجاوزت 25 مليار دولار خلال الأشهر العشرة الماضية.
وأوضح لطيفي -في حديث للجزيرة نت- أن الصادرات الإيرانية غیر النفطية إلى الصين ارتفعت خلال الأشهر العشرة الماضية بنسبة 10% مقارنة بالفترة ذاتها من العام الفارسي الماضي، حيث بلغت هذا العام 12 مليارا و806 ملايين دولار، في حين بلغت واردات طهران من بكين 12 مليارا و698 مليون دولار مسجلة ارتفاعا بنسبة 33%.
وتوقع لطيفي أن تنعكس زيارة رئيسي إلى الصين إيجابا على التجارة بينهما، مؤكدا أن حضور وزير النفط الإيراني في الوفد المرافق لرئيسي يرمي إلى زيادة صادرات الخام الإيراني إلى الصين، كما أن وزراء الزراعة والصناعة يسعيان للنهوض بالتجارة الثنائية بين البلدين.
وخلص الناشط الاقتصادي الإيراني إلى أن الاتفاقيات التي سيتم تفعيلها خلال الزيارة بشأن الترانزيت والمبادلات المالية ستنعكس إيجابا على التجارة الإيرانية الصينية، موضحا أن طهران وبكين تعملان على التبادل بالريال الإيراني واليوان الصيني في تعاملاتهما المالية لتخفيف آثار الحظر الغربي المفروض على الاقتصاد الإيراني.
ما أسباب الانتقادات بشأن سياسة التوجه شرقا؟
أعلنت حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي منذ أيامها الأولى أنها ستضع سياسة تعزيز العلاقات مع دول الجوار على سلم أولوياتها، وستعمل على وضع حد للضغوط الاقتصادية من خلال الشراكة مع القوى الشرقية ولن تنتظر نتيجة المفاوضات النووية الرامية إلى إنقاذ الاتفاق النووي مع الدول الغربية.
وهناك شريحتان من الإيرانيين توجهان انتقادات لاذعة إلى حكومة رئيسي بسبب هذه السياسة التي أضحت تعرف بسياسة التوجه شرقا أو سياسة التقارب مع القوى الشرقية؛ تنتقد الشريحة الأولى وهي مقربة من المعسكر الإصلاحي حكومة رئيسي لعدم تحريكها ساكنا من أجل تحسين الوضع المعيشي وتعيب عليها الانتقادات التي كانت تكيلها للحكومة السابقة لرغبتها في الاتفاق مع الغرب وإنقاذ الاتفاق النووي.
كما أن هذه الشريحة تعتقد بأن الإصرار على تعزيز العلاقات مع كل من الصين وروسيا على حساب الدول الأوروبية لن يصب في صالح المصالح الوطنية، ناهيك عن أن هذه السياسة في طريقها لتحميل البلاد ثمنا غاليا في مجال التعاون الإيراني الروسي، والاتهامات الغربية بشأن تزويد طهران الجانب الروسي طائرات مسيرة يستخدمها في حربه ضد أوكرانيا.
أما الشريحة الثانية وهي من المعسكر المحافظ فإنها تنتقد حكومة رئيسي لعدم تسريعها في تنفيذ الاتفاقات التي أبرمتها مع الصين واتخاذ سياسة مشابهة لحكومة الرئيس السابق حسن روحاني رغم معرفتها بنتيجة هذه السياسة.
وفي السياق، نشر الباحث في الاقتصاد السياسي، عطا بهرامي، تحليلا مع معهد “تحريرية” للدراسات الاقتصادية يقول فيه إن الزيارة جاءت متأخرة جدا بسبب التفريط بالمصالح الوطنية وإنه لا غنى لكل من طهران وبكين عن طاقات الطرف المقابل.
ويشير بهرامي إلى أن أطرافا في إيران تعمل باستمرار لتوتير العلاقات بين طهران وبكين على حساب المصالح الوطنية، منتقدا ما أسماه تفريط حكومة رئيسي خلال أكثر من عام بطاقات بكين التي من شأنها دعم الاقتصاد الإيراني المحاصر.
وخلص إلى أن التيارات السياسية الرئيسة في بلاده ترغب بتعزيز علاقاتها مع القوى الغربية رغم الشعارات التي ترفعها بشأن سياسة التوجه إلى الشرق، معتبرا أن المرشد الإيراني علي خامنئي هو الوحيد الذي يشجع بحق على تعزيز علاقات البلاد مع القوى الشرقية.