سلطة برأسين.. كيف ستعمل الحكومة الأميركية خلال العامين القادمين؟
واشنطن- عشيّة الانتخابات النصفية التي جرت في الثامن من هذا الشهر، غرّد أيلون ماسك، رجل الأعمال الأميركي الشهير والمالك الجديد لمنصة تويتر، قائلا “إلى الناخبين المستقلين: السلطة المشتركة تحدّ من أسوأ التجاوزات لكلا الحزبين، لذلك أوصي بالتصويت لكونغرس جمهوري، بالنظر إلى أن الرئاسة ديمقراطية”.
وبالفعل، تحقق لماسك ما أراد. وهو ما ألفته الولايات المتحدة عبر فترات متقطعة من تاريخها من وجود حكومة منقسمة يسيطر فيها حزب على البيت الأبيض ومجلس الشيوخ، في حين تؤول أغلبية مجلس النواب إلى الحزب الآخر.
وضمِن الحزب الديمقراطي السيطرة على مجلس الشيوخ بحصوله على 50 مقعدا مقابل 49 للجمهوريين، في حين يخوض الحزبان معركة الإعادة على أحد مقاعد ولاية جورجيا في السادس من ديسمبر/كانون الأول القادم. وضمِن الجمهوريون أغلبية مجلس النواب بعد حصولهم على 218 مقعدا، مقابل 211 للديمقراطيين.
ويبشّر هامش التقدم الضئيل للجمهوريين في مجلس النواب بتجربة جديدة من الحكومة المنقسمة في واشنطن قد تختلف عما عرفه تاريخ البلاد المعقّد في الحالات السابقة.
وتعرض الجزيرة نت في سؤال وجواب الجوانب المتعلقة بعمل الحكومة المنقسمة والتي ستؤثّر في السياسة الأميركية خلال العامين المقبلين:
هل كان متوقّعا أن تُنتج الانتخابات النصفية حكومة أميركية منقسمة؟
نعم، كان الديمقراطيون يعرفون أن الاتجاهات التاريخية تشير إلى خسارة حزب البيت الأبيض الكثير من المقاعد. وخلال العامين الماضيين، سيطر الديمقراطيون في مجلس النواب بأغلبية ضئيلة من 5 مقاعد، من هنا كان من الصعب عليهم الاحتفاظ بالأغلبية. ولكن على الرغم من تلك الرياح المعاكسة، كان أداء الديمقراطيين أفضل بكثير مما كان متوقعا في الانتخابات النصفية لهذا العام، وحافظوا على سيطرتهم على مجلس الشيوخ.
هل يفضّل الأميركيون وجود حكومة منقسمة في واشنطن؟
يؤمن أغلب الأميركيين أن تقسيم السيطرة على مراكز القوة في واشنطن يدفع الطرفين للحوار والتنسيق والمساومة، ويجبرهما على العمل معا، على الأقل للحفاظ على استمرار عمل الحكومة الفدرالية.
كيف ستكون طبيعة التفاعل في ظل هذه الحكومة؟
من المرجّح أن يصطدم مجلس النواب الجمهوري بمعظم القضايا مع مجلس الشيوخ الديمقراطي عامي 2023 و2024، وحول الوظائف الأساسية للدولة مثل تمويل الحكومة الذي يهدد بشلّ واشنطن حال عدم التوصل لحلول وسط بشأنه.
وكان مرشحو الحزب الجمهوري يأملون في الاستفادة من حالة الإحباط لدى الناخبين من ارتفاع نسب التضخم، وتراجع شعبية الرئيس جو بايدن، وأن تصبح الانتخابات استفتاء على حكم الرئيس، لكن الناخبين أخذوا في الاعتبار كذلك قضايا أخرى مثل حقوق الإجهاض وحماية الديمقراطية.
متى كانت آخر مرة عرفت فيها واشنطن حكومة منقسمة؟
آخر مرة كان فيها الرئيس وكبار قادة الكونغرس من أحزاب مختلفة عام 2019، عندما استعاد الديمقراطيون السيطرة على مجلس النواب في انتخابات التجديد النصفي لعام 2018، بعد عامين من انتخاب الرئيس السابق دونالد ترامب.
كيف تؤثّر سيطرة الجمهوريين على مجلس النواب على أجندة الرئيس بايدن؟
تعني الأغلبية الجمهورية الجديدة في مجلس النواب أن الأجندة التشريعية للرئيس بايدن قد ماتت بشكل أساسي، ما لم يتمكن من العثور على حلول وسط ودعم من الحزبين لبعض المقترحات التي تفيدهما معا.
ومن المرجح أن ينصب تركيز بايدن خلال العامين المقبلين من رئاسته على الدفاع عن إنجازاته المميزة، مثل مشروع قانون خفض أسعار الأدوية، واستثمار مئات المليارات من الدولارات لمعالجة تغير المناخ.
من ناحية أخرى، يقول مشرعون من الحزب الجمهوري بالفعل إنهم يريدون التراجع عن بعض برامج بايدن، أو وقف تمويل العديد منها.
وسيواجه بايدن كذلك عددا التحقيقات حول مجموعة واسعة من القضايا. وقال كبار أعضاء الحزب الجمهوري، من أنصار الرئيس السابق دونالد ترامب، في لجنتي الرقابة والقضاء بمجلس النواب، إنهم يخططون للتحقيق في التعاملات التجارية لنجل بايدن، هانتر بايدن، وسياسات الرئيس تجاه الحدود الأميركية المكسيكية، وأصل فيروس كورونا، وفوضى انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان.
ولكن، نظرا لأن هامش الأغلبية ضئيل للغاية، فقد يكون هناك ضغط من الجمهوريين الأكثر اعتدالا للتراجع عن بعض التحقيقات، والتركيز بدلا من ذلك على القضايا التي تهمّ الناخبين الجمهوريين بصورة أكبر.
من سيترأس مجلس النواب؟
تدل كل المؤشرات على أن النائب كيفين مكارثي سيترأس مجلس النواب، وهكذا يصبح صاحب المنصب الثالث في منظومة الحكم الأميركي.
وفي سبتمبر/أيلول الماضي، كشف مكارثي عن أجندة الحزب الجمهوري التي تسمى “الالتزام تجاه أميركا” وتركّز على أهداف واسعة النطاق في 4 مجالات: الاقتصاد والأمن والحرية الشخصية ومساءلة الحكومة.
ويخطط الجمهوريون كذلك لتغيير قواعد مجلس النواب التي تسمح حاليا بالتصويت عن بُعد، وهي ممارسة وضعها الديمقراطيون خلال جائحة فيروس كورونا. كما تعهدوا بإزالة بعض الترتيبات الأمنية مثل بوابات الكشف عن المعادن والأسلحة، والتي وضعت بمداخل مبنى مجلس النواب في أعقاب هجوم 6 يناير/كانون الأول 2021 على مبنى الكابيتول.
من سيترأس الأقلية الديمقراطية بمجلس النواب والأقلية الجمهورية بمجلس الشيوخ؟
بعد إعلان رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي (82 عاما) عزمها عدم قيادة الديمقراطيين في مجلس النواب، يشير عدد من الخبراء إلى ارتفاع حظوظ النائب حكيم جيفريز لخلافتها. وعلى الجانب الجمهوري، ضمن السيناتور ميتش ماكونيل استمرار موقعه كزعيم للجمهوريين بمجلس الشيوخ.
كيف سيعمل الكونغرس من الآن وحتى يوم 3 يناير/كانون الثاني القادم؟
تُعرف هذه الفترة الواقعة بين الانتخابات النصفية وبدء عمل الكونغرس الجديد بفترة “البطة العرجاء” حيث يستمر عمل الكثير من النواب ممن خسروا بالفعل مقاعدهم في الكونغرس الجديد.
ويأمل قادة الديمقراطيين بالمجلس وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق ميزانية بين الحزبين لتمويل الوكالات الحكومية خلال الفترة المتبقية من السنة المالية، وتجنب إغلاق حكومي محتمل لها.
وأشارت رئيسة “النواب” إلى أنها ترغب في أن يرفع الكونغرس حد الدين العام لتجنب أي نقاش مثير للجدل، والتهديد بالتخلف عن السداد أوائل العام المقبل.
كما تأمل بيلوسي في تمرير تشريع من شأنه أن يوضح كيف يصادق الكونغرس على نتائج الانتخابات الرئاسية من خلال تجديد قانون فرز الأصوات، وهو قانون سُن لأول مرة عام 1887. واستغل ترامب وحلفاؤه الارتباك بشأن أحكام القانون بانتخابات 2020. ويقول المشرعون إن القانون الجديد ضروري لمنع هجوم آخر على مبنى الكابيتول.
ما موقف الرئيس بايدن من العمل مع حكومة منقسمة يسيطر فيها الجمهوريون على مجلس النواب؟
هنأ الرئيس بايدن مكارثي، وعرض العمل مع الجمهوريين لتحقيق نتائج أفضل لكل الأميركيين. وقال بايدن في بيان “إن المستقبل واعد للغاية بحيث لا يمكن أن يكون محاصرا في حرب سياسية، والشعب الأميركي يريدنا أن نتعاون من أجله. إن الأميركيين يريدوننا أن نركز على القضايا التي تهمهم وعلى جعل حياتهم أفضل”.
ما تأثير ضآلة أغلبية الجمهوريين في مجلس النواب على صلاحيات مكارثي؟
قد تحد ضآلة الأغلبية الجمهورية من قدرة زعيم المجلس مكارثي على حرية الحركة، إذ يجب عليه مراعاة تجمع أنصار ترامب بالمجلس ممن سيدفعون في اتجاه إجراء تحقيقات مبكرة للرئيس بايدن، وبين الجمهوريين التقليديين الذين يهمهم تمرير أجندة متوازنة مفيدة للأميركيين في ظل الأوضاع الصعبة التي يعيشونها.
ولا تمنح نتيجة الانتخابات النصفية تفويضا كبيرا لأي من الحزبين، ولا لأي كتلة داخل المحورين. وعليه، يُنتظر أن تكون هناك الكثير من المساومات والمواءمات، خاصة وأن الديمقراطيين يسيطرون على مجلس الشيوخ، وقد يعرقلون أية مبادرات متهورة من جانب جمهوريي مجلس النواب.
ما دور مجلس الشيوخ في ضبط توازن الخلافات بين الجمهوريين والبيت الأبيض؟
لكي يصبح التشريع قانونا، يجب أن يحصل على أغلبية مجلسي الكونغرس، النواب والشيوخ، قبل إرساله للبيت الأبيض لتوقيع الرئيس عليه.
ويحتاج الجمهوريون بمجلس النواب مجلس الشيوخ خلال العامين المقبلين حال رغبتهم في تبني وتمرير أي مشروع قرار. من هنا، يرى بعض الخبراء أن المساومات هي من سيتحكم في حجم الخلافات والصراعات داخل واشنطن خلال العامين المقبلين.