موسكو- بين التصعيد والدعوة لضبط النفس، تراوحت المواقف الدولية من حادثة سقوط صاروخ مساء الثلاثاء في منطقة برشفوداو شرقي بولندا، والذي أسفر عن مقتل شخصين.

في البداية حملت بولندا روسيا المسؤولية عن الحادث، ورفعت درجة التأهب العسكري لقواتها، في حين وصفت وزارة الدفاع الروسية تصريحات الخارجية البولندية بأن الصاروخ روسي الصنع بـ”الاستفزازية” بغرض التصعيد.

 

وبينما أكدت موسكو أنه لم تكن هناك ضربات بالأسلحة الروسية بالقرب من الحدود الأوكرانية البولندية، ذهب دميتري ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، إلى أبعد من ذلك، وكتب في تغريده على تويتر أن “قصة سقوط الصاروخ على الأراضي البولندية تثبت أن الغرب، بحربه الهجينة مع روسيا، يزيد من احتمالية اندلاع حرب عالمية”.

وبعد فترة سادت خلالها الشكوك، توصلت بولندا والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (ناتو) إلى أن الصاروخ أطلقته -على الأرجح- الدفاعات الجوية الأوكرانية أثناء تصديها لصواريخ روسية بالقرب من الحدود البولندية.

وقبل التوصل إلى هذه الخلاصة، بدت مواقف بعض الدول الحليفة للأوكرانيا، كالولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا، متريثة في تبنى الروايتين البولندية والأوكرانية، حتى على ضوء طلب وارسو عقد اجتماع عاجل على أساس المادة 4 من ميثاق الحلف الأطلسي.

استفزاز خطير

بموازاة ذلك، تفاوتت آراء الخبراء الروس حول تداعيات الحادث، بين من إعتبرها “محاولة استفزاز إضافية”، ومن رأى فيه مجرد خطأ تقني، تسعى بلدان معادية لروسيا في توظيفه ضدها، حسب تعبيرهم.

 

يرى محلل الشؤون الدولية دميتري كيم، في حديثه للجزيرة نت، أن حادثة الصاروخ البولندي وتعليق الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عليه، يعدان استفزازا خطيرا وخطأ كبيرا في ذات الوقت، لتسعير الحملة الإعلامية ضد روسيا، لا سيما على ضوء الضربات الصاروخية المكثقة للقوات الروسية على عدد كبير من البنى التحتية داخل أوكرانيا وهو ما تسبب بمشاكل كبيرة في توفير موارد الطاقة في البلاد.

لكن كيم استبعد في المقابل أن تذهب الولايات المتحدة، التي نأت بنفسها عن التصريحات “القابلة للاشتعال”-حسب وصفه- من جانب كييف ووارسو، إلى اتخاذ الحادثة كمنطلق لمزيد من التصعيد مع روسيا، على ضوء اللقاءات الأمنية الهامة بين الجانبين في أنقرة، فضلا عن تلك المقررة في القاهرة أواخر الشهر الحالي لبحث تفعيل لجنة التنسيق المشتركة لمعاهدة ستارت للأسلحة النووية.

ورأى في ردة الفعل “الهادئة” للرئيس الأميركي جو بايدن تجاه حادثة الصواريخ، مؤشرا على أنه لا يريد إفساد المساعي التي تبذلها واشنطن لإطلاق سراح جاسوس أميركي معتقل لدى المخابرات الروسية، واستخدام هذه القضية كورقة تعزز حضوره في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، والانتخابات الرئاسية المقبلة بشكل عام.

Smoke rises in the distance, amid reports of two explosions, seen from Nowosiolki, Poland, near the border with Ukraine November 15, 2022 in this image obtained from social media. Stowarzyszenie Moje Nowosiolki via REUTERS THIS IMAGE HAS BEEN SUPPLIED BY A THIRD PARTY. MANDATORY CREDIT TPX IMAGES OF THE DAY
انفجار يعتقد أنه نتيجة سقوط صاروخ بشرق بولندا قرب الحدود الأوكرانية (رويترز)

خطأ فني

في المقابل، استبعد الخبير العسكري فلاديسلاف شوريجين أن يكون سقوط الصاروخ على الأراضي البولندية نتيجة محاولة القيام باستفزاز سياسيً متعمد، بل يرى أنه مجرد فشل تقني نتيجة خلل في نظام توجيه الصواريخ الأوكراني، وذلك بناء على  تحليله للقطات من موقع سقوط الصاروخ، لكن كلا من بولندا وأوكرانيا سارعتا لاستثماره إعلاميا.

وانطلق شوريجين من ترجيح فرضية أن الصاروخ الذي سقط في القرية البولندية هو ذخيرة من طراز “أورغان ميلرز”، أو نظام الدفاع الجوي “إس- 300″، أطلقه الجيش الأوكراني بالقرب من لفيف أثناء هجوم بصواريخ كروز الروسية، وسقط في الأراضي البولندية، نتيجة تشغيل أنظمة الحرب الإلكترونية للقوات المسلحة البولندية.

واعتبر الخبير أن حطام الصاروخ الذي تم العثور عليه في شرق بولندا يشبه شظايا صاروخ أوكراني مضاد للطائرات من نفس الطراز.

 

ووفقا للخبير العسكري الروسي، فانه في حالة عدم النجاح في اعتراض الهدف وكذلك فشل نظام التدمير الذاتي، فإن ذخيرة أنظمة الدفاع الجوي بعيدة المدى تكون قادرة على الطيران على بعد مئات الكيلومترات من موقع الإطلاق.

ويوضح، في هذا السياق، بأن جرى تسجيل حالات مماثلة وبشكل متكرر في السابق. فخلال حرب العام 2020 بين أرمينيا وأذربيجان، انفجر صاروخ مماثل على بعد أكثر من 200 كيلومتر، بعد أن سقط في جمهورية داغستان الروسية، وكذلك الحال خلال الصراع في سوريا، عندما انفجر صارروخ “إس- 200″، بعيد المدى قرب جزيرة كريت اليونانية.

المصدر : الجزيرة

About Post Author