يقدم محرر السياسة الخارجية بمجلة “فورين بوليسي” (Foreign Policy) ستيفن والت، في مقاله اليوم الثلاثاء، ملاحظة يرى أنها يجب أن تكون بارزة أمام عين كل زعيم عالمي أو مستشار للسياسة الخارجية حتى لا ينسوها أبدا، ألا وهي أن “بدء حرب أسهل بكثير من إنهائها”.
ويقول الكاتب إن الأمثلة على هذه الظاهرة موجودة في كل مكان. وكما وصف جيفري بلايني في كتابه التقليدي “أسباب الحرب” (The Causes of War)، فإن العديد من الصراعات السابقة كانت تغذيها “أحلام وأوهام حرب مقبلة”، وخاصة الاعتقاد بأنها ستكون سريعة ورخيصة، وستؤدي إلى نصر حاسم.
وضرب مثلا بحروب وقعت في أوروبا في القرن الـ18 وبداية القرن الـ20 وفي العصر الحديث، كما في الحرب بين العراق وإيران في ثمانينيات القرن الماضي، وكيف كان اعتقاد الجيوش في هذه الحروب أنها ستنتهي بعد معركة أو اثنتين، لكن ما حصلوا عليه بدلا من ذلك حروبا طال أمدها جرّت جميع القوى الكبرى وانتشرت في جميع أنحاء العالم.
وحسب الكاتب، حتى الحملات العسكرية الناجحة لا تؤدي غالبا إلى انتصارات سريعة ولكن إلى مستنقعات لا نهاية لها. وأشار في ذلك إلى حرب عام 1967 التي استمرت أقل من أسبوع، لكنها لم تحلّ أيا من القضايا السياسية الأساسية بين إسرائيل وجيرانها ومهدت الطريق لحرب الاستنزاف الأكثر تكلفة وحرب أكتوبر/تشرين الأول في عام 1973. وكذلك الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، الذي كان بمنزلة نجاح عسكري شبه كامل، لكن الاحتلال الناتج لجنوب لبنان استمر 18 عاما وأودى بحياة المئات وأدى إلى قيام حزب الله.
وأشار الكاتب إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باعتباره أحدث زعيم عالمي بدأ حربا معتقدا أن النصر سيأتي بسرعة وسهولة، وأن أهدافه الحربية الأولية لن تستغرق وقتا طويلا لتحقيقها، معتبرا أنه إما بالغ في تقدير نقاط قوة روسيا، أو قلّل من تقدير العزيمة الأوكرانية، أو أخطأ في تقدير رد فعل الأطراف المعنية.
ما يحتاج القادة الذين يفكرون في الحرب إلى تقديره هو الميول القوية التي تجعل الحروب تكبر وتكلف أكثر وتستمر أطول مما يتوقعون.
ويرى الكاتب أن ما يحتاج القادة الذين يفكرون في الحرب إلى تقديره هو الميول القوية التي تجعل الحروب تكبر وتكلف أكثر وتستمر أطول مما يتوقعون، ويعزو ذلك للأسباب الآتية.
أولا: من المستحيل معرفة مدى شراسة مقاومة الخصم مسبقا، ومن المرجح أن يقلل القادة الذين يفكرون في الهجوم من شأنه، والفشل في تقدير قوة الخصم هو أحد أسباب هذه الاتجاه.
ثانيا: بمجرد اندلاع الحرب تبدأ المشكلة المألوفة المتمثلة في التكاليف الغارقة، وبمجرد أن يتكبد الخصوم خسائر، سيرغب قادتهم في تحقيق مكاسب كافية لتبرير التضحيات التي قُدّمت بالفعل.
ثالثا: تستمر الحروب لأن القتال نفسه يقوّي صورة كل طرف عن الآخر. وبغض النظر عن مدى الشك أو العداء الذي كانت عليه الأطراف المتحاربة في البداية، فإن مشاعر الكراهية والشك هذه ستزداد فقط حيث يتسبب كل منها في مزيد من الموت والدمار والمعاناة للآخر.
رابعا: مع تصلّب صورة العدو، تتراجع القدرة على التفاوض، وقد تُقطع العلاقات الدبلوماسية، وذلك يجعل الاتصال المباشر أصعب، وهو ما يحدث بين أوكرانيا وروسيا حاليا.
خامسا: تميل الحروب أيضا إلى التصعيد والتوسع. وإذا كان أحد الطرفين يخسر، فقد يفكر في استخدام مزيد من القوة، أو ضرب أهداف جديدة وأكثر خطورة، أو زيادة المخاطر بطرق أخرى، كما تظهر الانفجارات الأخيرة في شبه جزيرة القرم والوضع الخطير في محطة زاباروجيا للطاقة النووية، ومقتل ابنة ألكسندر دوغين مستشار بوتين في تفجير سيارة مفخخة في موسكو.
والمشكلة السادسة التي تطيل أمد الحروب هي تدهور جودة المعلومات. فعلى الرغم من أن الدول التي في حالة حرب يجب أن تفكر وتتصرف بهدوء ووضوح قدر الإمكان، فإن ظروف الحرب تجعل القيام بذلك أكثر صعوبة. والمشكلة الأخيرة، كما يرى الكاتب، هي أن الأشخاص الذين بدؤوا الحرب لديهم حافز ضئيل لإنهائها قبل تحقيق شيء يمكنهم تصويره على أنه انتصار، لأن القبول بأقل من ذلك هو اعتراف بأنهم أضاعوا وقتا ثمينا.
وختم الكاتب مقاله بأن جميع الحروب تنتهي في نهاية المطاف، ولكن عندما تفوق التكاليف الفوائد بكثير. والدرس واضح يقول إن الحروب على الرغم من أنها قد تكون ضرورية في بعض الأحيان، فإنه يجب الدخول فيها بأكبر قدر من التردد وفقط في ظل الضرورة القصوى، ويجب ألا ينسى المكلفون باتخاذ مثل هذه القرارات أن خوض الحرب يطلق العنان لقوى سياسية واجتماعية قوية يصعب توقعها.