آدم بيسة أو علي في فيلم حرقة (مواقع التواصل الاجتماعي)

آدم بيسة أو علي في فيلم حرقة (مواقع التواصل الاجتماعي)

استطاع المخرج التونسي لطفي ناثان أن يحقق نجاحا مزدوجا بفيلمه الروائي الأول “حرقة” المدعوم من مؤسسة الدوحة للأفلام، إذ فاز بجائزة أفضل إخراج من مهرجان البحر الأحمر الذي اختتم الأسبوع الماضي، كما حصل على الكثير من الثناء من قبل النقاد في العالم العربي.

ويستلهم ناثان في الفيلم قصة التونسي محمد البوعزيزي الذي أضرم النار بجسده احتجاجًا على مصادرة البلدية لمصدر رزقه الذي كان عبارة عن عربة صغيرة لبيع الخضروات والفواكه. كان رد فعل البوعزيزي هو البداية التي أشعلت الغضب التونسي والعربي ليشكل ملامح الربيع العربي في معظم الدول المجاورة لتونس.

 

يختبر لطفي ناثان الحياة بعد 10 سنوات من الثورة، ويطرح تساؤلات بصرية حول كيف أصبحت تونس؟ هل تغيرت البلاد لتتسع لأمثال هذا الرجل الفقير؟ وما الذي يعنيه إعادة تمثيل رواية يعرف الناس نهايتها منذ البداية؟

غضب

تدور قصة فيلم “حرقة” في واقع شبيه بذلك الذي عاشه البوعزيزي. يعيش الشاب التونسي “علي”، ويعمل في بيع الغاز المهرب في شوارع تونس بعدما أجبر على تحمل مسؤولية أختيه الصغيرتين بعد الوفاة المفاجئة لوالده، ولكنه يضطر لاتخاذ قرار صعب لا يمكن الرجوع فيه حول مصيره.

يقدّم الممثل التونسي آدم بيسة شخصية “علي”، ويعتبر النقطة الأكثر قوة في الفيلم نظرا لأدائه المميز، والذي ساعدته فيه ملامحه الحادة الغاضبة تلقائيا ووجهه الصارم.

عبّر بيسة عن انفعالات شخصية لا تتحدث كثيرًا على مدار الفيلم، لكننا نرى آثار أحاديث وأفعال الآخرين على وجهه.

تحكي ملامح وجه “علي” وانفعالاته قصة التحولات داخل الفيلم بشكل مستقل، وترصد عن تلك الآثار المدمرة للآخرين على روحه. استخدم لطفي ناثان ذلك الثراء التعبيري لوجه بطله في الدفع بسردية موازية قدمها بطل غاضب وصامت، لذلك جاء استخدام اللقطات المكبرة جدا لوجه البطل لرصد تلك الانفعالات بينما يتحدث الآخرون.

 

التصوير القريب من وجه البطل والتجاهل المتعمد للآخرين في كثير من الأحيان، حوّل الفيلم من كونه دراسة مجتمعية واسعة للداخل التونسي إجمالًا إلى اعتباره دراسة نفسية للبطل، الذي لا يهتم كثيرًا بمجتمعه قدر اهتمامه بالخروج منه أو بفهم نفسه في الأساس.

يدرك “علي” استحالة الاستمرار في مجتمع تقمعه الشرطة بهذا الشكل، ويهدف منذ بداية الفيلم إلى الخلاص عبر الخروج من وطنه، كما يظهر التأثير الصفري شبه المعدوم الذي نتج عن الثورة، لكن المخرج يختار أن يكون كل ذلك جانبيا أمام صراع “علي” الشخصي للنجاة كممثل للجميع.

يبرر الفيلم غضب البطل المتصاعد من خلال التعامل غير الآدمي الذي يلقاه من الشرطة التونسية التي لا تتيح بديلا لعلي وأمثاله للعيش، ولا تترك لهم مساحة صغيرة للرزق دون اقتطاع أموالهم بقوة السلطة.

وينقل المخرج قصة الشاب التونسي في إطار صورة تساعد على قتامة المشهد العام باختيار مواقع التصوير داخل مكان فقير بصريا، أو داخل الصحراء الفارغة من كل معنى.

بالرغم من كوننا نستمع إلى القصة من خلال عين أخته الصغيرة التي تحبه أكثر من أي شيء مع قلة حديثه وهروبه لأعوام خارج المنزل، فإننا لا نقف كثيرًا أمام تصرفاته أو سحر حضوره بينهم.

يتفق الجميع مع البطل على ضرورة التفكير فيما بعده، تمامًا مثلما تعلق الأخت الصغيرة على صورته بقولها إنها تريد فقط أن تخبره أنها تحبه، حتى مع قلة كلامه وتهوره.

تكرار

في تحول مصيري يقرر “علي” أن يكسر القانون الذي أصبح لا يؤمن بممثليه ويطلب من المعلم الذي يدير شبكة تهريب البنزين عبر الحدود أن يجعله يقوم بعملية تهريب كمية كبيرة من البنزين في شاحنة مقابل مبالغ أكبر من تلك التي يحصل عليها.

 

هذا التحوّل يصبح الحل الأمثل لعلي، لكن مطالبة الشرطة له بالحصول على المزيد من المال تجعله يفقد الأمل، فيقرر التنازل عن كل شيء والانتحار.

ثمة معنى فلسفي في الأمر تمثّله تلك الفكرة المكررة، ما الذي يعنيه للمشاهد الذي يعرف بداياتها منذ اللحظة الأولى.

يعيد المخرج إنتاج قصة معروفة لإعطاء مساحة للمشاهد للإجابة مرة أخرى، هل أخطأ علي أو البوعزيزي أو غيرهما في قرار التخلص من حياتهم في ظل مثل تلك الحياة؟

“حرقة” هي كلمة تحمل معاني ممتدة، ربما حرقة يحملها البطل المكلوم في صدره دون إرادته أو ربما حرقة رجل يريد السفر وقطع كل سبل العودة مرة أخرى لبلد مقموع، لكنه سيبقى تعبيرا على وجه البطل، خاصة في مشهد النهاية المرعب.

إنها “حرقة” تخصه وحده، ولا تعني الآخرين الذي يواجهون المصير ذاته حتى لو كانوا لا يعلمون ذلك.

المصدر : الجزيرة

About Post Author