مظاهرة احتجاجية أمام سفارة ميانمار بالعاصمة الفلبينية مع دخول البلاد عامها الثالث في ظل حكم الانقلابيين (الأوروبية)

مظاهرة احتجاجية أمام سفارة ميانمار بالعاصمة الفلبينية مع دخول البلاد عامها الثالث في ظل حكم الانقلابيين (الأوروبية)

يوافق اليوم الأربعاء الذكرى السنوية الثانية للانقلاب العسكري الذي قام به جيش ميانمار (بورما-سابقا) متذرعا بتزوير الانتخابات التي سبقت انقلابه، لإحكام قبضته على مقاليد الحكم، ومطيحا بالواجهة المدنية الهشة المتمثلة في الحكومة المدنية التي وضع العسكر الدستور الذي قامت عليه، كما أعاد التأكيد على أن “حكم العسكر” هو المعطى الثابت الذي تقوم عليه الحياة السياسية في هذا البلد.

أول فبراير/شباط 2021، نشر جيش ميانمار قواته وعرباته المدرعة في شوارع العاصمة نايبيداو، واعتقل العديد من الأشخاص، بينهم مستشارة الدولة أونغ سان سوكي. واستعاد قائد الجيش مين أونغ هلاينغ السلطة وركز السلطات التشريعية والإدارية والقضائية بين يديه، في حين تم تعيين الجنرال مينت سوي رئيسا مؤقتا.

 

الانقلاب العسكري الذي شهدته ميانمار قبل عامين ليس الأول من نوعه في تاريخ البلاد التي حكمها العسكر لأكثر من 50 سنة من 75 عاما منذ حصولها على الاستقلال عن الحكم الاستعماري البريطاني عام 1948، ودمر الانقلاب الديمقراطية الوليدة التي جاءت بعد مساع دامت 10سنوات

ويعتبر كياو هتوي، المسؤول في الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية في ميانمار أن “السبب الرئيسي للانقلاب العسكري هو جنون السلطة لدى الدكتاتورية العسكرية، وجشعها للسيطرة على جميع قطاعات البلاد للأبد، بغض النظر عن احتياجات الناس ومصالحهم”.

التردي

ومع دخول البلاد عامها الثالث تحت نير الجيش تزداد الصورة قتامة، ويبدو الوضع المأزوم أكثر تأزما حيث تعيش البلاد في ظل حرب أهلية، بينما العقوبات الغربية فشلت في احداث تأثير على جنرالات جيش في تلك الدولة الواقعة جنوب شرق آسيا والتي كانت تعد واحدة من أغنى دول المنطقة وباتت في حالة يرثى لها، والمستفيد الوحيد من الحالة هم جنرالات الجيش.

تجمع تقارير المنظمات الحقوقية على ترد شامل في حقوق الإنسان إلى جانب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، المدنية والسياسية. فبعد عامين من الانقلاب غرقت البلاد في حالة من الفوضى، ولا تزال عالقة في معركة استنزاف مميتة بين المجلس العسكري الحاكم وقوات المقاومة المسلحة، والمتوقع أن تزداد دموية قبل الانتخابات العامة التي أعلن الجيش عزمه إجراءها في أغسطس/آب المقبل في البلاد البالغ عدد سكانها 54 مليون نسمة.

 

منذ انقلاب الجيش انتشرت في جميع أنحاء البلاد مئات المليشيات المحلية التي يطلق عليها اسم قوات الدفاع الشعبية، أو قوات الدفاع الشعبي، لمقاومة حكم الجيش. وتقول الأمم المتحدة إن أكثر من 1.2 مليون شردوا بسبب القتال منذ الانقلاب، وهو عدد لا يزال يتزايد بعشرات الآلاف كل شهر. ووفق منظمة “مساعدة السجناء السياسيين “غير الحكومية اعتقلت قوات الأمن بشكل تعسفي أكثر من 16 ألف ناشط ومؤيد للديمقراطية وقتلت ما لا يقل عن 2300.

وفي يوليو/تموز الماضي، أعدم الجيش 4 سجناء سياسيين. وتقضي سان سوكي، زعيمة الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية، حُكما بالسجن 33 عاًما بعد محاكمات عسكرية جرت خلف الأبواب المغلقة بتهم الفساد وجريمة التحريض وانتهاك قانون الأسرار الرسمية والتهم الأخرى ذات الدوافع السياسية.

ونفذ الجيش هجمات برية وجوية عشوائية أسفرت عن سقوط عدد كبير من المدنيين. ومنذ الانقلاب، تسببت الاشتباكات في نزوح أكثر من مليون شخص داخل ميانمار، في حين فر 70 ألف لاجئ آخرين إلى الدول المجاورة.

الجنرال مين أونغ هلاينغ رئيس المجلس العسكري في ميانمار لدى حضوره اجتماعا حول الأمن الدولي بالعاصمة الروسية (رويترز ـ أرشيف)

الأزمة الاقتصادية

وفي ظل حكم العسكر، بات سكان ميانمار -التي تبلغ مساحتها مساحة فرنسا- يعانون من ارتفاع أسعار السلع الأساسية وانقطاع التيار الكهربائي وصعوبات النقل، فضلا عن انتشار الجريمة وانعدام القانون. ويقول المحلل السياسي ثان سوي نينج “إن حوالي 50% من بلادنا في حالة تفكك”.

وفي مؤشر على تراجع الثقة بالمجلس العسكري، تراجعت قيمة العملة المحلية (الكيات) بنسبة 50 % خلال العامين حتى ديسمبر/كانون الثاني 2022، وفقا لتقرير صادر عن البنك الدولي الشهر الماضي. كما أصبحت سبل عيش الناس أكثر صعوبة، وإذا استمر الأمر على هذا النحو فسيزداد الوضع سوءا.

وبعد عامين من الانقلاب قفزت ميانمار لتحتل المرتبة الـ 17 في قائمة أكثر دول العالم فسادا حسب أحدث مؤشرات الفساد لمنظمة الشفافية الدولية، لتحل محل كمبوديا باعتبارها أسوأ دولة جنوب شرق آسيا في مجال الكسب غير المشروع لأول مرة منذ عقد من الزمان وقبل كوريا الشمالية فقط بآسيا من حيث الحكومة النظيفة.

 

وكغيره من الجيوش المهيمنة في أكثر الدول المحكومة بالعسكر، يهيمن جيش ميانمار على اقتصاد البلاد، ولديه إمبراطورية اقتصادية شاسعة، ويتملك اثنين من أكبر التكتلات الاقتصادية وهما “اتحاد ميانمار الاقتصادي، شركة ميانمار الاقتصادية”.

وتعمل الشركات المملوكة للجيش في العديد من القطاعات، بما في ذلك التعدين والطاقة والبنوك والتأمين والاتصالات والنقل والسياحة وتكنولوجيا المعلومات، مما يضمن مصدرا مهما ومستمرا لثروة الجنرالات.

يضاف إلى ذلك أن معظم الأراضي مملوكة للحكومة. وللجنرالات تاريخ في الاستيلاء على الممتلكات التي يريدونها وتسليمها إلى شركاتهم المفضلة، ويتمتع القائد العام للجيش بالسلطة على العديد من قرارات استخدام الأراضي من خلال وزارة الداخلية. ولم تطبق العقوبات التي فرضها مجلس الأمن الدولي أبدًا على ميانمار، نظرًا للعلاقات الوثيقة مع الصين وروسيا.

ويقدر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية عدد من هم بحاجة إنسانية ماسة للمساعدة الإنسانية بما لا يقل عن 17.6 مليون شخص حيث أدى القتال الذي اندلع منذ الانقلاب إلى نزوح أكثر من مليون شخص داخليًا بينما فر 70 ألف لاجئ آخرين إلى البلدان المجاورة.

وتقول “هيومن رايتس ووتش” إن المجلس العسكري في ميانمار وسع نطاق استخدامه للقوة المميتة والإجراءات القمعية لقمع كل المعارضة. منذ الانقلاب، داعيا الحكومات الأجنبية تنسيق الضغط المتزايد على المجلس العسكري لتأسيس الحريات الأساسية والحكم المدني الديمقراطي.

 

وفي هذا الاطار، تلقى القضاء الألماني قبل أسبوع شكوى قضائية ضد جنرالات جيش هذه الدولة الواقعة جنوب شرق آسيا تتهمهم بارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بعد الانقلاب مطلع فبراير/شباط 2021، وما سبقه من جرائم تطهير عرقي بحق مسلمي الروهينغا عام 2017.

والشكوى هي الأحدث من نوعها، ضمن الشكاوى التي تسعى إلى استخدام مبدأ “الولاية القضائية العالمية” لتقديم جنرالات جيش ميانمار إلى العدالة، واتخاذ إجراءات قانونية بموجب هذه الولاية حيث يجري بالفعل تحقيق بشأن تصرفات جنرالات ميانمار في محكمة العدل الدولية، في حين أن قضية الإبادة الجماعية معروضة على المحكمة الجنائية الدولية. كما رفع نشطاء حقوقيون قضايا أمام المحاكم الوطنية في الأرجنتين، وتركيا وإندونيسيا.

ونظرا للاستجابة الدولية غير الفعالة تجاه الانقلاب وحملة الإرهاب التي يشنها المجلس العسكري في ميانمار، اتخذ نشطاء حقوق الإنسان أساليب قانونية جديدة لتقديم الجنرالات البارزين إلى العدالة بما فيها مبدأ “الولاية القضائية العالمية”. وتوضح منظمة “ووتش” أن هذا المبدأ يؤكد أن “لكل دولة مصلحة في تقديم مرتكبي جرائم معينة ذات اهتمام دولي إلى العدالة، بغض النظر عن مكان ارتكاب الجريمة أو عن جنسية الجناة أو ضحاياهم”.

البحث عن شرعية

بحثا عن الشرعية، يأمل المجلس العسكري في تنظيم انتخابات جديدة قبل أغسطس/آب المقبل بعد عامين من الانقلاب، لكن المراقبين يرون في ذلك مخاطرة بإثارة حمامات دم جديدة، في ظل استمرار المقاومة المسلحة للانقلاب، حيث لا تزال البلاد في قبضة القتال العنيف بين القوات المسلحة والمعارضة المسلحة، ويواجه الجيش البورمي صعوبة على الأرض ، وهو متهم بارتكاب جرائم حرب وقصف السكان المدنيين.

ويرى معارضو المجلس العسكري أن أي انتخابات يديرها النظام ستكون مزورة، وستؤدي إلى حكومة مدنية بالاسم فقط. وقال ريتشارد هورسي، كبير مستشاري مجموعة الأزمات الدولية، عن الصراع “لن يكون هناك حل عسكري، والحل السياسي يبدو بعيد المنال”.

 
المصدر : الجزيرة

About Post Author