“ألا ترى ابن خالتك لماذا لا تكون متفوقًا مثله؟”، “هل ترى مدى كفاءة هذا الولد في التمرين؟.. ليتك مثله!”، ربما تكون قد ألقيت جملة مثل هاتين الجملتين السابقتين على مسامع طفلك وأنت تقصد تحفيزه وتشجيعه على العمل والاجتهاد وتطوير نفسه، لكن نواياك الطيبة هذه قد لا تأتي بنتائج طيبة لأن الطريقة المستخدمة غير صحيحة.
تأثير المقارنة على الأطفال
عند مقارنة طفلك بغيره فإنك تزعزع ثقته بنفسه، تلقي على كتفيه حملا ثقيلا، تجبره على الشعور بأن الآخرين أكثر كفاءة منه، وأنه عاجز عن إثارة إعجابك مثل هذا أو ذاك.
يشير موقع “سيكولوجي توداي” إلى أن الصحة العقلية للأطفال المعرضين للمقارنة السلبية قد تتعرض للخطر الشديد. يوضح عالم النفس في جامعة كارولينا الشمالية ميتش برينشتاين “عندما نعتمد على الآخرين في إحساسنا بأنفسنا، ولا نشعر بالرضا إلا إذا حصلنا على ردود فعل إيجابية، أو سعينا لأن نكون الأحسن أو الأفضل أو الأجمل، فإننا نتعرض لخطر الاكتئاب”.
وعندما لا يتمكن الطفل من رؤية الإعجاب به في عيون والديه، فإنه يشعر بالخطر وأنه لا يثير إعجابهما. هذه المشاعر قد تقود الطفل إلى الشعور بأنه غير محبوب من والديه، فكيف سيحصل على قبول الغرباء؟
يزداد الأمر سوءا عندما يُقارن أحد الوالدين أو كلاهما الطفل بشقيقه، فوفقا لدراسة بعنوان “مقارنات الوالدين الاجتماعية للأشقاء وسلوك الشباب” نشرها المعهد الوطني للصحة “إن آي إتش” التابع لوزارة الصحة الأميركية عام 2018، فإن مقارنة الابن بأشقائه يزيد من المشاعر السلبية بين الإخوة، ويزيد من الصراعات ومشاعر العداء تجاه بعضهم بعضا في مرحلة البلوغ.
رحلة طفلك الخاصة
بدلًا من مقارنة طفلك بشخص آخر، ربما يكون من الأجدى مقارنة الطفل بنفسه، إذا لم يحرز الدرجة الجيدة التي توقعها في الاختبار الأكاديمي، ذكّره بنتيجة الاختبار السابق، وأوضح له نقاط تحسنه، وأكد على ثقتك بأنه سيكون أفضل في الاختبار القادم. وهكذا في مواقف حياته المختلفة حتى تصل بطفلك إلى أن يصبح أفضل نسخة من نفسه.
أول ما يمكنك فعله لمساعدة طفلك في أن يصبح أفضل نسخة من نفسه هو إدراك أنه شخص مختلف عنك، قد تكون له تفضيلات وأولويات مختلفة. قد يجد طفلك الرضا والسعادة في أماكن غير متوقعة بالنسبة لك.
ربما يفضل طفلك الرسم ولا يروق له الجانب الأكاديمي. سيكون عليك هنا أن تدرك نقطة تميزه لتدعمه، ثم تعليمه ألا يهمل الجوانب المختلفة من حياته وأن يوليها اهتمامه. أيًّا ما كانت اهتمامات طفلك ونقاط تميزه، سيكون عليك أن تكون من أكبر المعجبين به وليس من أشد المنتقدين له، حتى وإن كانت نقطة تميزه هذه لا تروق لك أو كنت تتمناه أن يتميز في غيرها.
هنا قد تخشى تعرض طفلك للفشل أو أن يكون اختياره خاطئا، لكن عليك معرفة أنه ليس عليك حمايته من خيبة الأمل أو الفشل. تذكّر أن هذه رحلته الخاصة، وأن عليه أن يفشل ويتعثر ثم يقوم وينجح، هذا ما سيصنع منه إنسانا قادرا على الحياة ومدركًا لمعانيها وجوانبها المختلفة.
ما يمكنك فعله هنا هو التشجيع والدعم، وأن تكون أول إنسان يمكنه الاعمتاد عليه في لحظات التعثر أو الألم. إذا حققت هذا فستتمكن من أن تجعل طفلك يدفع نفسه بقوة كافية للوصول إلى إمكاناته الكاملة.
التوازن
وفقا لموقع “فيري ويل فاميلي”، هناك بعض الأمور التي يجب أن تعلمها لطفلك، أولها هو تحقيق التوازن بين قبول الذات وتحسينها، وأنه بإمكانه أن يحب نفسه كما هي بينما يسعى أيضًا إلى أن يصبح أفضل.
في الطريق الذي يسلكه طفلك للتحسن يجب عليك امتداح الأشياء التي فعلها بإرادته الحرة، دون التركيز على الأشياء الخارجة عن نطاق سيطرته. مثلاً، بدلا من قول “أنت وسيم جدًا”، يمكنك قول “لقد بذلت جهدا كبيرا وفعلت كل ما بوسعك هذا رائع”. مدحهم على أشياء خارجة عن إرادتهم لن يكون مفيدا لهم بأي درجة.
أما موقع سيكولوجي توداي فيشير إلى أنه يجب تعليم الطفل أن يفكر بشكل واقعي، بالإضافة إلى تعليمه كيفية تطوير الحديث الذاتي الصحي، وتعلم إعادة صياغة تفكيره السلبي من خلال إخبار نفسه مثلاً: “يمكنني تحسين درجتي في الكيمياء من خلال المذاكرة الجادة وطلب المساعدة وأداء واجباتي المنزلية”.
من المفيد كذلك تعليم طفلك كيفية التعامل مع مشاعره بدلاً من محاولة جعله لا يشعر من الأساس بالحزن أو الفشل أو العجز أو الغضب، لأنه في هذه الحياة حتما سيتعرض لهذه المشاعر سواء أثناء وجودك أو عند غيابك، فالطفل الذي يستطيع وصف ما يشعر به وتحديده، سيكون جاهزا بشكل أفضل لمعالجة مشاعره، وستكون لديه ثقة كبرى في قدرته على التعامل مع الانزعاج.
وأخيرا، سيكون عليك أن تعلم طفلك كيفية اتخاذ إجراءات إيجابية لمواجهة مخاوفه، والمثابرة عندما يشعر بالتعب، والتصرف وفقًا لقيمه حتى عندما لا تكون قيمه هذه هي الشيء الشائع الذي يقوم به الآخرون.
الأطفال الذين يثقون في قدراتهم ويعرفون كيف يتعاملون مع مشاعرهم ويمكنهم تحمل الشعور بعدم الارتياح، ستكون لديهم ميزة تنافسية في كل ما يفعلونه في الحياة.