لا تزال البصمات التي خلفها الأكراد أثناء الذود عن مدينة القدس شاهدةً في أزقتها القديمة، ومنها “طريق الهكاري” المنسوب للأكراد في جيش صلاح الدين الأيوبي القادمين من منطقة هكاري أقصى جنوبي شرقي تركيا.
خلف كل حجر من الحجارة المستخدمة في بناء شوارع وخانات وأسواق ومنازل البلدة القديمة المسورة، هناك قصة تنتظر من يكتشفها.
وتعد قصة القادمين من هكاري للمشاركة في صفوف جيش تحرير القدس من الصليبيين قبل قرون، واحدة من تلك القصص.
طريق الهكاري
يقع “طريق الهكاري” بالقرب من المسجد الأقصى، وينسب لأكراد هكاري (نسبة لقبيلة كردية تحمل الاسم نفسه) الذين شاركوا في جيش صلاح الدين الأيوبي (ينتسب أيضا لعشيرة الرَّوادية الكردية وأصلها بالقوقاز) في تحرير القدس من الجيوش الصليبية، واستقروا فيها بعد التحرير.
وعيسى بن محمد الهكاري أحد أبرز أسماء هؤلاء المشاركين من هكاري في الدولة الصلاحية وجيش صلاح الدين للذود عن مدينة القدس، إذ استشهد أثناء قتاله الصليبيين في مدينة عكا، ودفن في ساحة منزل تاريخي في “طريق الهكاري”.
عيسى بن محمد الهكاري
وبحسب المؤرخين، كابن الأثير في كتابه “الكامل في التاريخ” وابن كثير في كتابه “البداية والنهاية” وتاج الدين السبكي في كتابه “طبقات الشافعية الكبرى”، فإن عيسى بن محمد الهكاري كان من علماء الفقه البارزين آنذاك وكبير مستشاري صلاح الدين.
وتلقى عيسى الهكاري العلوم على يد كبار العلماء آنذاك في مدارس الجزيرة وحلب، وكان من أوائل الذين خرجوا للجهاد ضد الصليبيين.
واتصل الهكاري بالقائد أسد الدين شيركوه عمّ صلاح الدين الأيوبي، وتوجّه معه إلى مصر، ثم دخل في خدمة صلاح الدين بتوجيهٍ من عمه شيركوه.
وترقى الهكاري إلى أعلى مناصب الدولة، وتم تعيينه قاضيًا للقاهرة بعد سيطرة صلاح الدين على مصر، ثم أصبح مستشارا للسلطان صلاح الدين، وتولى قيادة جيشه.
وفي عام 1187م، استطاع المسلمون بقيادة صلاح الدين الأيوبي تحرير مدينة القدس، وكان الهكاري من المشاركين في التحرير.
واستشهد عيسى الهكاري في حصار عكا عام 1189م، ونقل جثمانه إلى القدس.
ولا يزال اسم الهكاري حيا في شوارع المدينة، ومحفورا في ذاكرة الفلسطينيين الذين يعيشون في البلدة القديمة في الوقت الحالي.
وفي حديثه للأناضول، تطرّق الفلسطيني أبو أشرف الدعاس (78 عاما) إلى عيسى الهكاري والقادمين من ولاية هكاري.
وقال إن “الشيخ عيسى الهكاري هو أحد القادة الدينيين الذين أتى بهم صلاح الدين الأيوبي عندما حرر مدينة القدس وأعادها إلى الأمة الإسلامية. كان عالما جليلاً وأحد قادة جيشه (الأيوبيين) واستشهد في عكا”.
وأضاف “ووري جثمان الهكاري مع جثامين أصحابه الذين استشهدوا معه في حي الهكاري، وقبورهم لا تزال شاهدة في القدس”.
وتابع الدعاس “كان الشيخ عيسى الهكاري قد أنشأ مدرسة لتعليم القرآن والسنة النبوية بالقدس”.
واختتم بالقول “منذ تحرير القدس، يطلق على هذا الشارع اسم الهكاري، وهكذا يعرف. اسم طريق الهكاري ظل كما هو دون تغيير خلال الاحتلال الإسرائيلي للقدس الشرقية أيضا في العام 1967”.
“درباس الكردي الهكاري”
ووُجد الأكراد في القدس منذ عهد صلاح الدين، بحسب مصادر تاريخية، إضافة إلى مدن الخليل وعكا ونابلس وغيرها، وعرفت إحدى حارات القدس القديمة بحارة الأكراد (تسمى الآن حارة الشرف). وعلاوة عن الجنود وعائلاتهم، عرف تاريخ الأكراد في القدس شيوخا عملوا في المدرسة الصلاحية التي أنشأها السلطان صلاح الدين بعد تحرير القدس في سنة 583 هـ/ 1187 م، ووقفها في عام 588 هـ/ 1192م.
ويعتبر درباس بدر الدين الكردي الهكاري أحد أبرز علماء الفقه الذين استقروا في القدس بعد فتحها، ويوجد قبره في البلدة القديمة.
ألقى درباس الهكاري دروسا في “المدرسة الجاولية” التي تأسست في القرن الـ13.
ودُفن درباس في حديقة المدرسة الجاولية المعروفة حديثا باسم “المدرسة العمرية” التي توفر التعليم في المرحلة الابتدائية.