الملل شعور شائع، قد يصيب الشخص تدريجيا قبل أن يبدأ في تلوين حياته بالكامل باللون الرمادي الباهت. صحيح أنه غير مؤذ بجرعات معينة، بل وحتى ضروري في بعض الأحيان، لكن المعاناة منه بصورة دائمة قد تصيبك بالأمراض النفسية والعقلية.
إذا شعرت فجأة أن كل شيء ممل، فقد يكون هناك العديد من الأسباب التي تحتاج إلى معرفتها ومعالجتها بعناية قبل فوات الأوان.
ما الملل؟
الملل هو شعور عاطفي يتيح لك معرفة أنك تفعل شيئا لا يمتعك عقليا ولا يمنحك إحساسا بالرضا والتحدي. وعادة يمكن أن يخبرك الملل بأمرين: أولا، أنك لست حاضرا تماما في النشاط الذي تمارسه، وثانيا أن النشاط لا يحمل معنى أو أهمية بالنسبة لك.
ويمكن أن يظهر الملل بطريقتين، إما من خلال إحساس شديد بالخمول والتعب واللامبالاة، وإما بالانفعال والشعور بالعصبية والغضب.
هذا الشعور لا يقتصر على العقل فقط، فالملل من كل شيء يتسرب تدريجيا لجسدك أيضا، ما يؤدي إلى الصداع، والشد العضلي، ومشاكل الهضم، ونقص عام في الطاقة.
ما الذي يسبب الملل؟
يعاني كل شخص من الملل بشكل مختلف عن غيره. وبحسب علماء الطب النفسي لموقع “هيلث لاين” (Healthline) للصحة والطب، فقد يحدث ذلك الشعور بسبب:
- عدم الحصول على الراحة أو التغذية الكافية.
- المعاناة من مستويات منخفضة من التحفيز الذهني.
- قلة الاختيارات أو القدرة على التحكم في الأنشطة اليومية.
- عدم وجود اهتمامات متنوعة.
- عدم القدرة على تنظيم الوقت.
- الخوف واضطرابات القلق والاكتئاب.
لماذا نشعر بالملل؟
هناك أسباب كثيرة للشعور بالملل، وهو شعور مألوف وشائع للغاية بين البشر. ومع ذلك، يصبح الملل مشكلة حقيقية عندما يمنعك من إكمال المهام الضرورية أو يؤثر على جودة حياتك.
إذا كنت تعاني من القلق والتوتر المزمن، فقد تكون أكثر عرضة للاكتئاب بعد التعرض لفترات طويلة من الملل.
القلق المزمن والاكتئاب
ويوضح موقع “ويب إم دي” (WebMD) للصحة والمعلومات الطبية أن شعورك باللاجدوى المرتبط بالاكتئاب يدفعك للمعاناة من مشاعر متكررة باليأس، والحزن، والذنب، والفشل أو تضرر الصورة الذاتية.
في تلك الحالة ينبغي مراجعة طبيب نفسي متخصص لمساعدتك في معرفة أسباب دخولك في تلك الحلقة المفرغة، والطرق الأمثل للخروج منها ومعالجتها بوعي وحكمة.
أما في حالة لم يكن شعورك مرتبطا بالاكتئاب، فعلى الأغلب تكون قد وقعت في أنماط تفكير وسلوكيات تزيد من أحاسيسك السلبية.
غياب الأهداف
عندما تشعر أنك بلا اتجاه أو أهداف، فعلى الأغلب ستتعثر خلال اليوم، وتقوم بالأشياء التي يُطالبك الآخرون بالقيام بها أو يتوقعونها منك.
صحيح أنه قد تكون لديك حياة يحسدك عليها الآخرون، لكنك بسبب الشعور باللاجدوى سترغب في تغيير كل شيء والهروب من كل شيء.
فكرة الحياة ذات المعنى هي أن تحقق الرضا الشخصي والشعور بالإنجاز ودرجة معينة من السعادة.
أهداف الحياة تلك قد تكون بالنسبة للبعض في مهنة تسعدهم ويتحمسون في ممارستها، بينما قد يجد البعض الآخر هدف حياتهم في خدمة الآخرين أو الضعفاء، أو قد يجدها الفنانون في الإبداع.
هناك عدد لا حصر له من المسارات، وكلها قابلة للتطبيق، لذلك لا يوجد طريق محدد لأهداف الحياة، وسيكون المسار فريدا بالنسبة لك، وقابلا للتعديل والتطوير.
الإفراط في الترفيه والتكنولوجيا
الإفراط في التعرُّض للترفيه أصبح سببا أساسيا في الشعور بالملل الدائم، إذ يمكن لعدد لا ينتهي من خيارات الترفيه والمُتعة أن تجعلها جميعا تبدو باهتة ومملة وغير مُجدية، خاصة مع تعدد وسائل التواصل الاجتماعي، إذ أصبحت قدرة البشر على الاستمتاع بالهدوء والأنشطة ذات المتعة المؤجلة مثل القراءة، أمرا نادرا.
وهذا يجعل من الصعب الانخراط في أنشطة أكثر صعوبة قد توفر المعنى أو الإثارة أو الترفيه الحقيقي.
الحل هو الانخراط في الحياة
الطريقة الوحيدة لكي تعرف ما الذي يوفر السعادة والرضا لك ويقاوم شعورك بالملل في حياتك هو الانخراط بنشاط في الحياة والقيام بالأشياء والأنشطة المختلفة لحين إيجاد هدفك.
حتى عندما تفعل أشياء وأنشطة لا تحبها أو تستمتع بها بالضرورة، فإنك توسع معرفتك ومنظورك للعالم، وهو ما يقاوم إحساس الملل المزمن ويمنحك القدرة على التواصل مع المزيد من الأشخاص ويعطيك فهما أفضل لما تحبه فعلا ويثير شغفك وما لا تحبه.
لذلك من الجيد أن تفعل أشياء قليلة لا تعجبك قبل أن تجد أشياء تُشعرك بالحماس والنشاط. ومن بين تلك الخيارات ما يلي بحسب موقع “كونشيس ريثينك” (Conscious Rethink) للصحة النفسية:
- الانخراط في العمل التطوعي أو اللامنهجي مع منظمة.
- تعلم مجموعة جديدة من المهارات والحرف.
- تكوين صداقات جديدة في الأوساط الاجتماعية.
- السفر إلى أماكن لم تزرها من قبل.
- البحث عن وظيفة جديدة أو تغيير مهنتك بالكامل.
- ممارسة الرياضة والأنشطة البدنية.
- قضاء الوقت مع الأهل والأصدقاء.
- التوقف عن الأنشطة التي لا تُحمسك أو تُشعرك بالسعادة.
- المثابرة مفتاح العلاج.
أفضل طريقة للعثور على هدف هو مجرد الخروج والبدء في فعل الأشياء لمقاومة هذا الشعور المضني بالملل المزمن.
وقد تجد أن الأشياء التي تختار القيام بها لا تقودك بالضرورة إلى الإثارة أو السعادة، ولكنها في الواقع تزودك بالمعرفة أو الخبرة أو الأشخاص الذين تحتاجهم في الاتجاه الصحيح.
لذلك لا تدع الشعور بالضيق يعرقلك، بل عُد واستمر في المحاولة.
وإذا وجدت أنه من الصعب للغاية عليك المحاولة، أو أنه لا يمكنك العثور على اتجاه بمفردك للخروج من شعور الملل من كل شيء، فستحتاج على الأرجح إلى مساعدة معالج مُتخصص لمساعدتك في إجراء التغييرات في حياتك كما تتمنى.