قمح الصحراء وشعيرها.. قصة نجاح يسطرها مزارعون أردنيون في مواجهة التغيرات المناخية
البادية الوسطى- في عمق الصحراء الأردنية بالبادية الوسطى تتمايل سنابل القمح والشعير الصفراء مع كل نسمة شرقية أو غربية، معلنة قدوم موسم وافر من الحصاد يُغني المزارعين، ويكثر البذور، ويواجه التغيرات المناخية وشح المياه والأمطار.
وتحت أشعة الشمس الصحراوية الحارقة، سطّر مزارعون أردنيون قصة نجاح تمثلت في زراعة سلالات من بذور القمح والشعير المحسنة، التي تتأقلم مع المناطق الصحراوية القاحلة، بالتعاون مع مركز البحوث الزراعية بمحافظة مأدبا (جنوبي الأردن).
فامتدت حقول القمح والشعير على مساحات كبيرة، فكان الإنتاج وفيرا وعاد الدونم الواحد (الدونم ألف متر مربع) بزيادة 100% عن المواسم السابقة المزروعة بأصناف تقليدية من البذور، واستطاع المزارعون تسخير التطور العلمي والتكنولوجي على البذور المحسنة والمعدة للزراعة في المناطق الصحراوية وتتحمل الجفاف والحر ومواجهة ظروف التغير المناخي.
ويستورد الأردن سنويا نحو 1.2 مليون طن من القمح للاستهلاك المحلي، 80% منها من رومانيا، والباقي من أوكرانيا ومناشئ أخرى، وسجلت كميات القمح الاحتياطية المتوفرة لدى المملكة نحو 800 ألف طن، تلبي حجة الاستهلاك المحلي 8 شهور قادمة، وبلغت قيمة مستوردات المملكة من القمح لعام 2021 ما قيمته 1.1 مليار دينار (1.5 مليار دولار)، وتعاني الموازنة العامة مع ارتفاع أسعار القمح عالميا بنحو 50% مع الأزمة الروسية الأوكرانية.
قمح أم قيس
ومع قدوم موسم الشتاء نهاية العام الماضي، حرث المستثمر يوسف أبو عبدون أرضه تمهيدا لزراعتها بأصناف القمح والشعير المحسنة، واستخدم -وفق حديثه للجزيرة نت- سلالة محسنة من القمح يطلق عليها “قمح أم قيس” ونوعية محسنة من الشعير تعرف بـ”شعير مؤتة”.
وما يميز هذا الصنف -كما يقول أبو عبدون- أن سنابله طويلة، ومحصولها أغزر، وساق النباتات أطول، ويتم جمع بقايا المحصول كأعلاف للحيوانات تعرف بـ”التبن والقش”، وتدخل في الخلطات العلفية للمواشي طوال العام، على حد قوله.
وتابع “كنت سابقا أزرع 100 دونم بالبذور البلدية العادية، لكن الإنتاج كان ضعيفا، ويصل إنتاج الدونم الواحد إلى 200 كيلوغرام، أما الموسم الحالي مع البذور المحسنة فزادت كميات الإنتاج 100%، فمردود الدونم الواحد يتراوح بين 400 و450 كيلوغراما، إضافة إلى زيادة كميات التبن والقش إلى 500 كيلوغرام للدونم”.
ويزرع أبو عبدون في هذا الموسم 250 دونما، وينوي زراعة 400 دونم بالبذور المحسنة نفسه الشتاء القادم.
ويرى خبراء في القطاع الزراعي أن مساهمة مثل هذه المشاريع وبتلك المساحات الصغيرة في تحقيق حاجة الأردن من القمح والشعير ستكون بسيطة ومحدودة، مقارنة بحاجة الأردن لزراعة 4 ملايين دونم من القمح والشعير لتحقيق الاكتفاء الذاتي.
ووفق مصدر بوزارة الزراعة الأردنية، فإن إنتاج المملكة من القمح سنويا يشكل 2% من حاجتها الغذائية، أما مادة الشعير فيشكل الإنتاج المحلي 5%، مما يؤشر على أن الأردن يستورد 97% من حاجته من القمح والشعير من الخارج، وأن إنتاج المملكة لا يكفي سوى 10 أيام.
كنوز الصحراء
وعلى سفح تلة صحراوية بمنطقة أم الرصاص بالبادية الوسطى، يزرع المستثمر حمد الصخري سلالات من البذور المحسنة، ويقول للجزيرة نت إن البذور تحتاج في بداية الموسم لكميات قليلة من السقاية إذا لم تتساقط الأمطار، وخلال الموسم الزراعي على مدى 6 أشهر تتم سقايتها 3 مرات، وإذا كان الموسم الشتوي غزيرا، فلا تحتاج لأي سقاية من الآبار الجوفية.
ويبيع الصخري محصوله لصالح مركز البحوث الزراعية، بواقع 550 دينارا (775 دولارا) لطن القمح، و470 (662 دولارا) لطن الشعير، وبسعر مدعوم لإنتاج سلالات من البذور المحسنة للموسم القادم.
قصة نجاح أبو عبدون والصخري وجيرانهما من المزارعين لا تخلوا من جملة تحديات، أبرزها ارتفاع تكاليف مستلزمات الإنتاج الزراعي من أسمدة ومبيدات ومعدات من أغطية وأنابيب، وارتفاع تكاليف الطاقة الكهربائية والمشتقات النفطية وعمليات النقل، وأسعار مياه الري.
وحسب مزارعين، فإن وزارة الزراعة ومركز البحوث الزراعية يقدمان إضافة إلى البذور المحسنة الدورات التدريبية للمزارعين، والزيارات الإرشادية، والمحاريث الزراعية وماكينات لرش المحاصيل إذا دعت الحاجة، وزيارات ميدانية خلال موسم الزراعة.
تكنولوجيا زراعية
وخصص مركز البحوث الزراعية بمحافظة مأدبا 6 أنواع من القمح والشعير تم تطويرها وتحديثها على مدى 15 عاما الماضية لتناسب المناطق الأردنية الشمالية والوسطى والجنوبية، وتتأقلم مع التغيرات المناخية وشح الأمطار، وتحقق وفرة في الإنتاج تزيد على 50% من الأنواع الأخرى، وفق حديث مدير المركز عوض الكعابنة.
وأضاف الكعابنة أن السنوات القليلة الماضية تم تعميم البذور الجديدة على عدد من المزارعين بهدف إكثارها، ويتم شراء إنتاج المحاصيل من المزارعين بسعر مدعوم لصالح المركز الوطني لتعقيمها وتجهيزها للموسم القادم.
ووفق خبراء ومختصين فمثل هذه المشاريع الريادية لمزارعين تؤشر على حلول طويلة الأمد ومستدامة لمشكلة استيراد القمح والشعير، وتضع خططا لتحقيق الاكتفاء الذاتي من هاتين المادتين المهمتين، إضافة إلى رمزية مكان الزراعة في منطقة صحراوية قاحلة شحيحة الأمطار، وتوسع المزارعين لزراعة أراض جديدة في المناطق ذاتها.
ووافق مجلس الوزراء الأردني على شراء محصولي القمح والشعير بنوعيه بذور ومواني من المزارعين، معتمدا أسعار شراء القمح بين 450 و500 دينار للطن (592 و702 دولار) حسب نوعه، واعتماد أسعار الشعير من 370 إلى 420 دينار (521 إلى 592 دولارا) للطن، حسب نوعه.
محاصيل إستراتيجية
بدأ الأردن تنفيذ خطط للتوسع في زراعة القمح والشعير وعدد من المحاصيل الإستراتيجية، حسب خبراء ومختصين، وذلك من خلال إقامة مشاريع واعدة بدأتها القوات المسلحة الأردنية بالتعاون مع شركات في القطاع الخاص في المناطق المستعادة من الاحتلال الإسرائيلي الغمر والباقورة، إضافة إلى تلك المبادرات الزراعية الفردية التي قد تؤتي أكلها مستقبلا إن وجدت رعاية حقيقية.
وأطلق صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي الأردني مشروعا زراعيا جنوبي المملكة للمساهمة في تلبية حاجات المملكة من المحاصيل الزراعية الإستراتيجية، بمساحة 30 ألف دونم وبقيمة 13 مليون دينار (نحو 18 مليون دولار)، تضمنت المرحلة الأولى زراعة 8 آلاف دونم بمحاصيل القمح والشعير والأعلاف الحيوانية.