كربلاء- أقام معهد غوته -الذي تديره الحكومة الألمانية- بالتعاون مع السفارة الألمانية جلسة احتفائية لشاعرات عراقيات يتجمعن لأول مرة في كربلاء ويلقين الشعر ويحتفين بإصدار كتابين ويتحدثن عن تجربتهن مع المعهد الذي سافر بهن إلى بعض الدول الأوروبية وكذلك بعض المحافظات.

المعهد -الذي له فروع في أغلب دول العالم- اختار الشاعرات العراقيات لنقل التجربة الجديدة للمرأة في مواجهة الصعاب الاجتماعية بعد الغزو الأميركي للعراق، فما هي الأسباب التي أدت إلى قيام المعهد بهذه الخطوات؟ ولماذا أطلق على هذا التجمع “إنانا” (إلهة الحب والحرب والخصوبة والسلطة في الثقافة السومرية وبلاد ما بين النهرين)؟

 

المعهد والمرأة العراقية

أنشئ معهد غوته في عام 1951، واسمه يأتي تقديرا وعرفانا للأديب الألماني الشهير يوهان غوته المتوفى سنة 1832، وهو أديب وشاعر وفيلسوف وكاتب مسرحي، لذا أخذت الحكومة الألمانية على عاتقها تأسيس المعهد الذي كان من واجباته البدء بتدريس اللغة الألمانية لغير الألمان، وقد خصصت الحكومة 144 معهدا في 80 بلدا.

وهو ما تؤكده مديرة المعهد في العراق بيرغت ستيفنسون في حديثها للجزيرة نت “أهم معهد ثقافي، ولديه مكاتب في كل أنحاء العالم، وهو تابع للحكومة الألمانية، ويهدف إلى نشر الثقافة الألمانية بين الشعوب”.

 

وعن العمل في العراق، توضح “قبل 10 سنوات طلبت مني السفارة الألمانية في بغداد عمل منجز أدبي يخص الشاعرات، ليتفرد بها المعهد في العراق عن باقي الفروع في العالم، وهو ما جعلنا نختار نصوصا لهن وإصدارها في كتاب”.

بيرغت ستيفنسون تقول إن السفارة الألمانية طلبت منها عمل منجز أدبي يخص الشاعرات العراقيات (الجزيرة)

وتشير ستيفنسون إلى أن المشروع الأول في كتاب أطلق عليه “إنانا واحد”، وبعد حصول النجاح والصدى الطيب من خلال الترجمة “قررنا عمل جزء ثان للكتاب وأطلق عليه إنانا الثاني”.

وعن اختيار هذا الاسم للمشروع، قالت “لم يكن اختيارا شخصيا أو جاء من فراغ، بل لأنها من أقوى النساء في حقبتها، وقد وازنت بين الحرب والحب وخلقت توازنا عظيما واقترن اسمها بالحب والقوة والأدب”، وتقول عن سبب اختيار كربلاء “إنها مدينة مميزة، وفيها حركة نشطة للثقافة عموما وفي الشعر”.

وعن اسم “عيون إنانا”، تجيب ستيفنسون بأنها “عيون الأديبات العراقيات والنسوة العراقيات حيث يرين العراق والعالم عسى أن يتطور البلد ويعود لسابق قوته”.

 

وعن صدى الأعمال التي ترجمت، قالت إن “الكتابين كانا صوت الكاتبات في خارج العراق، خاصة أن همنا كان أن يضما الأصوات النسوية، وقد حصلنا على النجاح من خلال الترجمة إلى الفرنسية والألمانية”.

وأضافت وهي تبتسم “كانت هناك صعوبة في ترجمة الشعر العربي، لأن اللغة العربية لغة بليغة وشائكة وعميقة، ومن الصعوبة أن يفهم المتلقي الألماني أو الفرنسي معنى هذا الشعر”.

وأشارت إلى أن “اللغة العربية تحتوي على 12 مليونا و600 ألف مفردة، والألمانية تحتوي على 400 ألف مفردة، والإنجليزية بعد العربية 600 ألف مفردة، وهنا تكمن الصعوبة”.

البداية والحرف النسوي

بدورها، تتحدث القاصة منتهى عمران عن مشاركتها في تجمع “إنانا” قائلة إن “الألمانية بيرغت ستيفنسون جاءت إلى البصرة للتعرف على بعض الكاتبات كأنها تفتش عن آثار مندثرة، ومن هناك انطلقت ورشة للكتابة شاركت فيها أكثر من 20 كاتبة من مختلف محافظات العراق”.

 

وتقول عمران إن “ألمانيا مهتمة من خلال معهد غوته بأن تعرف بثقافة البلدان الأخرى، وترصد أموالا لتحقيق هذا الغرض”، معتبرة التبادل الثقافي “سمة الشعوب المتحضرة، وهو انعكاس لتقدمها وتطورها”.

عمران تعتبر أن ترجمة النصوص فرصة استثمرتها الكاتبات لإطلاق أصواتهن (الجزيرة)

وتقول إن الأمر نفع الأديبات العراقية بشكل عام، لأن المعهد “مهتم بالحضارة العراقية الرافدية، ولديه بعثات تشتغل من خلال جامعات عريقة”، وتؤكد أن المعهد “لا يزال حريصا على التواصل مع النساء الكاتبات في مختلف مدن العراق وإيصال أصواتهن الإبداعية إلى العالم”.

وتعد ترجمة نصوصهن “فرصة استثمرتها الكاتبات العراقيات لإطلاق أصواتهن، وحققن نتائج مرضية يفخر بها الجميع”، مشيرة إلى أن حضورها إلى كربلاء وأول تجمع نسوي فيها يمثل “مرحلة مهمة كون هذه المدينة إضافة إلى موقعها الديني هي مدينة منفتحة، وشعرت أن القراءة فيها تمثل الحقيقة التي تريد أن تمثلها المرأة”.

وتقول “كانت القاعة ممتلئة بالحضور، وكان التفاعل رائعا”، داعية إلى تكرار هذه الفعاليات في مثل هذه المدن لتبيان أهمية الجمال في صناعة الحياة”.

الفن والإبداع

من جهتها، ترى الفنانة والشاعرة إيمان الوائلي أن” العمل مع المعهد بدأ منذ عام 2012 من خلال جمع أعمال فنية لرسامات وشاعرات عراقيات، وكان من بينها لوحة لي اعتمدت كصورة لغلاف الجزء الأول من الكتاب”، وتقول إن الكتاب “حقق مبيعات جيدة ولاقى انتشارا واسعا وترجم لعدة لغات”.

الوائلي تقول إنها شعرت في كربلاء بأن الأرض تكتب الشعر وتتنفس الفن (الجزيرة)
 

وتضيف الوائلي بشيء من الحماسة أن المعهد “وفر لي انتشارا مهما كشاعرة وكرسامة، واللوحة كانت هوية الكتاب، وأن الكثيرين في أوروبا كانوا يتوقفون عندها ويسألون عن الرسامة وأعمالها الفنية”.

وقالت إنها سافرت إلى ألمانيا في أكتوبر/تشرين الأول 2017 من خلال معرض فرانكفورت، فضلا عن قراءات في مدينة هايدلبرغ وبيت الشعر في برلين.

وتلفت الوائلي النظر إلى أن الاحتفاء في ألمانيا “لم يكن مثله في العراق، وهو ما يدعو للأسف”، وتشير إلى أنها في ألمانيا “حلقت في سماوات الإبداع، وكان الحضور كبيرا، والإنصات كان بشكل مبهر”.

 

وعن حضورها لكربلاء، قالت “كان حضورا مهما وفعالا يليق بقدسية المدينة وعراقتها وإرثها الكبير والمهم في جميع المجالات”، وتضيف “في كربلاء شعرت بأن الأرض تكتب الشعر وتتنفس الفن”، وهو أمر يدعو إلى تقديم الشكر لمعهد غوته وإلى المتحف الذي احتضن فعاليات اللقاء”.

وتشيد الوائلي بالمعهد “كونه يريد إعادة قوة المرأة، وإن كان من خلال الفن والإبداع في زمن يراد لها التهميش”، مؤكدة أن “كربلاء حاضنة الإبداع، وفيها مهرجانات وغاليري وحتى مهرجانات للسينما والمسرح”.

المصدر : الجزيرة

About Post Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *