في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أعلنت الأمم المتحدة عن وصول تعداد سكان العالم إلى 8 مليارات نسمة. حيث أصدر قسم الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالأمم المتحدة تقريرًا تفصيليًا عن حالة التعداد السكاني للكوكب حاليًا، وتوقّعات النمو والانكماش السكاني للدول والقارات المختلفة في العالم حتى عام 2050. والتقرير الذي يقع ملخصه في أكثر من 50 صفحة، يتوقّع تغيرات ديمغرافية كبيرة في التركيبة السكانية للعالم في الأعوام الثلاثين القادمة.
تقديرات الأمم المتحدة لعدد سكان العالم في الوقت الراهن، والتي تشير إلى تجاوز الـ8 مليارات نسمة، تؤكّد زيادة عدد السكان بمعدّل كبير في مدة قصيرة. ففي عام 1974 كان تعداد سكان العالم 4 مليارات نسمة فقط، وزاد إلى 6 مليارات نسمة قبل عام واحد من بداية الألفية الجديدة؛ أي عام 1999، وهو ما يعني أن عدد البشر زاد إلى النصف في ربع قرن فقط.
وبين عامي 1999 و2022 -أي خلال 23 عامًا- وصل العدد إلى 8 مليارات، بزيادة ملياري نسمة في مدة مساوية تقريبًا للزيادة السابقة. وتقدّر الزيادة في السنوات العشر الأخيرة فقط بمليار نسمة، ومن ثم يُتوقّع أن يزيد البشر إلى ما يقرب من 10 مليارات نسمة بحلول عام 2050.
تغيرات في توزيع السكان
يشير التقرير إلى أن الزيادة المتوقّعة لن تكون متساوية في مختلف القارات والبلدان، أي أنها لن تكون بالضرورة متناسبة مع عدد السكان الحالي لكل منطقة.
ويعدّ أكبر تغيير واضح هو التغيير المتوقّع في تعداد الصين والهند؛ أكبر دول العالم من حيث عدد السكان. فالصين تتصدّر العالم -حاليًا- بما يقدّر بـ1.42 مليار نسمة، بزيادة تقارب 300 مليون نسمة منذ عام 1999، تليها الهند بتعداد يقدّر بـ 1.41 مليار نسمة بزيادة تتجاوز 550 مليون نسمة في المدة نفسها.
ومعدّل الزيادة في الهند أعلى بكثير من الصين بسبب سياسة الطفل الواحد التي فرضتها بكين لمدة طويلة للسيطرة على الزيادة السكانية، والتي أدّت إلى نتيجة سلبية؛ حيث يتّجه التعداد السكاني في الصين إلى الانكماش.
ومن ثم يتوقّع التقرير أنه بحلول عام 2050 ستكون الهند صاحبة أعلى تعداد سكاني في العالم بتعداد يقدّر بـ1.66 مليار نسمة، بينما تتراجع الصين للمرتبة الثانية بتعداد يقدّر بـ1.37 مليار نسمة، أي أقل من تعدادها الحالي، بالرغم من إلغاء الصين لسياسة الطفل الواحد، وتشجيعها الأسر على إنجاب أطفال أكثر.
زيادات مركّزة في أفريقيا وآسيا
كما هو واضح فإن عددًا كبيرًا من سكان العالم -حاليًا- يسكن دولتين فقط؛ هما: الهند والصين، حيث يقارب تعدادهما مجتمعتين 2.83 مليار نسمة، وتأتي الولايات المتحدة في المركز الثالث، ثم إندونيسيا، وباكستان، ونيجيريا، والبرازيل، وبنغلاديش، وروسيا، ثم المكسيك بمجموع سكان يصل إلى 4.55 مليار نسمة، أي أكثر من نصف سكان الكوكب يتركّز في الدول العشر الأعلى تعدادًا في العالم.
لكن التقرير يتوقّع أن يتغيّر الترتيب ؛حيث ستتعرّض بعض هذه الدول إلى الانكماش، مثل: روسيا، أو الثبات -أو الزيادة الطفيفة- مثل: البرازيل، بينما ستدخل دولة جديدة في قائمة الدول العشر الأكثر تعدادًا، وهي إثيوبيا.
ويرى التقرير أن أكثر من نصف الزيادة المتوقّعة في العالم حتى عام 2050 ستكون من 8 دول فقط، حيث سيزيد تعدادها بما يتجاوز مجموعه مليار نسمة، وهذه الدول هي: الكونغو الديموقراطية، ومصر، وإثيوبيا، والهند، ونيجيريا، وباكستان، والفلبين، وتنزانيا.
وبالنظر إلى توزيع السكان بالنسبة للقارات، يلاحظ أن قارتي أوروبا وأميركا الشمالية بالإضافة إلى أستراليا ونيوزيلاندا ستحافظ -بالكاد- على تعدادها، أو ستزيد زيادات طفيفة، بينما ستتركّز الزيادة في قارتي أفريقيا وآسيا في مناطق شمال أفريقيا وغربها ووسطها، ومنطقة جنوب الصحراء الأفريقية، ومناطق وسط شرق آسيا وشرقها وجنوبها.
تحديات أساسية تصاحب الزيادة السكانية
يرى الخبراء أن الزيادة السكانية ستمثّل ضغطًا متزايدًا على موارد الكوكب، خاصة في مجالي الطاقة والغذاء. ففي تقرير أعدّته جامعة “دالهوسي” (Dalhousie University) الكندية عن آثار الزيادة السكانية المتوقّعة، أوضح الباحثون في قسم الاقتصاد بالجامعة أن الزيادة السكانية ليست بالضرورة أمرًا سيئًا.
وأشارت المحاضرة بالقسم الدكتورة ميريتيكا شمس الدين إلى أن الزيادة السكانية أمر جيد، إذ يعني ذلك زيادة في القوة العاملة في المجتمع وزيادة في المستهلكين، وهما يعنيان زيادة في الإنتاجية. إلا أنها على الجانب الآخر قد تتسبّب في نفاد الموارد غير المتجددة للطاقة والغذاء إذا تمّت الزيادة السكانية بسرعة أكثر من اللازم.
بينما يرى الأستاذ المشارك بقسم دراسات النمو الدولية الدكتور روبرت هاريش أن أحد أسباب الزيادة السكانية هو تطوّر نظم الرعاية الصحية، والتي نتج عنها قلّة أعداد الوفيات في المواليد، وزيادة متوسط الأعمار. ولكنه يشير إلى التفاوت الكبير في متوسط الدخل ومتوسط الأعمار بين الدول المختلفة، مما يعني أن بعض المناطق ستعاني من جراء هذه الزيادة.
أما في مجال الغذاء، فالباحثون في مركز سنغافورة للإبداع في الأغذية والتقنية الحيوية ينبّهون إلى عجز محتمل في موارد الغذاء، قد يزيد من حدّة معاناة المناطق التي تعاني من مشكلة في الأمن الغذائي.
في الوقت الذي أدّى وباء كورونا إلى زيادة في الذين يعانون من مشكلات تأمين قدر كافٍ من الغذاء، يقدّرون بنحو 150 مليون نسمة، مقارنة بالعام السابق على الوباء، وقد أسهمت المشكلات السياسية في العام الحالي إلى تفاقم الأزمة، ويتوقّع أن يقترب إجمالي من يعانون من مشكلات في توفير الغذاء إلى ما يقارب مليار نسمة.
ومن ثَمّ يقترح الباحثون الإسراع في تبنّي موارد جديدة للغذاء؛ مثل: الزراعة الرأسية والمعملية، وإنتاج البروتينات من مصادر بديلة؛ مثل: الكائنات الدقيقة.