شتت انتباهك وامتنع عن الانفعال.. كيف تتصرف بفاعلية عندما تثور مشاعرك؟
تخيل أنك عملت على مشروع كبير، وبذلت الكثير من المجهود لإنجازه في أفضل صورة، وذهبت لتعرضه على مديرك، لكنه -على عكس توقعك- انتقدك بطريقة غير لائقة ومهينة، ولم يقدر مجهودك.
في هذه اللحظة قد تنتابك رغبة جامحة في الرد على قسوته، أو الاستقالة وترك العمل، ولن تفكر فيما ستؤول إليه الأمور إذا استجبت إلى إلحاحاتك بترك الوظيفة، لكن هل هذه الإلحاحات هي الاستجابة الفعالة حقا؟
عندما نكون في حالة انفعالية شديدة، لا نتمكن من التفكير بشكل حكيم أو منطقي، لكن حتما لن تكون الاستجابة الانفعالية هي الرد الفعال للمواقف الضاغطة؛ سواء كان هذا الرد هو الاستقالة من العمل، أو الصراخ في وجه طفلك عندما يبدأ في البكاء.
وللمساعدة على مواجهة الأزمات بشكل فعال، يمكنك الاستعانة بمهارات “علاج السلوك الجدلي” (DBT) المتعلقة بتحمل الأزمات، وتستخدم للتعامل مع الأزمات الصغيرة والكبيرة، وتهدف إلى مساعدتك لإدارة وتجاوز المواقف المتأزمة من دون جعلها أكثر تعقيدا، وتُزيد مع الوقت قدرتك على إدارة مشاعرك وعدم التصرف وفق إلحاحاتك.
وتختلف الأزمات عن الواقع الأليم بأن الأزمات هي مواقف ضاغطة، وعارضة وقصيرة المدى، وتشعر خلالها بإلحاح للتصرف بشكل فوري، وتختلف عن الواقع الأليم الذي يمتد لفترة طويلة، ولا يمكن تغيره.
وتساعدك مهارات تحمل الأزمات في تشتيت انتباهك حتى تهدأ بالقدر الكافي للتعامل مع الموقف أو المشاعر، وتنقسم إلى 6 مهارات:
1- مهارة “قف”
قف
عندما تشعر أن عواطفك هي المسيطرة عليك، توقف. لا تتفاعل. لا تتحرك. فقط جمّد عضلاتك، ولا تسمح لعقلك الانفعالي بدفعك للتصرف.
خذ خطوة للوراء
عند التعرض للموقف الضاغط، خذ خطوة للوراء وامنح نفسك بعض الوقت لتهدأ وتفكر. وذلك عن طريق السكوت للحظات والتنفس أو التحرك من المكان نفسه إلى مكان آخر إذا أمكن ذلك.
لاحظ
راقب ما يحدث حولك وداخلك، ولاحظ أفكارك ومشاعرك، وماذا يفعل أو يقول الآخرون. لاحظ فقط من دون التصرف أو القفز إلى الاستنتاجات، واجمع الحقائق المتعلقة بالموقف حتى تتمكن من فهم ما يجري والخيارات المتاحة والتصرف بوعي.
امض قدما
اسأل نفسك ما الخيار الفعال لهذه الأزمة؟ وما أهدافك من هذا الموقف؟ ومع الأخذ في الاعتبار لأهدافك، ومشاعرك وأفكارك، يمكنك التصرف بوعي لحل الأزمة بأفضل طريقة ممكنة.
2- مهارة تهدئة النفس بالحواس الخمس
عليك بالاستعانة بحواسك الخمس لتهدئة نفسك والشعور بالسعادة وتخفيف التوتر، وذلك عن طريق:
النظر: التركيز فيما حولك وملاحظة الأشياء وألوانها، ويمكنك مشاهدة شروق الشمس أو غروبها.
الاستماع: الانتباه إلى الأصوات حولك، مثل صوت الأشجار أو موجات الماء.
اللمس: استشعار المقعد تحت أرجلك، والملابس على بشرتك، أو وضع مرطب ليديك.
التذوق: تناول طعام تحبه وانتبه لمذاقه في فمك.
الشم: ابحث عن العطر الذي تستمتع به، أو أشعل شمعة ذات رائحة.
3- مهارة تغيير كيمياء الجسم
العلاقة بين العقل والجسد قوية جدا، لذلك لتهدئة العقل، هدئ جسدك، ويمكنك الاستعانة بمهارات تغيير كيمياء الجسم التي تُظهر نتيجة فعالة خلال بضع ثوان إلى بضع دقائق، وتهدف إلى خفض حالة الاستثارة العاطفية، وتهدئة “الجهاز الحوفي” (Limbic System)، وهو الجزء من الدماغ المسؤول عن استجاباتنا السلوكية والعاطفية، وتشمل هذه المهارة:
استخدام الماء البارد
غيّر درجة حرارة وجهك بالماء المثلج، ويمكنك حبس أنفاسك ووضع وجهك في وعاء من الماء المثلج، أو وضع كيس ثلج على عينيك ووجنتيك، وابق لمدة 10 إلى 30 ثانية.
الاندماج في تمرين مكثف
انخرط في تمرين مكثف ولو لفترة قصيرة فقط، استهلك الطاقة الجسدية المخزنة في جسمك عن طريق الجري، أو المشي السريع، أو أي نشاط جسدي صحي.
تنظيم التنفس
تنفس بعمق، وأبطئ وتيرة الشهيق والزفير، وذلك عن طريق استنشاق الهواء من أنفك لمدة 4 ثوان، ثم احبس نفسك لمدة 7 ثوان، ثم اخرج الزفير ببطء من خلال فمك لمدة 8 ثوان، وكرر هذه العملية لمدة 3 مرات على الأقل.
استرخاء العضلات المزدوج
وذلك عن طريق التركيز مع جزء من الجسم وشد عضلاته في أثناء الشهيق ثم إرخائها أثناء الزفير، ويمكنك فعل ذلك مع كل جزء من جسدك بالترتيب، من أعلى الرأس إلى القدمين أو العكس.
4- مهارة تشتيت العقل بفاعلية
حدد علاج السلوك الجدلي 7 طرق لتشتيت عقلك عند التعرض للأزمات، وصرف انتباهك عن الإلحاح الذي يدفعك إليه عقلك الانفعالي، وهي:
الأنشطة: الانخراط في أنشطة مشتتة فعالة وغير ضاغطة مثل ترتيب البيت، أو صنع الخبز أو الطبخ، أو قضاء بعض الوقت مع الأصدقاء.
المساهمة: وهي تحويل تركيزك من الذات إلى الآخرين، عن طريق المشاركة في نشاط تطوعي، أو تقديم هدية لشخص تحبه.
المقارنات: من خلال مقارنة نفسك بمن هم في حال أسوأ وأصعب منك، أو مقارنة شعورك الحالي بشعور آخر إيجابي مررت به سابقا.
المشاعر: افعل أشياء تولد تجربة عاطفية مختلفة عن تلك التي تمر بها حاليا، مثل مشاهدة فيلم مضحك إذا كنت حزينا.
الدفع بعيدا: ادفع الموقف بعيدا عن تفكيرك واتركه لفترة من الوقت؛ ويمكنك بناء جدار وهمي بينك وبين الموقف، أو تخيل أنك تضع ما تشعر به في صندوق وتتركه بعيدا.
الأفكار: شتت أفكارك عن طريق شغلها بشيء آخر؛ حيث يمكنك حل الكلمات المتقاطعة، أو العد التنازلي من 100، أو مشاهدة وثائقي حول لغز ما أو قضية غامضة.
الأحاسيس: قم بالضغط على كرة مطاطية بقوة، أو اخرج تحت المطر، أو خذ حماما ساخنا أو باردا.
5-مهارة تحسين اللحظة الحالية
الهدف من هذه المهارة هو تحسين اللحظة عن طريق الاستغناء عن الحدث الذي تسبب في المشاعر السلبية بفعل أكثر إيجابية، ما يجعل اللحظة أكثر تحملا. ويمكنك تحسين اللحظة الضاغطة عن طريق:
التخيل: حسِّن اللحظة بتخيل مشهد جميل على الشاطئ أو في الجبال.
المعنى: ابحث عن قيمة أو معنى في أنشطتك اليومية.
الصلاة: حسِّن اللحظة بالصلاة أو الدعاء.
الاسترخاء: تنفس بعمق، خذ حماما ساخنا، وقم بتدليك رقبتك.
اليقظة: تحسين اللحظة باليقظة والتركيز مع فعل واحد فقط والاندماج به.
الإجازة: اذهب إلى الشاطئ أو الحديقة للمشي.
التشجيع: حسّن اللحظة بتشجيع نفسك، أو تكرار التوكيدات الإيجابية بصوت عال لنفسك.
6-مهارة مقارنة الإيجابيات والسلبيات
تستخدم مهارة المقارنة بين الإيجابيات والسلبيات عندما تحتاج إلى اتخاذ قرار بين خيارين أو أكثر.
اكتب مميزات وعيوب التصرف بناء على الإلحاحات التي تدفعك إليها عواطفك، ثم دوّن مميزات وعيوب كل خيار من الحلول المتاحة، وفكر في مدى فعالية كل خيار على المدى القصير والطويل وتأثيره على أهدافك،
عند حدوث الأزمة، راجع الإيجابيات والسلبيات التي دونتها، وتخيل النتائج الإيجابية لمقاومة الإلحاح، وفكر في العواقب السلبية للاستسلام له.
إن مهارات علاج السلوك الجدلي تحتاج إلى الكثير من التكرار حتى تصبح ماهرا في التصرف بحكمة وفاعلية بشكل تلقائي ودون تفكير، ولكن للوصول لذلك تحتاج للمحاولة والمثابرة، وستشعر بتغير ملحوظ في أفكارك ومشاعرك وتصرفاتك.