القاهرة- امتدت أزمة التقلب العنيف لقيمة العملة المحلية (الجنيه) في مصر إلى تحويلات المواطنين العاملين بالخارج، ووضعت حدا للزيادة المطردة في حجم التحويلات التي وصلت إلى رقم قياسي بلغ 31.9 مليار دولار خلال العام المالي المنتهي في يونيو/حزيران 2022.

وانخفضت تحويلات المصريين العاملين بالخارج بمعدل 20.9% لتسجل نحو 6.4 مليارات دولار مقابل نحو 8.1 مليارات، بحسب ما جاء في تقرير ميزان المدفوعات خلال الربع الأول (الفترة يوليو/تموز إلى سبتمبر/أيلول) من السنة المالية 2022/2023 الصادر عن البنك المركزي المصري.

 

وأصبحت مصر أعلى خامس دولة في تلقي التحويلات من الخارج على مستوى العالم عام 2021، بحسب البنك الدولي، وتُشكل مصدرا رئيسيا لموارد البلاد من النقد الأجنبي مع الصادرات، وتُمثل نحو 7% من إجمالي الناتج المحلي.

ولعبت تحويلات المصريين المغتربين دورا كبيرا في توفر العملة الأجنبية في البلاد، حتى مع تفاقم تداعيات أزمة كورونا خلال العام 2020/2021 ارتفعت قيمة التحويلات بشكل مطرد وبلغت 31.4 مليار دولار مما جعلها فرس الرهان لتعويض النقص في إيرادات قطاعات حيوية مثل السياحة التي تضررت بقوة.

الجنيه والسوق السوداء

جاء هذا الانخفاض الكبير نسبيا مدعوما بتقلبات سعر الصرف، بحسب الباحث الاقتصادي إلهامي الميرغني، والذي بدأ في أعقاب خفض قيمة الجنيه بأكثر من 15% في مارس/آذار 2022 ليهبط إلى نحو 18.40 جنيها مقابل 15.70 جنيها، وبلغ ذروته مع تجاوز سعر الدولار 30 جنيها.

ويضيف للجزيرة نت أنه نتيجة هذه التقلبات الحادة والانخفاض المستمر في قيمة الجنيه فضّل بعض المصريين بالخارج تأجيل تحويلاتهم، أو أنهم قاموا بتحويل أموالهم من خلال مصارف غير رسمية، أي ليس عبر البنوك للاستفادة من فرق سعر الصرف بين “المركزي” والسوق السوداء التي برزت بقوة منذ بدء خفض قيمة الجنيه.

وأشار الميرغني إلى أن بعض المستوردين والتجار أقاموا مراكز لتجميع العملة بالدول الخليجية، أكبر مصدر لتحويلات المصريين العاملين بالخارج، من أجل تسوية صفقات تجارية لديهم، أو للمضاربة على سعر الدولار.

وتوقع الخبير الاقتصادي أن يستمر التراجع في تحويلات المصريين إلى أن يستقر سعر صرف الدولار مقابل الجنيه وتعود الثقة بين هؤلاء المغتربين والجهاز المصرفي، لافتا إلى أن سعر الصرف لا يزال لا يعبر عن القيمة الحقيقية للجنيه.

وأعلن “المركزي” نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2022 أنه سيعتمد نظام سعر مرن لصرف قيمة الجنيه مقابل العملات الأجنبية، استنادا لآلية العرض والطلب بالسوق.

الجنيه المصري.. من قمة العملات إلى قاعها المصدر: الجزيرة الوثائقية
تحويلات المصريين المغتربين لعبت دورا كبيرا في توفر العملة الأجنبية (الجزيرة)

قفزة بإيرادات السياحة

وجاءت إيرادات السياحة -خلال الربع الأول من العام المالي الجاري- أفضل من المتوقع، وذكر “المركزي” في تقرير ميزان المدفوعات أنها ارتفعت بمعدل 43.5% لتسجل نحو 4.1 مليارات دولار مقابل نحو 2.8 مليار، وقفز عدد السائحين الوافدين إلى البلاد بمعدل 52.2% ليسجل نحو 3.4 ملايين سائح.

وساهمت النتائج الإيجابية لإيرادات السياحة -إلى جانب زيادة حصيلة الصادرات السلعية البترولية وغير البترولية، وتصاعد حصيلة رسوم المرور في قناة السويس- في تحسن معاملات الاقتصاد المصري مع العالم الخارجي وتحسن عجز حساب المعاملات الجارية بمعدل 20.2% ليسجل نحو 3.2 مليارات دولار.

وبلغت إيرادات السياحة خلال السنة المالية 2021-2022 نحو 10.7 مليارات دولار، مع الأخذ في الاعتبار التأثيرات السلبية للأزمة الروسية الأوكرانية، بحسب بيان المركزي المصري.

هل تعوض تراجع التحويلات؟

تقول الحكومة إنها تعمل على برنامج طموح من أجل زيادة عدد الزائرين إلى 30 مليون شخص سنويا، أي أكثر من ضعف أعلى رقم حققته مصر في تاريخها، وهو 14.7 مليون زائر عام 2010 بإيرادات بلغت 12.5 مليار دولار.

ويرى الميرغني أن زيادة إيرادات السياحة بنحو 1.3 مليار دولار لا تعوض التراجع في تحويلات المصريين المغتربين البالغ 1.7 مليار دولار؛ لأن العبرة في محصلة الإيرادات من جميع المصادر والتي تأتي على رأسها التحويلات من الخارج.

وتمثل عائدات السياحة -في الظروف الطبيعية- نحو 12% من الناتج المحلي الإجمالي، ونحو 15% من إيرادات مصر من العملات الأجنبية، وتعد ثالث أكبر مصدر للدخل الأجنبي بعد الصادرات وتحويلات المصريين العاملين بالخارج.

ويسهم قطاع السياحة بمصر في إيجاد فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، ويقدر عدد العاملين فيه بحوالي 3 ملايين، وهو ما يمثل نحو 10% من إجمالي قوة العمل، بحسب دراسة لمعهد التخطيط القومي في مايو/أيار 2020.

صورة استضافة مجانية للسياح الأوكران بمنتجات مصر- مدينة شرم الشيخ- تصوير المراسل
عائدات السياحة تمثل في الظروف الطبيعية نحو 15% من إيرادات مصر من العملات الأجنبية (الجزيرة)

أسباب ارتفاع إيرادات السياحة

ويرى أحمد عطية وكيل وزارة السياحة رئيس قطاع الفنادق والقرى السياحية سابقا أن إيرادات السياحة خلال الربع المالي الأول مؤشر على زيادة الحصيلة السنوية، والتي من المتوقع أن تفوق التوقعات بدعم من رفع القيود على السفر والتنقل، وانتهاء أزمة جائحة كورونا ورغبة الناس في التحرر من آثارها.

ويضيف للجزيرة نت أن مساعي الحكومة الحثيثة في جذب السياح عبر بعض الإجراءات والقرارات ساهم في إنعاش قطاع السياحة الذي عانى بقوة خلال السنوات القليلة الماضية، رغم دوره الكبير في الاقتصاد المصري وزيادة معدلات النمو، وتوفير العملة الصعبة، وتشغيل الأيدي العاملة.

لكن عطية شدد على ضرورة التركيز على زيادة إيرادات السياحة أكثر من التركيز على عدد السائحين، مشيرا إلى أن العبرة بسخاء السائح وليس بالعدد، وضرورة العمل على استقدام سياح ينفقون بشكل مناسب يتناسب مع حجم وطبيعة إمكانيات البلاد السياحية التي لا تتوفر في الكثير من بلدان العالم ولكن ينقصها تحسين مستوى الخدمات.

وشكك الخبير السياحي في جدوى خفض أسعار الخدمات لجذب السياح، لأن الأسعار المتدنية تعني خدمة ضعيفة تسيء إلى السياحة المصرية، داعيا إلى المنافسة على السياحة الأثرية والثقافية حيث تملك مصر مقومات لا يملكها بلد آخر بدلا من التركيز على السياحة الشاطئية التي يتنافس فيها الكثير من دول العالم.

المصدر : الجزيرة

About Post Author