لأول مرة بالمغرب.. دراسة علمية تكشف عن أول خنجر مصنوع من الحديد النيزكي
توصل فريق بحث دولي إلى اكتشاف أول خنجر مصنوع من حديد النيازك بالمغرب، وذلك بعد فحص 4 خناجر توصل لها مختبر النيازك التابع للمتحف الجامعي للنيازك بجامعة ابن زهر بأغادير.
ونشرت نتائج الدراسة في المجلة العلمية السويسرية “هيرتيدج” (Heritage) في 23 يونيو/حزيران الجاري.
وتكوّن فريق البحث -الذي أشرف على هذا الاكتشاف- من باحثين مغاربة من كلية العلوم بجامعة ابن زهر، وباحثين من معهد علم البلورات ومعهد العلوم وتكنولوجيا البلازما في إيطاليا.
ويقول الأستاذ بكلية العلوم بجامعة ابن زهر بأغادير البروفيسور عبد الرحمن إبهي -في حديث للجزيرة نت- “تعود قصة هذا الاكتشاف إلى عامي 2014 و2015 مع اكتشاف الفوهات النيزكية في منطقة إملشيل (جبال الأطلس الكبير بالمغرب)، حيث تم اكتشاف كميات كبيرة من الحديد النيزكي في المنطقة، بالإضافة إلى اكتشاف كميات كبيرة من الحديد النيزكي في منطقة معتركة (شرقي المغرب).
أول قطعة أثرية من حديد النيازك
يعد هذا الاكتشاف الأول من نوعه بالمغرب، ويتوفر منه سابقا اكتشاف تمثال حديدي مصنوع من نيزك تشينجا في روسيا، بالإضافة إلى حلي تتكون من قطعتين صغيرتين وفأس في بولونيا، وحديثا ثم اكتشاف خنجر توت عنخ آمون الفرعوني المصنوع من الحديد النيزكي، وموجود في المتحف المصري.
ومنذ اكتشاف الحديد النيزكي في منطقة إملشيل سنة 2014، بدأ مدير المتحف الجامعي للنيازك الباحث عبد الرحمن إبهي تكليف عدد قليل من الأشخاص المهتمين بالنيازك للبحث عن آلات مصنوعة من الحديد النيزكي لتحليل مكوناتها للتأكد من تواجد معدن النيكل فيها.
وفي بداية سنة 2021 اتصل وافد أجنبي بمختبر النيازك التابع للمتحف الجامعي بأغادير، وقال إن لديه آلات مصنوعة من الحديد النيزكي التي استجابت لمحلول معدن “النيكل”، وبعد شهور من التفاوض تمكن المختبر من إجراء التحليلات المخبرية للتأكد من هذه الآلات، هل هي مصنوعة من حديد النيازك أو لا، وبالفعل تأكد المختبر من أن خنجرا واحدا من أصل 4 خناجر كان مصنوعا من حديد النيازك.
وبعد شهور تم إرسال عينة صغيرة من هذا الخنجر إلى إيطاليا لإجراء تحاليل في مختبر مختص في مجال كريستالوغرافيا، وتم تأكيد النتائج نفسها التي توصل إليها فريق البحث المغربي.
أول دراسة علمية
تعد هذه الدراسة أول دراسة علمية حديثة حول الآلات المصنوعة من النيازك الحديدية في أفريقيا والعالم العربي، ونشرت نتائجها في المجلة العلمية السويسرية المختصة والمصنفة عالميا “هيرتيدج”، حسب الباحث عبد الرحمان إبهي.
وبالعودة إلى نتائج تحليلات الخناجر الأربعة، تم التأكد من أن اثنين من الخناجر لا يحتويان على معدن النيكل، وتم التأكد من أن خنجرا واحدا يحتوي على نسبة 1% من معدن النيكل، وهي كمية ضعيفة جدا لا تسمح بوضعه في خانة الحديد النيزكي.
أما الخنجر الرابع فيحتوي على أكثر من 7% من معدن النيكل، ويحتوي أيضا على 1% من معدن الكوبالت الموجود كذلك في النيازك.
وبالإضافة إلى ذلك، تمت دراسة البلورات التي يتكون منها هذا الخنجر، وتوصل فريق البحث إلى أن هذه البلورات من نوع “كماسيت” و”تينيت”، وهذه الأنواع من البلورات لا توجد إلا في النيازك الحديدية.
وأضاف فريق البحث أن هذا الخنجر المصنوع من حديد النيازك تظهر عليه نسبة كبيرة من التفسخ (الصدأ) مقارنة مع بقية الخناجر.
وبناء على الخاصية التي تظهر على هذا الخنجر، قام فريق البحث بتحليل البلورات التي أنتجها التفسخ للتأكد من أنه طبيعي ومنذ مدة طويلة وليس حديثا أو وليد سوائل غير طبيعية.
يقول إبهي في حديث للجزيرة نت “من الغريب أن الناس يبحثون عن النيازك ولا يهتمون بالأدوات المصنوعة من النيازك، خاصة أن دراسة حديثة كانت أظهرت أن جل الأدوات الحديدية المصنوعة قبل العهد البرونزي قد تكون من الحديد النيزكي، لأن الإنسان كان يجد صعوبة في استخراج الحديد من الحجر الأرضي كما يستعمل حديثا، أما الحديد النيزكي فهو جاهز للاستعمال لصناعة مختلف الأدوات.
ويضيف عبد الرحمن إبهي أن “هذه الأدوات مهمة أكثر من النيازك، لأنها أولا من نيزك قديم، وتحمل بصمات الصانع القديم الذي صنعها، مما يعطي لها قيمة علمية وثقافية”، ويدعو إبهي إلى إدراجها ضمن صنف خاص كما هو الشأن بالنسبة للنيازك المصنفة إلى أقسام، لوضعها في المتاحف لأنها وسيلة لنشر الثقافة العلمية.
مشروع دولي مستمر
تندرج هذه الدراسة في إطار مشروع مشترك تم قبوله سنة 2021 بين المركز الوطني (المغربي) للبحث العلمي والتقني، ومركز البحث الوطني العلمي الإيطالي، وجامعة ابن زهر، وقام مختبر النيازك التابع لمتحف النيازك بتنفيذ المشروع الذي سيمتد إلى سنة 2024.
ويقول إبهي “يعرف المغرب بوفرة النيازك الساقطة التي يتم العثور عليها في الأماكن المفتوحة؛ إذ إن أكثر من 50% من النيازك التي تتم دراستها في العالم هي نيازك مغربية، مع العلم أن النيازك الحديدية سقطت بنسبة كبيرة جدا في المغرب، خاصة في منطقتي إملشيل ومعتركة”.
وفي بداية العام المقبل، سيشرع فريق البحث في التواصل مع الأشخاص الذين لديهم آلات مصنوعة من النيازك لتحليل مكوناتها، وسيقوم فريق البحث الإيطالي المشارك في المشروع بإحضار آلة خاصة لتحليل مكونات النيازك، وتتميز هذه الآلة بأنها تقدم نتائج التحليل في الميدان من دون الحاجة للذهاب للمختبر.
ويقوم مختبر النيازك التابع للمتحف الجامعي للنيازك بجامعة ابن زهر بدراسة النيازك والفوهات النيزكية في إطار أطروحات الدكتوراه، وفي مقابل ذلك يشتغل المختبر أيضا في البحث عن وجود أدوات وآلات مصنوعة من حديد النيازك.
وينهي الدكتور عبد الرحمن إبهي مع الجزيرة نت بالقول “ما تم إنجازه حتى الآن ما هو إلا بداية لأبحاث أخرى معمقة في مجال الأدوات المصنوعة من النيازك الحديدية، ومستعد لتقديم عينة من هذا الخنجر المصنوع من الحديد النيزكي للباحثين من أجل المساهمة في تطوير البحث العلمي في هذا المجال، لأن له مستقبلا واعدا”.