رغم محاولة بعض السياسيين اليابانيين النأي بأنفسهم عنها، فإن طائفة “مون” هي الآن قوة الظل في الحياة السياسية اليابانية، بعد أن نسجت كنيستها شبكة واسعة من المؤيدين داخل الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم في اليابان، حسب ما جاء في صحيفة “لوموند” (Le Monde) الفرنسية.
وطائفة مون هي طائفة تتبع ما تعرف “بكنيسة التوحيد”، التي أسسها سون ميونغ مون عام 1954 في سول عاصمة كوريا الجنوبية، ومون هذا هو ابن عائلة من الفلاحين، في ما تعرف الآن بكوريا الشمالية، وقد ادعى أنه رأى -في سن الـ15- يسوع المسيح الذي طلب منه، حسب زعمه، أن يواصل مهمته من أجل البشرية للوصول إلى حالة من النقاء “الخلو من الخطايا”.
وبعد تأسيسه تلك الكنيسة، سرعان ما تحول مون إلى السياسة، إذ تبنى في البداية خطا واضحا مناهضا للشيوعية وجذب تعاطف النظام العسكري الكوري الجنوبي في ذلك الوقت.
وقد أصبحت المنظمة تدريجيا إمبراطورية اقتصادية موجودة في مختلف القطاعات (البناء، الغذاء، السيارات، السياحة، الإعلام وغيرها)، مما حوّل مؤسسها، الذي توفي عام 2012 إلى ملياردير ذي علاقات قوية مع بعض زعماء الدول ومع جزء من الطبقة المخملية اليابانية.
وقد بدأ مراسل صحيفة لوموند في طوكيو، فيليب ميسمير، تقريرا له حول نفوذ هذه الطائفة في اليابان بقصة النائب هيديميتسو إيتو الذي انتخب 5 مرات للمجلس العام عن الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم ممثلا عن مقاطعة جيفو (وسط اليابان).
يقول ميسمير إن هذا الرجل السبعيني يؤكد اليوم أنه لم يكن على دراية باستفادته من دعم كنيسة التوحيد التي ساعدته خلال 10 سنوات، من دون علمه، في الفوز بعدة انتخابات، وعلق المراسل على ذلك بالقول إن هذا قد يبدو مستبعدا، لكن مشكلة هذا التأثير تتعلق بعدد كبير من المسؤولين المنتخبين، إذ أصبحت طائفة مون في النهاية قوة ظل في الحياة السياسية اليابانية.
ولتأكيد ما ذهب إليه، يستشهد المراسل بدراسة أجرتها صحيفة “أساهي” اليابانية اليومية في أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول 2022، كشفت فيه أن 150 برلمانيا و7 محافظين من أصل 47 و290 منتخبا بالمجلس العام (أكثر من 10% من الإجمالي) اعترفوا بصلاتهم بالطائفة وأن 80% من هؤلاء أعضاء في الحزب الليبرالي الديمقراطي.
وينقل ميسمير عن الصحفي الياباني إيتو سوزوكي، الذي يحقق منذ عام 2002، في تغلغل “كنيسة الوحدة” في المجال السياسي الياباني قوله إن “السياسيين ليسوا مهتمين كثيرا بما يحصل إنهم يعلمون أن هذه المنظمة تسببت في مشاكل، لكنهم لا يرغبون في الكشف عن روابطهم بها”، مشيرا إلى أن لكلا الحزبين الرئيسين باليابان مبرراته لذلك، فربما كان الهدف “الفوز في الانتخابات بالنسبة للبعض، واكتساب احترام للآخرين”.
تعود الروابط بين طائفة مون والعالم السياسي الياباني، وفقا لميسمير، إلى ستينيات القرن الماضي، حين استفادت هذه الطائفة من دعم السلطة في كوريا الجنوبية، وبالذات أجهزة المخابرات المحلية، وأصبحت كنيسة التوحيد أداة سياسية في كوريا الجنوبية ولكن أيضا في اليابان.
ولفت المراسل إلى أن أول اعتراف رسمي بهذه الطائفة في اليابان كان في عهد رئيس الوزراء السابق نوبوسوكي كيشي (1896-1987)، جد رئيس الوزراء شينزو آبي (1954-2022)، وذلك من خلال الاتحاد الدولي للنصر على الشيوعية، أحد فروع هذه الطائفة، وقد منح كيشي مكانة المجتمع الديني “المسيحي” لهذه الطائفة في يوليو/تموز 1964.
وأشار الكاتب إلى أن اغتيال آبي في الثامن من يوليو/تموز 2022 كانت له صلة بعلاقته بطائفة “مون”، حسب ما أقر به الشخص الذي اغتاله.