فيلم “الشارع الشهيد”.. حكايات دامية عن “زلزال شارع الوحدة” في غزة
في غزة الشوارع تموت قتلا -كما الفلسطيني- بنيران قوات الاحتلال الإسرائيلي. موت ليس كأي موت، إنها تنزف وجعا وذكريات، وتترك آثارا تقاوم النسيان.
هناك في غزة، حيث الموت ليس موسميا كالأمطار، يطل عليك من الآبار الجافة، من أنابيب الأكسجين الفارغة، من النوافذ الباكية، من الطرقات المختنقة بالدم، من الجدران النابضة بالقهر، من خزانة الملابس الفارغة، ومن لعب الأطفال المتناثرة. الموت في غزة ليس فجائيا أبدا، بل الحياة هناك تأتي فجأة.
هذه ليست مجرد كلمات؛ إنها حكايات حقيقية، حوّلها المخرج الفلسطيني أيمن العمريطي إلى فيلم وثائقي، فاز حديثا بجائزة “مهرجان العودة الدولي الثاني للأفلام” في غزة.
الشارع الشهيد
“مات الشارع”، كلمتان تحملان من البلاغة الكثير، وردتا على لسان علاء أبو العوف، واستلهم منهما المخرج العمريطي اسم فيلمه “الشارع الشهيد”، ويروي من خلاله حكايات مؤلمة عن “شارع الوحدة” أحد أكبر وأعرق الشوارع في مدينة غزة، الذي تعرض لأبشع الجرائم الإسرائيلية خلال الحرب الأخيرة في مايو/أيار العام الماضي.
أبو العوف فقد زوجته وعددا من أبنائه، من بين عشرات الضحايا الآخرين، الذين انهارت منازلهم فوق رؤوسهم في إحدى ليالي الحرب، عندما انهمرت عليهم أطنان من المتفجرات ألقتها طائرات إسرائيلية، أحدثت ما يشبه “الزلزال”، خطف أرواحا بريئة من الرجال والنساء والأطفال، وغيّر ملامح الشارع إلى الأبد.
واعتمد العريطي على مشاهد حقيقية لـ”مجزرة شارع الوحدة”، توثق لحظات دامية ومؤلمة لأطفال يتم انتشالهم أحياء بعد ساعات من الرعب قضوها تحت ركام منازلهم، ومن بينهم بنات أبو العوف.
تقول ميار أبو العوف في أحد مشاهد الفيلم -والدموع تنهمر من عينيها- إن الاحتلال حرمها حتى من لحظة وداع أسرتها وأحبتها.
وبعدما نفث الكثير من الغضب والقهر مع دخان سيجارته، قال علاء إنه يحاول عبثا نسيان ما جرى، وتجنب مجرد سماع أغنية إذا كانت ستنبش ذاكرته حول هذه المجزرة.
وسام للشهداء
فيلم “الشارع الشهيد” هو الوثائقي الأكبر للمخرج العمريطي، بعد سلسلة “حلقات يومية قصيرة”. ويقول للجزيرة نت إنه يركز في جميع أعماله على توثيق الحياة اليومية للشعب الفلسطيني، وأبرز الأحداث، خصوصا تلك المرتبطة بالجرائم الإسرائيلية، التي تتوقف ضد الفلسطينيين، وتحديدا في غزة.
ويؤمن العمريطي بقيمة التوثيق كي تبقى “الذاكرة الوطنية حية ولا تسقط جرائم الاحتلال بالتقادم وتوالي السنين”، واصفا التوثيق من خلال الأعمال الفنية والأدبية بأنه بمثابة “القلب النابض لذاكرة الفلسطينيين”.
وللعمريطي نحو 400 فيلم قصير، وهي أفلام تتناول قضايا سياسية ومجتمعية، بثتها وسائل إعلام محلية، وغالبيتها -وفق تأكيده- يتم توزيعها والسماح ببثها بالمجان، من منطلق ما وصفها بـ”المسؤولية الوطنية”.
وعن فيلمه الأخيرة “الشارع الشهيد”، لا يخفي العمريطي شعوره بالفخر لفوزه بجائزة مهرجان العودة في غزة، وينظر لهذه الجائزة على أنها “وسام لكل شهداء شارع الوحدة، الذين فقدوا أرواحهم غدرا بنيران طائرات إسرائيلية نثرت الموت والدمار فوق منازلهم الآمنة”.
ويعتقد العمريطي -وهو كما غالبية سكان مدينة غزة تربطهم ذكريات وحكايات مع “شارع الوحدة”- أن الاحتلال ارتكب مجزرته مستهدفا “رمزية الشارع” قبل استهدافه للبشر، ويقول “كانت مجزرة ضد معالم الشارع من منازل ومساجد وشجر وبشر.. مجزرة استهدفت أحد أكثر الشوارع أمنا وحيوية وينبض بالحياة ليلا ونهارا، لضرب حالة الوحدة المجتمعية”.
جائزة العودة
ويتطلع العمريطي للمشاركة بفيلم “الشارع الشهيد” في مهرجانات ومسابقات خارجية، وعرضه في قنوات عربية ودولية، بهدف المساهمة في “تعرية” الاحتلال والكشف عن “وجهه القبيح” وما يرتكبه من جرائم يومية ضد الفلسطينيين.
وقال رئيس اللجنة التحضيرية لمهرجان العودة الدولي الثاني للأفلام سمير أبو محسن للجزيرة نت إن 51 فيلما تقدم بها أصحابها للمنافسة على جوائز هذه الدورة من المهرجان، التي أطلق عليها “دورة سيف القدس”، وخصصت لأعمال فنية تتناول قضايا مرتبطة بالحرب الإسرائيلية على غزة في مايو/أيار من العام الماضي.
وقسمت لجنة المهرجان المسابقة إلى 3 أنواع؛ هي “أفلام وثائقية قصيرة وطويلة ومتوسطة، وأفلام رسوم متحركة، وأفلام موبايل”، وفق أبو محسن، الذي قال إن لجنة التحكيم المكونة من خبراء ومختصين في الداخل والخارج منحت جائزة تقديرية خاصة لشهيدة الصحافة الفلسطينية شيرين أبو عاقلة.
وأشاد أبو محسن بمستوى غالبية الأفلام المتنافسة وجودتها، والتي أعطت “مؤشرات إيجابية مبشرة”، رغم الواقع المرير الذي يحيط بصناعة الأفلام في غزة، بسبب الحصار والقيود الإسرائيلية المفروضة على توريد الأجهزة والمعدات الحديثة.