لوبس: الأميركيون يدعمون أوكرانيا.. وعيونهم على الصين
إذا كانت الولايات المتحدة حاضرة بقوة في الحرب الروسية الأوكرانية، فإن كل اهتمامها مع ذلك منصبّ على الصين، وما اعتبارها أن منطاد “التجسس” الأخير الذي أسقطته قبالة سواحلها بمنزلة انتهاك كبير إلا مصداق ذلك، ولكن من ذا يصدق أن حربا بين العملاقين هي الحل؛ إلا إذا كان تجنبها أصبح من المستحيل.
هكذا لخصت مجلة “لوبس” (L’Obs) الفرنسية عمودا لكاتبها المخضرم بيير هاسكي يوضح فيه أن ما يتحدث عنه الأوروبيون من انشغال بال الأميركيين بالصعود الصيني يظهر أن هناك تناقضا كبيرا في التصورات بين أوروبا المنشغلة حقيقة بحرب أوكرانيا وروسيا، وأميركا التي ليس لها حديث إلا عن المنطاد و”التهديد الصيني”.
ويرى الكاتب أن هذا الحديث الصادر عن أوروبي شديد الصلة بالأميركيين ليس مجرد كلام، بل هو أحد مفاتيح الحرب الأوكرانية ومؤشر على الشكل الذي سيكون عليه “العالم بعد” اليوم الذي تنتهي فيه هذه الحرب، ليدرك الجميع أن أولوية أميركا لم تتغير منذ “تحوّل” رئيسها السابق باراك أوباما تجاه آسيا، ومنذ بداية المواجهة الخفية مع الصين أيام الرئيس دونالد ترامب، تلك التي أعاد الرئيس جو بايدن إحياءها وتضخيمها، لتصبح واشنطن مهووسة بالصعود الصيني.
رفع مستوى التهديد
ولا شك أن قضية المنطاد أو “المناطيد” بعد تدمير مركبات مجهولة أخرى فوق ألاسكا وكندا كان لها تأثير كبير في الولايات المتحدة، لأنها حولت التهديد المحتمل للمواطنين الأميركيين إلى شيء ملموس فوق رؤوسهم، ومن ثم إلى انتهاك كبير لبيتهم، بعد أن كان أمر الصين خطابا مجردا يتعلق بالتكنولوجيا أو حديثا بعيدا عن تايوان، حتى إن البعض يذهب إلى حد الحديث عن “لحظة سبوتنيك”، عندما أدرك الأميركيون أنهم قد يفقدون قيادة العالم.
غيّر المنطاد إذن -كما يرى هاسكي- طبيعة الجدل الأميركي إلى درجة هستيرية، حيث أصبح الجميع يتساءلون عمن سيكون الأكثر حزما مع بكين، وفي الصين أيضا يوجد المناخ نفسه بشكل مختلف ولكن بالمحتوى القومي نفسه الذي يشيطن “العدو”.
ومع أن هذا المناخ يمنع أي نهج هادئ وعقلاني للتفكير في مشكلة صعود القوة العظمى الصينية، فهل الحرب بين العملاقين هي الحل؟ كما يتساءل الكاتب، وهل تجنبها أصبح مستحيلا؟ كما يصوره غراهام أليسون في كتابه “نحو الحرب” مستندا إلى قراءته “فخ ثيوسيديدس” الذي تنبأ قبل 2500 عام بحتمية الحرب عندما تتحدى قوة صاعدة قوة قائمة.
وخلص الكاتب إلى أن سر انخراط واشنطن في أوكرانيا لم يكن مواجهة روسيا ولا إضعاف أوروبا كما تصور نظرية المؤامرة، ولكن إرسال رسالة حازمة إلى الصين بعد كارثة الانسحاب الأميركي من كابل، ومحاولة استعادة مصداقيتها بين حلفائها وخصومها المحتملين.