القاهرة- بعد تصريح رسمي لافت حول انخفاض نسبة الطلاب المصريين المسافرين للدراسة الجامعية بالخارج هذا العام بنسبة 70%، مقارنة بالعام الماضي؛ باتت “الجامعات الأهلية” في مرمى المتابعة، وسط جدل حول مدلول النسب المعلنة للقبول في تلك الجامعات ومدى واقعيتها.
وزارة التعليم العالي والبحث العلمي كشفت عن تفوق بارز هذا العام لصالح التعليم الجامعي الأهلي، مرجعة ذلك إلى جودته وتوفيره للنفقات وتقديمها ميزات السفر للخارج داخل مصر، مع الاهتمام الرئاسي بها.
وبحسب أكاديميين ومصادر عاملة في مجال الاستثمار التعليمي وسفر الطلاب للخارج تحدثوا للجزيرة نت، يؤكد البعض تراجعا فعليا لسفر الطلبة للخارج، بسبب توفير الجامعات الأهلية للعديد مما يبحث عنه الطلاب وذووهم في الخارج خاصة مع الأسعار المنخفضة والبرامج العلمية المتاحة، فيما يرى البعض أن النسب مبالغ فيها وأن السوق لم يتأثر بهذا الشكل الكبير، وإن كانت تجربة حديثة فإنها تتطلب وقتا للحكم عليها.
إحصائيات رسمية
وقبل أيام، كشف تقرير إحصائي لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي حول أعداد الطلاب المقبولين بالجامعات الأهلية والخاصة، قبول 71 ألف طالب بالجامعات الأهلية والخاصة بنسبة 13% من إجمالي عدد الطلاب الناجحين بالثانوية العامة هذا العام، مع انخفاض ملحوظ في عدد الطلاب المسافرين للدراسة بالخارج بنسبة 70% حتى الآن.
ولفت المتحدث الرسمي باسم وزارة التعليم العالي عادل عبد الغفار، إلى قبول 11500 طالب بالبرامج الدراسية التي أتاحتها الجامعات الأهلية كمرحلة أولى هذا العام، وذلك بنسب إشغال بلغت 100% من الأماكن المتاحة بتلك الجامعات.
ويبلغ عدد الجامعات الأهلية المنبثقة من الجامعات الحكومية 12 جامعة هي: أسيوط، والمنصورة، وبني سويف، والإسكندرية، وحلوان، وكذلك الزقازيق، وبنها، والإسماعيلية الجديدة، وجنوب الوادي، والمنوفية، والمنيا، بالإضافة إلى جامعة شرق بورسعيد الأهلية.
بالتزامن مع ذلك، كشفت نسب القبول بالجامعات الأهلية الدولية الأربع (الجلالة، والملك سلمان الدولية، والعَلَمين الدولية، والمنصورة الجديدة)، عن نسبة إشغال كبيرة، حيث بلغ إجمالي عدد الطلاب الذين أدوا الاختبارات في الجامعات الأربع 18800 طالب.
وأجرى التنسيق 13500 طالب، فيما بلغ عدد المقبولين فعليا 6521 طالبا، وفقا للأعلى في درجات المجموع الاعتباري الذي تأخذ به هذه الجامعات، وذلك بنسبة إشغال بلغت 93% من عدد الطلاب المستهدفين.
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أصدر توجيهات رئاسية في أغسطس/آب الماضي بدعم مصاريف الدراسة للمتقدمين بالالتحاق بالجامعات الأهلية.
ووفق المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، فإن السيسي وجّه بدعم مصاريف الدراسة الخاصة بالطلاب المتقدمين للالتحاق بالجامعات الأهلية الحكومية بتحمل الدولة نسبة من تلك المصاريف تصل إلى 50% مع الاستمرار في تقديم المنح المجانية للمتفوقين.
أسباب الانخفاض والتراجع
من جانبه، يؤكد المستشار التعليمي ومدير إحدى شركات الاستثمار التعليمي بماليزيا الأكاديمي المصري علاء حسني المزين، وجود تراجع في سفر الطلاب المصريين للدراسة بالخارج هذا العام.
وفي حديثه للجزيرة نت، يقول المزين إنه في ضوء متابعته لحركة الطلاب الراغبين في الدراسة خارج بلادهم، يمكن القول فعلا إن هناك تراجعا في أعدادهم، ليس فقط بمصر بل بمختلف البلاد العربية، ومن المؤكد أن الأسباب الاقتصادية هي العامل الرئيس وراء تلك الظاهرة.
ويضيف أن التعليم بالدول الأجنبية يبقى أعلى تكلفة من نظيره ببلد الطالب الأصلي، وقد يكون العامل التالي هو التوسع في إنشاء الجامعات الخاصة والأهلية وأفرع الجامعات الدولية، وهو ما حدث بمصر في السنوات الأخيرة.
ويوضح المزين أن العامل الثالث في هذا التراجع أن الشهادة لم تعد الأساس في حصول الطالب على الوظيفة، وإنما ما يتمتع به من كفاءة وتميز، ومن ثم فلا تمثل الجامعة الأجنبية عاملا تفضيليا في كثير من الأحيان، حيث بات يستوي حصول الطالب على شهادته من جامعة ببلده أو خارجه، خاصة في ظل توابع الحرب الروسية الأوكرانية.
ويشير الأكاديمي المصري إلى أن هناك عاملا رابعا في التراجع الذي يرصده، يتمثل في توجه الأسر لابتعاث أبنائهم للدراسات العليا لا للمرحلة الجامعية الأولى، والذي يصفه بأنه “توجه حسن على كل حال”.
وفي السياق نفسه، أكد أمين المجلس الأعلى للجامعات الخاصة والأهلية محمد حلمي الغر، أن الجامعات الأهلية أثرت على جذب الطلاب للدراسة في مصر بدلا من السفر للخارج، بسبب اطمئنان الطلاب لنظام التعليم بها وما لديهم من برامج جديدة، ولأن مصروفاتها أقل من مصروفات الجامعات الخاصة بنسبة تتراوح من 30 % إلى 40%، ما جعل الجامعات الأهلية تخلق نوعا من التوازن بين الجامعات الخاصة والحكومية في المصروفات.
وفي تصريحات متلفزة، يضيف الغر أن الجامعات الأهلية مرتبطة بالحكومية، وهو ما يعطيها قدرا من الثقة لدى المواطن وأن الشهادة موثقة بشكل أكبر.
المصاريف والإتاحة
عامل الإتاحة هو سبب آخر وفق البعض لانخفاض سفر الطلاب المصريين للخارج، وفق رئيس جامعة المنصورة الجديدة معوض الخولي.
وأوضح الخولي -في تصريحات صحفية- أن الطلاب الذين يسافرون للخارج نوعان، الأول يبحث عن تعليم جيد، والثاني يبحث عن شهادة في تخصص معين غير متاح، ولكن الجامعات الأهلية والخاصة وفّرت ذلك بجانب انخفاض مجاميع بعض الكليات في المناطق النائية، وتوفير الجامعات الأهلية برامج جديدة يحتاجها سوق العمل بمستوى تعليم متميز.
نقطة أخرى يشير إليها الكاتب الصحفي المتخصص في شؤون التعليم عبد الرحمن عبادي، وهي إتاحة الجامعات الأهلية فرصا لقبول الحاصلين على الشهادات الفنية المتوسطة، رغم أن لهم نسبة مخصصة ببعض الكليات في الجامعات الحكومية، ورغم التوسع في إنشاء الجامعات التكنولوجية المخصصة لقبول طلاب التعليم الفني.
ويوضح عبادي أن هناك شريحة تقدر نسبتها بنحو 7% قادرة على تحمل نفقات الجامعات الخاصة، ولكنها اتجهت نحو الجامعات الأهلية، حيث يعتبرها البعض متنفسا للقضاء على اغتراب الأبناء وكسر احتكار بعض الجامعات الخاصة في بعض التخصصات، والقضاء على مغالاتها في الرسوم الدراسية.
تحفظ وترقب
في المقابل، تحفظ مدير إحدى شركات الاستثمار التعليمي بمصر، والتي تعمل في مجال سفر الطلاب المصريين للخارج، على النسب الرسمية المعلنة.
ويقول المصدر -الذي تحفظ على ذكر اسمه- إن نسبة 70% مبالغ فيها، مضيفا أن العام الدراسي الحالي ظلت نسبة قطاع السفر للخارج كما هي دون تغيير، بل هناك أبناء لبعض رجالات في الدولة شاركوا في كورسات تحضيرية أثناء العطلة استعدادا لاستكمال الدراسة في الخارج، لأن قرار التعليم في الخارج قرار إستراتيجي لدى بعض الأسر القادرة التي لا تؤثر فيها تقلبات الحالة الاقتصادية.
وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح أنه يقرأ الإحصائيات المعلنة من وزارة التعليم العالي بأنها جزء من “الدعاية الحكومية”، ولأنه لم يشهد تأثيرا غير عادي على نسب السفر للخارج من الطلاب أثناء عمله اليومي.
ويشير إلى أهمية متابعة الأرقام المعلنة هذا العام بعد مرور العام الدراسي، لأن هناك نسبة تلجأ للدراسة لمدة عام في مصر، لعدم الدخول في السنة التحضيرية بالخارج، بحيث يكون الطالب جمع بين قضاء سنة شكلية بمصر مع تفويت السنة التحضيرية بالخارج، ثم يمكنه السفر في العام الثاني لاستكمال الدراسة بالخارج ما يوفر عليه الوقت والمال.
وفي السياق نفسه، يرى “ط.أ” أحد العاملين في الاستثمار التعليمي في تركيا، أن الأمر لم يتأثر في تركيا -وفق رصده- حيث ما زالت البلاد تستقبل العديد من الطلاب المصريين الراغبين في استكمال تعليمهم الجامعي في الخارج.
وفي حديثه للجزيرة نت، قال إن النسب معقولة ولم تتأثر بالأرقام الكبيرة التي أعلنها وزير التعليم العالي.
منزلة بين منزلتين
أما بعض الأهالي، فيعتبرون الجامعات الأهلية “منزلة بين منزلتين” بحسب وصف أحدهم للجزيرة نت، حيث تقدم خدمات تعليمية مميزة كالجامعات الخاصة ولكن بمصروفات مدعمة من الدولة، كما تمتلك تنسيقا خاصا بها يساعدهم على التقديم في الوقت نفسه لمكتبي تنسيق الجامعات الحكومية والجامعات الخاصة، ومن ثم المفاضلة بين النتائج الثلاث بعد ظهورها، ما يمنحهم فرصة أفضل من السفر للخارج.
ويرى بعض الأهالي أن هناك ضبابية في الأمور بسبب حداثة التأسيس، جراء المصروفات ومواعيد التقديم، ولكنها جيدة كبداية تشكل نقطة منتصف في الأشكال الجامعية المقدمة حاليا بمصر.
لكن البعض يرى أن هناك ظلما لطلبة الجامعات الحكومية خاصة أقسام الهندسة، وهو ما دفع نقيب المهندسين المصريين طارق النبراوي مؤخرا للحديث عن تحفظ نقابته ضد نسب التنسيق المنخفضة في الجامعات الأهلية والخاصة لهذا العام.