القاهرة – تراجع مخزون بعض السلع الإستراتيجية في مصر، أكبر مستورد للقمح في العالم، بشكل ملفت إلى أقل من مستويات ما بعد أزمة الحرب الروسية الأوكرانية في مثل هذا الوقت من العام الماضي، متأثرا بارتفاع فاتورة واردات السلع الغذائية وشح النقد الأجنبي.
وتعد السلع الإستراتيجية في مصر أحد أهم مكونات بطاقات التموين المدعومة من الحكومة. ويبلغ عدد بطاقات المستفيدين من منظومة الدعم في مصر 23 مليون بطاقة بإجمالي 64 مليون مستفيد. كما يستفيد 72 مليون مصري من منظومة دعم الخبز بتكلفة 90 مليار جنيه (2.9 مليار دولار).
وصرح وزير التموين والتجارة الداخلية علي المصيلحي، الأسبوع الماضي، بأن مخزون القمح يكفي حاجة الاستهلاك المحلي لمدة 70 يوما، مع الأخذ في الاعتبار بدء موسم توريد القمح المحلي من المزارعين منتصف الشهر الجاري.
وتستورد مصر ما يقرب من 80% من إجمالي وارداتها من القمح من روسيا وأوكرانيا، بواقع 50% من روسيا و30% من أوكرانيا، وبلغت فاتورة واردات القمح 4.2 مليارات دولار، وفقا لبيانات صادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء.
وتستهلك مصر 20 مليون طن من القمح سنويا، نحو 9 ملايين طن منها يذهب لإنتاج الخبز المدعوم، الذي يُصرف على البطاقات التموينية لإنتاج ما يقرب من 270 مليون رغيف يوميا.
وأوضح وزير التموين المصري أن رصيد الأرز يكفي لما يقرب من 3 أشهر ونصف الشهر، ومخزون السكر يكفي 4 أشهر، في حين أن زيت الطعام يكفي احتياجات الأسواق لنحو 4 أشهر، والمكرونة لمدة 7 شهور ونصف الشهر.
واعتبر الوزير أن الأرقام التي أوردها بشأن الاحتياطي الإستراتيجي من مختلف السلع الأساسية “مطمئنة”، مشيرا إلى استمرار هذه السلع بتخفيضات من 20% إلى 30% بمنافذ الوزارة ومعارض أهلا رمضان.
الاستيراد يفاقم المشكلة
عبد التواب بركات مستشار وزير التموين الأسبق اعتبر أن “تراجع المخزون الإستراتيجي لعدد من أهم السلع الأساسية يأخذ مسارين متوازيين، هما نقص المعروض من تلك السلع في الأسواق وتحديد كميات معينة لكل عميل، وارتفاع أسعار جميع السلع بنسب تجاوزت 100% كما حدث في الزيوت والأرز والدقيق والسكر”.
وأكد بركات، في حديثه للجزيرة نت، أن الاحتياطي الإستراتيجي يعد أولوية قصوى للحكومة المصرية، لأن حدوث أي نقص حاد سيكون له تداعيات وخيمة على الاستقرار المجتمعي في أكبر بلد عربي، لافتا إلى أن المشكلة تكمن في أن مصر بلد مستورد للغذاء، وهناك عجز كبير في إنتاج الكثير من السلع الغذائية الرئيسية، ويصبح العجز أكبر في أوقات الأزمات الاقتصادية الصعبة مثل التي تمر بها البلاد حاليا بسبب نقص العملة الأجنبية.
والمعروف أن مصر تعاني من فجوة غذائية، إذ تستورد 60% من احتياجاتها الغذائية، وقدر وزير الري والموارد المائية المصري حجم واردات مصر من السلع الغذائية بأكثر من 10 مليارات دولار سنويا.
تنقص ولا تنفد
الخبير الاقتصادي ممدوح الولي يقول، في حديثه للجزيرة نت، هناك حد فاصل ومهم بين النقص والعجز في احتياطي السلع الإستراتيجية، حيث يتراجع المخزون في أوقات الأزمات كما هو الحال الآن، ولكنه لن ينفد من المخازن والصوامع؛ لأن الحكومة المصرية لا تغامر بحدوث عجز في مثل هذه السلع الإستراتيجية، وستوفر العملة الصعبة لاستيرادها بأي طريقة.
ويرى الولي أن سبب نقص مخزون السلع الإستراتيجية يعود إلى أزمة تكدس البضائع في الموانئ نتيجة شح الدولار. واعتبر أن تأمين مخزون السلع الأساسية هو خط أحمر لا يمكن تجاوزه، وأن قدرة الحكومة المصرية على تأمين مستويات مرتفعة من المخزون لم تعد كما كانت من قبل بسبب الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد.
معدلات تضخم متسارعة
وارتفع معدل التضخم في المدن المصرية -خلال الشهر الماضي- إلى أعلى مستوياته منذ أكثر من 5 سنوات مسجلا 32.7%.
ويعزى سبب ارتفاع التضخم إلى عوامل عدة أبرزها:
- تراجع قيمة الجنيه أمام الدولار.
- نقص العملات الأجنبية.
- عودة تكدس البضائع في الموانئ انتظارا للتخليص الجمركي.
وجاءت البيانات -التي أصدرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء- متوافقة مع توقعات بنوك الاستثمار.
وتحرص الحكومة المصرية دائما على الحفاظ على استمرارية المخزون الإستراتيجي للدولة من السلع الغذائية باعتباره صمام أمان مجتمعيا في بلد يتجاوز عدد سكانه 104 ملايين نسمة ويزيد بنحو مليوني فرد سنويا.
وقررت الحكومة المصرية رفع سعر توريد القمح من الفلاحين مع بدء موسم الحصاد إلى 1500 جنيه بدلا من 1250 جنيها (الدولار يساوي 30.95 جنيها) بغرض تأمين مخزون القمح وتحصيل الكميات المطلوبة من الفلاحين.