خدم فلاديسلاف ل. 3 سنوات في صفوف القوات الروسية والانفصاليين الأوكرانيين أثناء حرب دونباس عام 2014، قبل أن يغير ولاءه وينضم إلى الجيش الأوكراني، ليصبح في حرب لا تعرف أنصاف الولاء، أحد أولئك الجنود الضائعين بين الجبهتين الذين لا يريد أحد رؤيتهم، لا في كييف ولا في موسكو، وليظهر أخيرا كمتهم “بالمشاركة في جماعة إرهابية” أمام محكمة في العاصمة الأوكرانية.

قصة هذا الشاب ترويها صحيفة لوموند (Le Monde) الفرنسية -في تقرير بقلم فلورنس أوبينا- يبدؤه من اندلاع الصراع في دونباس عام 2014، عندما كان فلاديسلاف ل. (17 عاما) يعيش مع عائلته بإحدى أوائل القرى سقوطا في يد القوات الروسية والانفصاليين الأوكرانيين، ليعيش مع رفاق سنه محنة البطالة زمن انهيار مناجم الفحم وصناعة الصلب، وقد اتهم بالولاء لأوكرانيا وتم اعتقاله واستجوابه وضربه، قبل أن يطلق سراحه رحمة لدموع والدته.

 

وعند بلوغ الشاب سن الـ 18، نصحه أحد الأصدقاء بطلب الانضمام إلى الفوج الانفصالي السابع في دونيتسك، ليصبح قاذف قنابل يدوية مقابل 15 ألف روبل شهريا (حوالي 200 يورو) وبعد 3 سنوات من الخدمة، أبحر إلى روسيا بحثا عن حياة جديدة، ليعود مفلسا للعيش مع خالته في زاباروجيا، على ضفاف نهر دنيبر، قبل أن تبدأ الحرب هناك مرة أخرى عام 2022.

 

سيلفي بالزي العسكري الروسي

قرر الجندي الانفصالي السابق العودة إلى الخدمة، لكن في صفوف الموالين لأوكرانيا هذه المرة -كما يقول الكاتب- وتم اكتتابه في ما يسمى حمى تسجيل كل من يعرف الرماية للدفاع عن الوطن، ولكن مدير وحدته وجده “غير مستقر أو مقبول من قبل القوات، ومتوترا في ميدان الرماية” رغم أنه يدعي أنه متمرس، وإن كان لا يشك هو ولا غيره في ماضيه، ولكنهم ينكرون عليه الإفراط في شرب الخمر، بل إنهم طردوه.

بعد ذلك، قرر هذا الشاب الالتحاق بكتيبة آزوف التي اشتهرت ببسالتها في قتالها بمدينة ماريوبول الأشهر الأولى من الحرب.

تقدم لها بوصفه خبيرا في قذف القنابل اليدوية، لكن عند سؤال مسؤول التجنيد بكتيبة آزوف له عن سبب هذا الخيار، أخرج بفخر هاتفه ليريه على الشاشة “تجربته في الوحدات على الجانب الآخر” وصوره الشخصية بالزي الروسي وبطاقته العسكرية ووحدته الخاصة التي تم تصويرها بمعسكر التدريب في توريتسك بدونباس، ليتصل المسؤول على الفور بوحدة إدارة الأمن الأوكرانية.

في المحكمة سأل أحد المحامين موكله الشاب: ألم تكن خائفا من التوقيف بالكشف عن ماضيك، فرد قائلا “أردت أن أدفع ثمن ذنبي بالتجنيد في آزوف. لقد كنت دائما في أوكرانيا، ولكن هذا ما حدث” إذ قدم فلاديسلاف ل. نفسه مع مجموعة أدواته، ليكون الحاسوب المحمول ومحتوياته هما الدليل المادي الرئيسي في القضية.

 

حرب الدعاية

وفي قاعة محكمة صغيرة، لا يتعدى الجمهور الحاضر صحفية واحدة، لأن الموقوفين في هذا السياق جميعهم تقريبا محتجزون “سرا” وإن كانت الجلسات من حيث المبدأ علنية.

وقد أطلقت عشرون من أكبر المنظمات غير الحكومية الأوكرانية التماسا للمطالبة بالشفافية في قرارات المحاكم، لا سيما القضايا التي من شأنها الإضرار بالصورة الوطنية مثل الفساد والخيانة، وهم يشجبون “إخفاء المعلومات” الذي لا يساهم “بأي شكل من الأشكال في انتصار أوكرانيا، لأنه يقوض ثقة الجمهور بالسلطات رغم أهميتها القصوى أثناء الحرب”.

أما محاكمة فلاديسلاف ل. فإن رسالة من أجهزة الأمن الأوكرانية على حسابهم الخاص على فيسبوك هي التي أدت إلى الدعاية لها، حيث أعلنت إدارة أمن الدولة في سبتمبر/أيلول 2022 أنها ألقت القبض على “عميل روسي كان يحاول التسلل إلى خطوطنا” إلا أن الدفاع حطم تهمة “الخيانة” حيث أوضح المحامون أن المتهم كشف خلفيته في دونباس.

من الناحية النظرية -كما يقول الكاتب- يمكن أن يكون فلاديسلاف ل. جزءًا من تبادل أسرى الحرب، إلا أن موسكو لم تعد تريد أن تسمع عن هؤلاء الأوكرانيين الذين يغيرون ولاءهم عندما يتم القبض عليهم، ولا تقبل التفاوض إلا من أجل “الروس الحقيقيين”.

المصدر : لوموند

About Post Author