مسؤول استخبارات أميركي مخضرم: ما فائدة الاستخبارات في أوكرانيا؟
يقول أحد المسؤولين السابقين في الاستخبارات الأميركية إنه مع كل أدوات السياسة الخارجية، بما في ذلك الاستخبارات، سيستغرق الفوز على روسيا في أوكرانيا وقتا ومثابرة واجتهادا وقدرة على التحمل، “لقد فعلناها من قبل، ويمكننا فعلها مرة أخرى”.
يقول رونالد ماركس المسؤول الكبير السابق في وكالة الاستخبارات المركزية “سي آي إيه” (CIA)، الذي يركز حاليا على قضايا السياسة الإلكترونية والاستخباراتية أكاديميا، إن طلابه السابقين في الاستخبارات يسألونه هذه الأيام عن أوكرانيا، وعن كيفية انتصار الاستخبارات الأميركية في الحرب الباردة.
للاستخبارات حدودها
ويجيب ماركس على طلابه السابقين، في مقال له بموقع “ذا هيل” (The Hill) الأميركي، إن الاستخبارات الأميركية استغرقت وقتا طويلا دام 4 عقود لتنتصر في الحرب الباردة، لكن ذلك النصر لم يتحقق بالاستخبارات وحدها؛ فالاستخبارات لديها استخداماتها الرائعة وحدودها المميزة، وأوكرانيا ليست استثناء.
وأضاف أنه كثيرا ما يُسأل عن سبب عدم تمتع أميركا باستخبارات بشرية أفضل، ويجيب “لقد كان لدينا دائما استخبارات بشرية جيدة وجامعو معلومات ممتازون، ما ليس لدينا هو سياسيون على استعداد للتراجع”.
وأشار إلى أن المصطلح المستخدم لوصف روسيا لدى الاستخبارات الأميركية هو “هدف صعب”، ويعني هذا أنها تتمتع بآلية ضخمة للتجسس، في جميع أنحاء العالم، ومنتشرة في كل مكان، بخاصة في الداخل؛ “إنهم يراقبون شعبهم وكل صغيرة وكبيرة في وطنهم، والدكتاتوريون مثل (الرئيس الروسي) فلاديمير بوتين من الصعب معرفة ما يدور في رؤوسهم، وربما هو نفسه قد لا يكون متأكدا”.
المحللون لا يتنبؤون بالمستقبل
وقال إن طلابه السابقين يسارعون أيضا في الحكم على تحليل الاستخبارات، “لماذا بالغنا في تقدير قوة الجيش الروسي؟ لماذا لا يمكننا معرفة مدى مرض بوتين؟ متى سيطاح به؟ لماذا لا نستخدم مزيدا من المعلومات المفتوحة المصدر؛ الفضاء الإلكتروني ممتلئ بمعلومات مثل هذه… ألا تقرؤونها يا رفاق؟”.
ويجيب بأن هناك كميات هائلة من المعلومات المتاحة عن أوكرانيا، وربما في هذه الحرب أكثر من أي حرب أخرى في حياته بفضل وسائل التواصل الاجتماعي.
وقال إن هناك سوء فهم أساسيا لما يفعله المحلل، مشيرا إلى أن المحللين يقدّرون، ويتحدثون بمستويات من الثقة، ويتعاملون مع أكوام ضخمة من المعلومات، ولا يتنبؤون بالمستقبل.
لغز يلفه الضباب
ومضى يقول إنه لم يصادف تقريرا واحدا خلال 40 عاما التي قضاها في الاستخبارات؛ “فلان سيقف في النقطة الفلانية في الساعة الفلانية ليفجر حزاما ناسفا مملوءا بالمسامير”، مضيفا أن من المرجح أن تحصل على 10 تقارير منفصلة ومتناقضة قليلا من مصادر عدة تصف بشكل غامض كل جانب من جوانب الحدث، مثل لغز يلفّه الضباب.
واستمر ماركس يشرح لطلابه بأن عملهم الاستخباراتي، ببساطة، هو أمر يصدره الرئيس ويُعرض على الكونغرس لمعالجة قضية سياسية دولية معينة وتحديد إجراءات الحكومة الأميركية، الأقل من استخدام القوة العسكرية المباشرة.
الاستخبارات في الحرب
يقول ماركس إن العمل السري في الحرب هو تدريب وتمويل الثوار، وتسليحهم، وإطلاعهم على كيفية استخدام الأسلحة، والأمل بإبقاء الأسلحة تحت السيطرة والعثور على غير المستخدمة منها بعد الحرب، “فهناك سوق سوداء كبيرة ومربحة للأسلحة”.
كذلك، يتعلق العمل السري بتنسيق الإجراءات داخل حكومة الولايات المتحدة وحلفائها لدعم العقوبات الاقتصادية والسياسية، ومكافحة الدعاية مكافحة فعالة، فهذا أيضا جزء من برنامج ناجح، ولا يحدث أي من هذا على الفور؛ فقد استمر الصراع الأول في أفغانستان على مدى عقد من الزمان. وأوضح أن بعض جهودهم كانت ناجحة لأنهم كانوا يضغطون على الاتحاد السوفياتي على امتداد 4 عقود، مشيرا إلى أن أوكرانيا لن تكون مختلفة.
كالتوابل في الحساء
وفي التحليل النهائي، يختم الكاتب مقاله بأن الاستخبارات هي التوابل في حساء السياسة؛ ضرورية ومهمة، لكنها ليست الحساء نفسه، إذ يمكنها جمع معلومات ممتازة، لكن لا يُتوقع منها معرفة ما في أذهان “الطغاة” مثل بوتين. فتحليل الاستخبارات تقديري؛ ينجح في بعض الأحيان ويفشل في أخرى، والعمل السري يهدف إلى إلحاق الألم والتأثير على النتيجة، ولكن ليس الفوز في الحرب.